منتدى أصيلة يناقش الفن و«الربيع العربي»

الفنانون حاولوا التعبير عن طموحات الشارع.. والحراك سيأتي بمفاهيم فنية جديدة

المصمم الفرنسي جورج فرني، اقترح إشراك الفنان مع المهندس في بناء البيوت والمستشفيات وحتى مرائب السيارات لكي يشعر المواطن عند مشاهدته بانجذاب نحو المكان («الشرق الأوسط»)
TT

اتسمت مداخلات فنانين ونقاد عالميين في ندوة «تقاطعات المغرب المتعدد»، ثاني ندوات موسم أصيلة الثقافي الرابع والثلاثين، بتحفظ واضح حول تقديم تصورات واضحة بشأن تفاعل الساحة الفنية مع الحراك الذي عرفته المنطقة العربية في ما عرف باسم «الربيع العربي»، واكتفوا بالتطرق إلى بعض الظواهر التي ترتبط بهذا الأمر. لكن الفرنسية نادين ديسندر، مديرة وكالة الثقافات الأوروبية، التي أدارت الندوة، قالت إن الحراك يمكن أن تكون له انعكاسات كبيرة وسط الفنانين، وعبرت عن اعتقادها بأن بعض الفنانين حاولوا التعبير عن طموحات الشارع في المنطقة العربية، وتوقعت أن يأتي الحراك بمفاهيم فنية جديدة، تتطلب بعض الوقت حتى تتبلور.

ومن جانبه، تساءل المغربي إبراهيم العلوي، وهو مؤرخ فني ومنسق معارض الفنانين المغاربة في باريس، عن كيفية إدماج الفنون في الحداثة والمجتمع عامة، قائلا: «هذا التساؤل اقتضى تضحيات من الفنانين لأنه كان يمكن أن يلح على أصالته، لكن ما يهم الفنان هو أن يقدم أعماله للجمهور». وأضاف: «نحن بحاجة إلى مراكز كثيرة للفن لإحياء الذاكرة والمحافظة على التراث الذي يعمل عليه الباحثون، وتكون بمثابة مراكز للفنون تحافظ على ذواتنا».

وبشأن تفاعل الفنانين مع «الربيع العربي»، قال العلوي: «لأول مرة صار هناك تفاعل بين الفنانين في العالم العربي، بحيث ظهر مذهب (العروبة الشاملة)، وبدأت معها بناء شبكات تربط بين تجارب عربية، وتم توسيع نطاق التجربة جغرافيا، كما حدث تمرد على الرؤية الرسمية للفنون التي كانت تشكل قيودا على الفنانين»، وأشار العلوي إلى أن «الفنانين المغاربة الذين استقروا في المهجر انتقلوا إلى هناك، لأسباب سياسية وشخصية، ولما عادوا إلى بلادهم اقتنعوا بالفنون التقليدية المغربية، وهكذا أصبح للفنانين المهاجرين دور في تطوير الفنون المغربية»، على حد قوله.

أما مداخلة الناقد الفني المغربي فريد الزاهي، فقد ركزت على طرح سؤال مفاده: لماذا صارت النخب الثقافية غير فاعلة؟ وقال في هذا السياق: «في عقد الستينات من القرن الماضي، عندما يكتب مقالا ما كان يثير ضجة، وهو ما لا يحدث الآن، وفي الماضي كانت هناك حرقة للأسئلة»، على حد تعبيره. وقال: «إن ما يحدث الآن هو أن الأذن أصبحت صماء والأفواه بكماء، وأصبحنا نكتفي بمساءلة أنفسنا». وقال الزاهي إن وتيرة الأحداث في حاجة إلى استعادة المثقف القادر على التفكير الكلي، مستنتجا أنه في الوقت الحاضر «تضاءل المثقف وتضاءلت قدرته على التفكير وكذلك فاعليته».

وشدد الزاهي على أن «المثقف كان يعتبر مؤسسة بيد أنه لم يعد كذلك الآن، وهذا الجانب المؤسسي يظل غائبا»، واختتم مداخلته بالقول: «أظن أن هناك رهانات في الفن المغربي المعاصر مثل ما أسميه (تحرير المتلقي وتحرر الجسد)، وصار الجسد الشخصي عنصرا في العمل الفني والتحرر في الصورة ذات البعد الواحد، التي أصبحت مجالا ضمن المجالات الأخرى، يمكن الاشتغال عليها والخروج من الصورة التقليدية». وتحدثت رشيدة التريكي، وهي باحثة تونسية ومؤرخة للفنون، عن قضية الهوية التي تتصارع في اتجاهين، الأولى أصولية تعارض الفنون انطلاقا من رفضه التجسيد، والثانية تدعو إلى فتح جميع المجالات أمام الفنون لترتادها. وانتقدت عدم وجود أماكن تحتضن الفنون وتروج لها في دول المغرب العربي.

أما جورج فرني، وهو مصمم فرنسي، فقد اقترح إشراك الفنان مع المهندس في بناء البيوت والمستشفيات وحتى مرائب السيارات لكي يحس المواطن عند مشاهدته بانجذاب نحو المكان. وعرض عبد القادر دماني، وهو معماري فرنسي من أصول جزائرية، تسجيلين لمباراة لكرة القدم واحد منهما في ملعب مصمم بطريقة فنية في مدينة ليون الفرنسية، والثاني موجود في حي فقير في مدينة فنيسيون غالبية سكانه من العرب، بحيث حاول تبيان كيف يمكن للمتفرج أن يتفرج في مباراة تجري في مكان مصمم بطرقة فنية ومكان آخر عادي في حي لا توجد به تصاميم فنية.

ويقترح التسجيل الثاني نمطا جديدا للعب كرة القدم بطريقة فنية، بحيث يكون المتبارون 3 فرق عوضا عن فرقتين يلعبون في 3 جوانب، ويكون شكل الملعب مسدسا، وقال إن هذا الابتكار من صنع فنان دنماركي. وكانت الغاية من هذا المشروع فسح المجال للتعاون وليس للصراع بين الفرق، ويكون الفريق الفائز في المباراة هو الفريق الذي استقبل أقل عدد من الضربات في مرماه، وقال إنهم سيكملون هذا المشروع وسيقومون بدورة حقيقية على الصعيد الفرق العالمية.

وأوضح أنهم يعملون على ابتكار مشاريع فنية مثل وضع بناية على شكل مكعب أقيمت في ساحة بإحدى المدن الفرنسية، ونظم معرض في هذه البناية، كما قام دماني بشرح مشروع آخر تمثل في وضع أسماء قصيرة وبسيطة على سهم تشير إلى مكان وجودها توضع على واجهات البنايات، لكن دماني قال بحسرة إن هذه التجربة كانت فاشلة ولم تتم الموافقة عليها تحت عذر أنها ستشوه شكل واجهات البنايات.