«ماي كوبتر».. مشروع أوروبي لبناء أول سيارة طائرة

الاتحاد الأوروبي منح المشروع 4 سنوات للانتهاء من تجاربه

أحد نماذج السيارات الطائرة (الصورة وزعها معهد «ماكس بلانك»)
TT

في فيلم الخيال العلمي «العنصر السادس»، من إخراج لوك بيسون، يطير بائع الساندويتش الياباني بسفينته الشراعية إلى الطابق الثلاثين كي يبيع الـ«سوشي» لبطل الفيلم بروس ويليس. ثم يتورط الأخير، وهو في سيارة أجرة طائرة، في شوارع شاقولية افتراضية، في مطاردة مذهلة مع سيارات الشرطة الطائرة.

يحلم الإنسان منذ أكثر من 50 سنة بمثل هذه الإمكانية التي تتيح له الطيران بين البيوت والأبنية، وذلك بعد أن وصل عصر السيارات التقليدية إلى نهاية المطاف، كما يبدو. وكمثل فإن العالم الأميركي بول موللر، أستاذ هندسة الإيروداينميك، تعدى السبعين سنة الآن، ويعمل على مثل هذا المشروع منذ أكثر من ثلاثين عاما. ويقول موللر إنه أنفق مبلغ 100 مليون دولار أميركي حتى الآن على بناء النماذج الأولى من السيارات الطائرة «سكاي كار»، وعلى رسم التصاميم المتقدمة لمثل هذه السيارة، إلا أنه لم يوفق حتى الآن في رفع سيارته الطائرة شاقوليا عن الأرض أكثر من 3 - 4 أمتار.

الباحث الألماني هاينريش بولهوف، من معهد «ماكس بلانك» الألماني لعلوم الحركة والضغط في توبنغن (جنوب)، يؤيد زميله الأميركي موللر في أن كل نماذج السيارات الطائرة التي أنتجت حتى الآن، ونال بعضها إجازة في الولايات المتحدة، هي عبارة عن طائرات صغيرة مزودة بأجنحة قابلة للطي، أو أنها عبارة عن هليكوبترات بمراوح مصغرة، إلا أنه لم يتم حتى الآن بناء سيارة طائرة حقيقية. فالسيارة الطائرة الحقيقية يجب أن تنطلق إلى السماء شاقوليا من دون الحاجة إلى مدرج أو مسافة إحماء، وإن كانت مسافة صغيرة.

حلم إنتاج السيارة الطائرة الأولى يراود اليوم مشروعا أوروبيا يحمل اسم «ماي كوبتر»، خصص له الاتحاد الأوروبي مبلغ 4.3 مليون يورو لإجراء البحوث اللازمة حول إنتاج النموذج الأول منها فقط. وتشارك في المشروع، إلى جانب معهد «ماكس بلانك» الألماني، جامعة ليفربول البريطانية، والجامعة البولتيكنيكية في لوزان، وجامعة زيوريخ في سويسرا، إضافة إلى مركز الأبحاث الفضائية الألماني.

وفرق الباحث الألماني بولهوف عن زميله الأميركي موللر، أن الأول لا يسعى لبناء السيارة الطائرة الأولى في العالم فحسب، وإنما إلى تهيئة كامل الشروط اللازمة لاستعمالها. بمعنى تقديم المقترحات حول شكل الشوارع «المعلقة»، ومسارات الطيران وأنظمة المرور.. إلخ. لأن الهدف من المشروع، حسب تصريح بولهوف لصحيفة «دي فيلت» الألمانية، هو تمكين كل فرد في المجتمع من الطيران بسلامة، ومن دون أضرار على البيئة، في شوارع معلقة في كل الاتجاهات أيضا.

بعد أربع سنوات من الآن سيكون على بولهوف وزملائه أن يقدموا إلى المفوضية العلمية في الاتحاد الأوروبي، نتائج أبحاثهم حول سيارة المستقبل الطائرة، وكل ما يتصل بها من مواضيع أخرى مثل الشوارع والمحطات وأنظمة السلامة.. إلخ. ويقول بولهوف إن هناك العديد من النماذج الأولية الجديدة المقترحة، بيد أنه لا واحد منها يفي بالغرض باعتباره سيارة المستقبل. ولهذا فإن البحث سيتركز في المشروع على إنتاج جهاز محاكاة كامل، هو النموذج الأول من سيارات المستقبل الطائرة، ويجري تدريب المتطوعين عليه.

الهدف الأول من التجارب على «السيميولاتور» سيكون ضمان أن السيارة الطائرة سترتفع عموديا إلى الهواء من دون الحاجة إلى مدرج. وسيتم على هذه الأساس تزويدها بقائد إلكتروني، ملاح إلكتروني، وأجهزة استشعار للبعد عن الأرض وعن الأبنية والأجسام الأخرى. ومن المهم هنا أن تكون قيادة «السيارة الطائرة» سهلة بمقدار سهولة قيادة السيارة التقليدية.

في خطوة موازية سيعمل العلماء على رسم خرائط افتراضية للشوارع الشاقولية والمطارات وحركة السيارات وأنظمة المرور، وسيتم إدخال كل هذه المعلومات في جهاز المحاكاة بغية توفير كل مستلزمات التجربة. فالنموذج الأول من السيارة الطائرة سيكون قادرا على الارتفاع شاقوليا، ثم التحرك في كل الاتجاهات وفي مختلف الزوايا. والهدف هنا هو إنتاج سيارة طائرة من حجم صغير، لا يزيد عن حجم سيارة عائلة متوسطة الحجم، لا تشكل أي تهديد للبيئة وحياة الناس، ثم إنها لا يمكن أن تستخدم إلا الطاقة البديلة.

حلم آخر سيصفق له الملايين ممن سقطوا في امتحانات الحصول على إجازة قيادة السيارة التقليدية، وهو أن بولهوف وفريق عمله سيسعون إلى إنتاج سيارة طائرة لا يحتاج الإنسان إلى استحصال إجازة من السلطات كي يقودها. ويقول الباحث الألماني إن القليل من التمرين في البيت على «السيميولاتور» مع الأب أو مع الأم، سيكفي لتزويد الابن بما يكفي من الخبرة لقيادة السيارة الطائرة بسرعة كبيرة وعلى شوارع شاقولية وأفقية.

لن تتعرض السيارة الطائرة إلى الحوادث بسهولة بحكم الفضاء الواسع للشوارع الهوائية قياسا بشوارع المدن الضيقة. كما أنها مزودة بنظام أمني كامل لتجنب الارتطام بالأبنية والحواجز والسيارات الأخرى. ثم إن تصميمها للتحرك في كل الاتجاهات والزوايا لا يمكن مقارنته بتصميم الشوارع الأرضية، حيث تنحصر حركة السيارة بالاتجاهات الأربعة فقط تقريبا. وهذا يعني أن الخبراء سيزودون سيارة المستقبل الطائرة بسائق إلكتروني، وبملاح إلكتروني، وأجهزة استشعار أمنية، تتيح للإنسان قيادتها بسهولة وأمان. وعلى هذا الأساس فإن الطيار الآلي سينتزع المبادرة من يد الإنسان حال حصول حادث استثنائي قد يعرض حياة البشر، وأمن الشوارع إلى الخطر. وسيزود العلماء السيارة الطائرة بمقود يتيح للإنسان التمتع يدويا بقيادة السيارة الطائرة، لكنه لا يستجيب له عند حصول طارئ.

يبقى على الخبراء أيضا أن يتغلبوا على مشاكل الضجيج الصادر عن محركات السيارات الطائرة، إذ ينبغي أن تكون «هامسة» قياسا بضجيج السيارات التقليدية وصوت احتكاك العجلات بالأرض. يضيف بولهوف أن حل مشاكل النقل والزحام وتلوث البيئة لا تتم عن طريق بناء المزيد من الشوارع، أو تحويل التنقل إلى سطوح الأبنية العالية، لأن عدد السيارات يزداد، وعدد الشوارع يزداد، وتتقلص معهما المساحات الخضراء في المدن وحولها. الحل هو سيارات طائرة، رئيفة بالبيئة، وسهلة القيادة تحت تصرف كل مواطن.

وحتى عام 2016 ينبغي أن يكون النموذج الأول من السيارة الطائرة قابلا للتنفيذ أمام شركات الإنتاج، ومن ثم بكميات كافية للسوق. إذ لا يمكن خفض سعر بيع المفرد من السيارة الطائرة إلى حد مقبول، مقارنة بالسيارات، ما لم يجر إنتاجها بكميات كافية للسوق. وكمثل فإن بعض نماذج «السيارات الطائرة» (ذات الأجنحة القابلة للطي) في الولايات المتحدة تباع بسعر ربع مليون دولار بسبب إنتاجها الفردي. الإنتاج بكميات كبيرة كفيل بخفض سعر السيارة الطائرة إلى 50 - 70 ألف يورو في المرحلة الأولى، وذلك حسب تقدير بولهوف.

يبقى أن نتحدث عن مجال أو شبكة خطوط السيارات الطائرة التي يخطط لها مشروع «ماي كوبتر» الأوروبي. إذ تحدث بولهوف عن مجال طيران في المدن على ارتفاع 500 متر، وربما أنه يقصد بذلك رسم خطوط طيران السيارات في المدن التي تنتشر فيها ناطحات السحاب، أو ربما أنه ينظر أبعد من ذلك، وإلى مدن مستقبلية لن تتاح لجيلنا فرصة رؤيتها.