متحف البرادو يستضيف معارض عن رفاييل ومساعديه

يضم المعرض 74 عملا لم يسبق أن عرضت في إسبانيا

لوحة الفنان العالمي رفاييل تمثل الكاردينال برناردو دوفيزي تعرض في متحف البرادو بمدريد ضمن عرض «أعمال رفاييل المتأخرة» (إ.ب.أ)
TT

لطالما كانت فكرة الاستوديوهات التي كان يعمل بها كبار الرسامين الإيطاليين محور اهتمام الباحثين في مجال الفن الغربي. وفي الوقت الحالي، يرغب «متحف برادو» الإسباني هو الآخر في استغلال فكرة الاستوديوهات كوسيلة للاقتراب من فنان هام مثل الإيطالي رفاييل، من خلال إقامة معرض يركز على السنوات الأخيرة في حياته، وهي الفترة التي تحول فيها إلى الرسام الأكثر تأثيرا في الفن الغربي.

وخلال سنوات عمره الأخيرة، أقام الرسام الإيطالي في روما أهم استديوهات رسم في ذلك الوقت، كما تعاون مع فنانين مثل جوليو رومانو (1499 - 1546) وجيان فرانشسكو بيني (1496 - 1528). والحقيقة أن أحد الأهداف من هذا المعرض هو محاولة التعرف على أوجه الاختلاف بين الأعمال التي قدمها الأستاذ والصور التي رسمها تلاميذه، ولعل هذا يكون سببا جيدا للذهاب إلى مدريد من أجل الاستمتاع بصور رفاييل.

ويضم المعرض 74 عملا لم يسبق عرضها في إسبانيا، وهو يحاول أن ينقل الزوار إلى السنوات الأخيرة من حياة أحد أكثر الرسامين تأثيرا في الفن الغربي خلال عصر النهضة.

ويقدم المعرض، الذي يحمل عنوان «سنوات رفاييل الأخيرة» ويستمر حتى 16 سبتمبر (أيلول)، استعراضا تاريخيا لأنشطة رفاييل الفنية منذ تولي البابا ليو العاشر (في عام 1513) حتى وفاة الرسام الشهير في عام 1520. ومن المثير للفضول أن لوحات رفاييل لم تفهم بالكامل بسبب مشكلات تتعلق بالتسلسل الزمني التاريخي، وما تتسم به من تنوع مثير للحيرة والبلبلة، ولكون رفاييل لم يكن يعمل بمفرده.

وتبدأ الزيارة بأعمال من عام 1513، وهو التاريخ الذي انتهى فيه رفاييل من عمله الذي استمر لمدة 5 سنوات في روما، قام خلالها بتزيين جدران غرف الفاتيكان الشهيرة، إلى جانب فنانين إيطاليين آخرين مثل مايكل آنغلو (الذي كان أكبر منافسيه) وسيباستيانو ديل بيومبو. وقد كان رفاييل محظوظا بأن أصبح واحدا من الرسامين المفضلين للبابا ليو العاشر، الذي وضعه على رأس العالم الفني، قبل العبقري العظيم مايكل آنغلو. إلا أن هذا كان يعني أيضا زيادة عدد العاملين الذين شاركوا في أعمال رفاييل، مما جعل من الاستوديو الخاص به واحدا من أكبر وأهم الاستوديوهات في البلاد في ذلك الوقت. وقد وصل عدد العاملين في هذا الاستوديو في النهاية إلى 50 تلميذا ومساعدا، حيث كان الجميع يرغبون في التعلم منه والعمل معه. ويضم المعرض مجموعة كبيرة تتكون من 44 صورة زيتية و28 لوحة وأداة أثرية واحدة ونسيج جداري مزدان بالرسوم، وهذه المجموعة تم تجميعها من نحو 40 مؤسسة مختلفة.

وينقسم المعرض إلى 6 أقسام تغطي مراحل التطور التصويري والجمالي التي مر بها رفاييل، كما يعقد مقارنة بين أسلوبه الفني في المراحل الأخيرة من حياته ومجموعة من الأعمال التي رسمها مساعداه رومانو وبيني.

ومن أروع الأعمال التي تأتي إلى إسبانيا لأول مرة صورة مليئة بالهدوء والسكينة لأحد أصدقاء رفاييل، وهو بالداسار كاستيغليون (وتعود إلى عام 1519)، وتمت استعارتها من «متحف اللوفر»، وصورة المذبح الكبيرة لسانت سيسيليا (وتعود إلى الفترة 1515 - 1516)، وتمت استعارتها من «متحف الفن الوطني في بولونيا». ويستطيع المشاهد لهذه الصورة أن يدرك مدى جمال الشخصيات وتكوينها المثالي المتناغم، وهو مستوى من الإنجاز وصل إليه رفاييل خلال الفترة التي قضاها في روما. وتشمل المرحلة الأولى من الزيارة «رفاييل ولوحات المذابح»، أي الصور التي رسمها فوق المذبح في بعض كنائس روما أثناء الفترة التي اعتلى خلالها ليو العاشر كرسي البابوية. ومع أن معظم هذه الصور كانت مذيلة بالتوقيع «raphaelurbinas» (أي: «رفاييل من أوروبينو»)، فرغم الدور الذي لعبته في إكساب اسم رفاييل شعبية كبيرة بالخارج، فقد كانت تتضمن في الغالب قدرا كبيرا من المساعدة داخل ورشة العمل، بل وأحيانا ما كانت تسند بالكامل إلى أحد المساعدين. وتعد غالبية هذه الأعمال قطعا روائية حاول فيها رفاييل أن يعيد صياغة صورة المذبح التقليدية بالأسلوب الدرامي الجديد الذي كان يعمل في الوقت ذاته على نقله إلى تصميم اللوحات الجصية والأنسجة الجدارية المزدانة بالرسوم.

وقد تعرض رفاييل خلال الفترة التي قضاها في روما لضغط رهيب، وكثيرا ما كان يسند بعض الجوانب في عمله إلى أكثر مساعديه الذين يثق بهم، وهما جوليو رومانو وجيان فرانشسكو بيني، إلا أنه كان على وجه العموم يتحكم بشكل كبير في إنتاج ورشته.

ويستحق أهم مساعدي رفاييل، وهو جوليو رومانو، قسما خاصا به. صحيح أن بيني ركز في عمله على لوحتي «السيدات الصغيرات» و«العائلات المقدسة»، إلا أن جوليو كان رساما أكثر طموحا وتنوعا. وتمثل الأعمال الموجودة في هذا القسم الطرق التي تطور بها عمل جوليو حينما لم يكن رفاييل يفرض قيودا عليه. ومن الممكن ملاحظة أن لوحة «الصلاة»، التي أحضرت من مدينة بارما، تم رسمها في الغالب بتكليف من رفاييل، وإن كان التنفيذ الظاهري من جانب جوليو بالكامل، وكذلك اللوحة الكاريكاتيرية «رجم سانت ستيف» ولوحة «الجلد» من كنيسة «سانتا براسيدي» بروما، إلخ. ويجب أن يتضمن معرض عن رافاييل قسما عن الصور، لأنه أحدث تحولا في فن التصوير الذي يعود إلى عصر النهضة، موسعا نطاق إمكانات النوع الأدبي بطرق لم يتوقعها أي فنان آخر.

ويمكن تقسيم صوره إلى مجموعتين: صور رسمية ووجوه لأصدقاء. ويتمثل أحد أوجه الاختلاف بين المجموعتين في أن الصور الرسمية للكاردينالات والبابا وغيرهم من العارضين أصحاب المقام الرفيع الذين يجلسون أمام الرسامين لرسم صور لهم كانت أعمالا متعاقدا عليها، ومن ثم، كان يتم تنفيذها تحت ضغط زمني شديد. وتضم المجموعة الثانية صورا رسمها رافاييل لأصدقائه، ربما كهدايا دون تلقي أي أجر عليها، وتضم أعلى الأعمال جودة التي تعبر عن إبداع الفنان.

وتتمثل إشارة خاصة في المعرض في الصورة الأخيرة «التجلي» التي أوكلت لرفاييل مهمة رسمها من قبل الكاردينال جوليو دي ميديشي. وقد انتهى رافاييل من اللوحة قبل وفاته، وأبقيت في روما نتيجة لوفاته غير المتوقعة. وتوجد الآن في «ماسي فاتيكاني»، ثم أرسلت صورة سيباستيانو إلى ناربون، وتوجد الآن في المتحف الوطني بلندن.

* صحافية في جريدة «الموندو» الإسبانية ومتعاونة مع «الشرق الأوسط»