غوردن رامزي في مهمة «انتحارية» خلف القضبان

الطاهي البريطاني يعلم السجناء خبز الكعك وإعداد الطعام والسلاطات

غوردن رامزي
TT

«إذا نجح غوردن رامزي في حمل هؤلاء المجرمين على العمل معا من أجل الارتقاء بمستوى حياتهم؛ فسوف يستحق امتناننا».. هذا ما كتبه إروين جيمس، السجين الذي يقضي عقوبة مدتها 20 عاما في سجن «بريكستون» الذي عرف باستضافته من قبل عددا من قيادات الحركة الأصولية منهم: أبو قتادة سفير بن لادن في أوروبا المحتجز حاليا في سجن «لونغ لارتن» بشمال إنجلترا، وخالد الفواز (سعودي)، وعادل عبد المجيد عبد الباري (مصري يعتقد أنه من جماعة الجهاد) وكل منهما على قائمة الطلب الأميركي للترحيل إلى الولايات المتحدة، في تهمة تفجير السفارتين، وقد زارت «الشرق الأوسط» قبل عدة سنوات أبو حمزة الليبي زعيم خلية «ميلانو» داخل ردهات سجن «بريكستون» الذي يتميز بحراسة أمنية مشددة على مدار الساعة.

«متى كانت آخر مرة عملت فيها لمدة 60 ساعة في الأسبوع؟».. سؤال طرحه غوردن رامزي على اللص المتهم أنتوني، الذي يبلغ من العمر نحو 30 عاما، وهو واحد من «فرقة الأشرار» (Bad Boys Brigade) في الحلقة الأولى من برنامج «غوردن خلف القضبان» (Gordon Behind Bars). آخر ظهور لرامزي في برنامج ترفيهي تلفزيوني تم عرضه الأسبوع الماضي على محطة «تشانيل 4».

في البداية، يبدو أنتوني مرتبكا من السؤال. يتساءل قائلا: «عمل متواصل؟».

يجيب رامزي قائلا: «نعم». يقول إنتوني: «مطلقا». إنه حوار كان من الممكن أن يجري بين شيف شهير وواحد من غالبية نزلاء سجن «بريكستون»، حيث يتم تصوير البرنامج.

وعلى غرار كل السجون المحلية الكبرى في بريطانيا، تمتلئ عنابر ودرجات سلالم سجن «بريكستون» بأناس تشير أنماط حياتهم الفوضوية إلى أنهم لم ينعموا مطلقا بمزايا ومكاسب العمل بنظام الدوام الكامل على مدار 20 عاما، ويبدو أن الإجرام والسلوك المعادي للمجتمع في سن صغيرة لعدد من نزلاء السجن لم يتح لهم سوى حياة ملوثة فاسدة على نحو يتعذر إصلاحه.

ومع ثورة الطعام التي تشهدها دول كثيرة في العالم، خصوصا في الغرب، أصبحت هناك علاقة شهرة متبادلة بين الطهاة وما يقدمونه من مأكولات، فالناس ترتاد المطاعم الشهيرة في كبرى عواصم العالم، مثل باريس، ولندن، ونيويورك، وطوكيو، ومدريد.. وغيرها، ليس فقط بسبب الأطعمة التي تقدمها هذه الأماكن، وإنما بسبب ارتباط بعض هذه المطاعم بأسماء طهاة شهرتهم فاقت شهرة بعض السياسيين في بلادهم.

وبالعودة إلى رامزي الطباخ المثير للجدل، الذي ذاع صيته في العالم وأصبح مثل الأخطبوط بسبب عدد المطاعم التي يعمل بها أو التي يملكها في كثير من مدن وعواصم العالم؛ في لندن وباريس وطوكيو ودبي وأخيرا وليس آخرا نيويورك، وجاءت الكتابات عن مطعمه هناك على غير ما يهوى ويحب، وكذلك في برنامجه «غوردن خلف القضبان» الذي يقبل على مشاهدته البريطانيون، على «تشانيل 4»، فإنه لم يتغير كثيرا في طريقة إيصال المعلومة عن أساليب طهي شرائح اللحم وعمل السلاطات والبسكويت، وكان يوجه السباب أحيانا إلى نزلاء السجن الذين يتقبلون منه الإرشادات بروح مرحة.

وعلى الرغم من الجهود المثلى لفريق العمل المتحفز، فإن غالبية ما يحدث في السجون لا يهدف إلى تعزيز السلوك المتحضر المراعي لحقوق ومشاعر الآخرين، والمتوافق مع أعراف المجتمع. والمعضلة التي يواجهها رامزي في سجن «بريكستون» هي أن السجناء ليسوا جميعا رفقاء متعاونين مع بعضهم بعضا، فهم بالأساس يتنافسون على المساحة والموارد وكسب الاهتمام، ولكن نجاح رامزي في حمل نزلاء السجون على التعاون في ما بينهم يعد بمثابة مهمة شبه مستحيلة؛ فعلى درجات السلالم يسعى كل نزيل لمصلحته الخاصة، فكرة تعززها الآليات الدفاعية الغريزية المرتبطة بالصراع من أجل البقاء، وسط إجراءات أمنية مشددة فهم يتعاملون مع آلات حادة مثل السكاكين. وتبدو الحياة في السجون بدائية تماما مثل الحياة في التلال، لكن على غرار سائر البشر، يمتلك السجناء إمكانات، وغالبا ما يكون كل ما يحتاجون إليه هو بطل لإخراج تلك الإمكانات الكامنة داخلهم.

وتنم الإشارات عن أنه بالنسبة لفريق رامزي، قد يكون هو ذلك البطل، لكنه يشعر بالغضب عندما يكتشف أن السجناء يمضون قسطا ضئيلا جدا من يومهم بالسجن في العمل، مشيرا إلى رجال يظلون محتجزين داخل زنزاناتهم على مدار 21 ساعة كل يوم، يقول: «لا يجب أن يقبعوا هناك كل هذه الفترة».. إنه أمر جيد لكن الحقيقة أنهم في هذه المرة ليسوا مخطئين في واقع الأمر.

على مدار العشرين عاما الماضية، خيبت الحكومات المتعاقبة آمال الأحزاب السياسية الرئيسية بسياساتها ومواقفها بشأن السجون، هناك رقم قياسي لعدد السجناء يقدر بأكثر من 85.000 سجين يكبدون الحكومة البريطانية نفقات تزيد على مليوني جنيه إسترليني سنويا، فضلا عن معدل العودة لارتكاب الجرائم بين السجناء الذين تم إطلاق سراحهم، حيث يصل المعدل إلى نحو الثلثين.

بكل المقاييس، يمثل ذلك فشلا على نطاق واسع. هذه هي الحقائق التي يجب على رامزي وكل دافعي الضرائب الآخرين والمتهمين بارتكاب جرائم أن يصبوا جام غضبهم عليها.

لكن رامزي على الأقل يحاول اتخاذ إجراء حيال ذلك، كانت هناك شكوك في دوافعه. بدا استغلال السجناء المعرضين للهجوم في السباق من أجل الحصول على تصنيفات في «تلفزيون الواقع» خطوة مبهمة المغزى، لكن نظرة الرعب التي بدت في عيني رامزي، عندما زار العنابر لأول مرة لمقابلة معاونيه الجدد، أظهرت إدراكه حقيقة أنها لن تكون مهمة سهلة.

ورامزي في حلقات البرنامج يرغب في أن يتعلم ويكسب فريقه وتتمثل خطته في تعليمهم مهارات تمكنهم من تحقيق إنجاز في حياتهم، وهي فكرة قد توليها وزارة العدل اهتماما. ولكي ينجح يحتاج لكسب احترامهم، وهي مهمة عويصة بالنسبة لمجموعة أفراد لا يكنون بالأساس لأنفسهم أو لبعضهم بعضا قدرا كبيرا من الاحترام، لكننا ندرك أن لديهم الرغبة.

على سبيل المثال، يقول مدمن الهيروين، ديف، إنه قد سئم الفشل وعدم تحقيق أي تقدم في حياته. ربما تكون هذه فترة الحظ إذا خرج من السجن وهو يعرف أساليب الطهي.

وبعد مشاركته تجربة التفكك الأسري (كون الأب مدمن كحوليات والأخ مدمن هيروين) جعلهم يستمتعون بوقت لطيف من خلال إعداد كعكات ذات أشكال خيالية تستحق التقدير، فريق العمل الشجاع الذي تنازل عن الأموال التي حصل عليها مقابل الكعكات، وقد أقنع رامزي الرجال بتولي مهمة إعداد الوجبة الرئيسية في السجن.

ويقول مأمور السجن إن رامزي قد اضطلع بمهمة ثقيلة. وقال نائب مأمور السجن: «إنهم لم يعتادوا العمل»، لكن على عكس ما هو متوقع، نجح فريق رامزي من خلال الثقة بالنفس ورباطة الجأش في فريقه من نزلاء السجن، فقد قدموا في نهاية اليوم أطعمة للعنابر أفضل من تلك الأطعمة المعتادة.

وتعتبر وصفة رامزي القياسية بسيطة ومتوقعة. إنه يدمر هؤلاء الذين يشاركون في برامجه، ثم يعيد بناءهم مجددا خطوة خطوة إلى أن يصبحوا على درجة بالغة من الامتنان لفكرة أنهم يرغبون في كبح جماح سلوك منقذهم سليط اللسان، ومع ذلك، فإنه إذا ما حقق رامزي أهدافه المعلنة في هذا البرنامج، فسوف يستحق امتنان كثير من البريطانيين، وعناقا حقيقيا من فريقه من نزلاء السجن الذين أعطاهم فرصة حياة قبل الخروج لتنسم عبير الحرية. ومن المعروف أن رامزي حائز على 3 نجمات من مؤسسة «ميشلين» التي تعنى بفن الطبخ، وحصل على هذه النجمات 3 مرات، وهو الأمر الذي جعله واحدا من أشهر الطباخين في العالم. ويتحتم على الزبائن الانتظار للحصول على طاولة طعام في مطعمه الكائن بمنطقة تشيلسي اللندنية الفاخرة، وله مطعم آخر في فندق «كلاريدج» بلندن لا يقل نجاحا عن الأول. وكان قد افتتح مطعمه الأول وهو في السادسة والعشرين من عمره، كما أنه يمتلك مطاعم في طوكيو، ودبي، وباريس.. ويقوم أحيانا بتحضير وجبة الغداء في بلد، لينتقل بعد ذلك على متن طائرة خاصة لتحضير وجبة عشاء في بلد آخر.

ويقول رامزي: «أتناول كمية كبيرة من الطعام، كوني طباخا. وعليه، فإن الركض هو طريقتي الأمثل للحفاظ على وزن مقبول». وكان رامزي لاعب كرة محترفا يلعب مع نادي كلاسيكو رينجرز الاسكوتلندي قبل توجهه إلى باريس ليتدرب على فنون الطبخ والطهي. وقد تدرب هناك على أيدي أمهر الطباخين قبل أن يصبح واحدا منهم.

وعن قدرته على إدارة أكثر من مطعم في وقت واحد، إضافة إلى إعداد وتسجيل برنامجه الشهير، يقول رامزي: «إنها مسألة تنظيم وقت ليس إلا»، ويواصل قائلا: «لا يوجد طباخ واحد في العالم يقضي كل وقته في المطبخ؛ فهناك فريق عمل يحقق الامتياز بإشراف عن بعد». ولرامزي كتاب بعنوان «طباخ لكل المناسبات»، ينصح فيه بعدم وضع كميات كبيرة من الزبد في الطعام، كما يعتبر السمك من أجود أصناف الطعام وأكثرها إفادة لجسم الإنسان».