المهرجانات اللبنانية تشهد إقبالا رغم ارتفاع الأسعار

فنانون عالميون بالجملة لجمهور يبحث عن الفرح

جوليان كلير يعيد جمهوره إلى الزمن الرومانسي في جبيل
TT

مع نهاية الأسبوع، يعيش لبنان ازدحاما في مواعيد المهرجانات، بل وتضاربا أحيانا، على الرغم من محاولة المنظمين التنسيق فيما بينهم. إلا أن الاضطرار لإنهاء البرامج قبل رمضان جعل مواعيد الحفلات متقاربة بشكل كبير ومتزامنة أحيانا، حتى بات بمقدور رواد المهرجانات حضور حفلة كل يوم لو أرادوا، أو استطاعوا.

رغم كثرة الحفلات، وبرمجتها خلال شهر واحد للانتهاء قبل رمضان، فإن مسؤولة في أحد المهرجانات تقول إن الإقبال جيد جدا ومُرضٍ. وتضيف: «يجب أن لا ننسى أن فرقة كركلا أضافت حفلة رابعة في (بيت الدين) نظرا للإقبال على العرض. بي بي كينغ في جبيل نفدت بطاقاته، وفرقة سلاش كان الإقبال عليها ممتازا». وتشرح المسؤولة: «إن ثمن البطاقة الواحدة يبدأ من 40 دولارا ويصل إلى 150، أي أن الأسعار مرتفعة نسبيا، ومع ذلك يريد الناس الحضور والاستمتاع بما يقدم لهم».

الجمعة غنى أزنافور ابن الثمانية والثمانين عاما في مهرجانات جونية، وأمس السبت كان ثمة حفلان على الرواد الاختيار بينهما، فلمحبي الطرب الشرقي، غنى صابر الرباعي في قلعة بعلبك، بينما قدمت «مهرجانات بيت الدين» حفلا للرقص بعنوان «بوش» كان قد حاز الكثير من الجوائز العالمية، وهو للراقصين: الفرنسية سلفي غييم والإنجليزي رسل ماليفان.

ومساء الجمعة كان الجمهور على موعد في «مهرجانات بيبلوس» مع أسطورة موسيقى البلوز بي بي كينغ بغيتاره، وصوته الأجش، وتاريخه الطويل الذي يعود حتى خمسينات القرن الماضي. فبعد دعوته 18 مرة في السابق، ها هو بي بي كينغ يلبي أخيرا الدعوة، ويتوعك قليلا على المسرح. الرجل الذي بلغ السابعة والثمانين من العمر، أحضر بمعيته إلى جبيل موسيقى السود الأميركية بكل ما تحمله من ألم وعناد وقسوة. على النقيض من بي بي كينغ كان حفل الفرنسي الشهير جوليان كلير على المسرح نفسه يوم الخميس، أي قبل يوم واحد فقط.

للفرانكفونيين والرومانسيين ومحبي أغنيات العشق الرقيقة والشفيفة، جاء جوليان كلير إلى بيبلوس. وفي اليوم نفسه وقف المغني الإيطالي زوكيرو على مدرجات بعلبك ليقدم حفله أيضا.

الحشود التي تدفقت لحضور حفل الفرنسي جوليان كلير كانت نسائية في غالبيتها، وأعمارهم تجاوزت الأربعين والخمسين. فالغالبية، لا بد تأتي يحملها الحنين إلى زمن كان فيه جوليان كلير يعبر عن مشاعرها الفياضة في الحب ومناجاة الآخر. فمن أفضل من هذا المغني الحالم والرقيق يمكنه أن يغني «أيها النساء أحبكم»؟

«ما يزال جوليان جميلا ووسيما ورشيقا». قالت إحداهن على الرغم من أنه تجاوز الستين. منذ أربعين عاما، أي يوم كانت الأغنية الفرنسية لها طابعها وشاعريتها الخاصان، بدأ جوليان يغني، وما يزال يبحث عن الكلمة الأنقى والشعر الأجود ليقدمه لجمهوره. منذ السبعينات والرجل محبوب ومرغوب ليس فقط في فرنسا بل خارجها أيضا. وهو لذلك يقوم حاليا بجولة غنائية تحمل اسم «سيمفوني»، يجوب فيها مدنا عدة من بينها بيبلوس في لبنان.

برفقة الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية التي ضمت أربعين عازفا، يقودها ستيفان جوبير، غنى جوليان كلير على المسرح القائم في الهواء الطلق على مرفأ جبيل. صوت الأمواج الهادرة الذي اختلط بصوت الموسيقى، وتناغم أضواء المسرح مع أضواء المباني المزروعة على طول الشاطئ، زادا من الإحساس بجمالية المكان.

بدأ جوليان كلير بأغنياته الأكثر هدوءا، ركع أمام حبيبته وسط الصحراء، أبحر في القوارب التي قال إنه يحبها كثيرا، أسمعنا من ألبومه «نياغارا» وشدا «البندقية». استشهد بكلمات لشارلي شابلن ليقول إن الفلاسفة والكتاب والرسامين كلهم يعجزون عما يفعله الموسيقيون، وأن لا شيء أدفأ ولا أمتع من أمسية نصغي فيها لعزف أوركسترا، قبل أن يقدم لنا العازفين الذين يرافقونه.

حضر هذا الحفل رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان برفقة عقيلته، ووزير الداخلية مروان شربل، ووزير الثقافة غابي ليون، وعدد من الشخصيات والسياسيين والفنانين.

عزف جوليان كلير على البيانو، هو الذي رافق هذه الآلة وتعلمها منذ كان في الثالثة عشرة، ولحن أغنياته التي كتبها له شعراء أحبهم وأحبوه، وبعضهم رافقه طويلا ومديدا. أغنية جديدة له وطريفة لصاحبة الحذاء الأسود والتنورة التي يطيرها الهواء. غنى عزفا على البيانو، وشاركته في إحدى المعزوفات على هذه الآلة إحدى موسيقيات الفرقة لنسمع مقطوعة تعزف بالأيدي الأربع.

ردد الحاضرون مع جوليان كلير أغنياته القديمة التي يعرفونها عن ظهر قلب، وبقوا صامتين مصغين لكلمات أغنياته الأكثر جدة، خاصة تلك التي اختارها من ألبومه الجديد «مجنون... ربما».

بقي جوليان كلير صامدا وهو يتواصل مع الجمهور دون تعب لأكثر من ساعة ونصف. لم يقل إنه يعشق لبنان، أو إنه كان ينتظر هذه اللحظة الأثيرة، ليدغدغ مشاعر الحاضرين كما بات يفعل الفنانون الجدد كلما حلوا في بلد، لابتزاز حب مستمعيهم. غادر جوليان كلير وفي نفس الحاضرين الكثير من العطش لأغنيات يعرفونها لا يبدو أنه قرر تقديمها، خاصة أغنيته الشهيرة «مليسا».

على عكس ما كان يخشاه البعض، لم تفرمل المخاوف الأمنية حب اللبنانيين للسهر والمرح. المهرجانات تشهد إقبالا كبيرا. التذاكر تباع بشكل جيد. الحفلات الغنائية المتنوعة التي ترضي كل الأذواق تنال القبول، فهي تتنوع بين البلوز والجاز والروك، كما الرومانسي والرقص الشرقي والغربي المعاصر، إضافة إلى الطرب الأصيل والأوبرا. حفلات لكل الأمزجة. منظمو المهرجانات بدأوا يتنفسون الصعداء. الموسم انطلق، الفنانون العالميون يتقاطرون كل بدوره لتقديم حفلة والجمهور يتعطش للقائهم.