ما ضمانة الحفاظ على مواقع قائمة التراث العالمي من التدمير المنفلت؟

هدم قبور الأولياء في تمبكتو وقبلها معابد باميان وجسر موستار.. تبرر السؤال

أحد القبور الإسلامية في تمبكتو.. التي استهدفها المقاتلون مؤخرا
TT

«إن هدم الأضرحة الثلاثة التي تمثل جزءا من التراث العالمي في مدينة تمبكتو الأفريقية هو بمثابة نذير سوء بالنسبة لنا، بل هو يمثل أيضا مأساة لسكان مالي الذين اعتنوا بهذه الآثار وعملوا على صونها خلال ما يربو على سبعة قرون».. هذا ما قالته إليونورا ميتروفانوفا، رئيسة لجنة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو، تعليقا على أعمال التخريب التي تعرضت لها أضرحة إسلامية في مالي، مؤخرا، بسبب النزاع القائم في شمال البلاد.

وهي ليست المرة الأولى التي تتسبب فيها نزاعات طائفية في تدمير آثار وشواهد تعتبر من الإرث الثقافي الإنساني المشترك، الذي تحاول اليونيسكو حمايته وتوفير الصيانة اللازمة له وحفظه من الاندثار، وذلك من خلال إدراجه في قائمتها. وتتألف قائمة التراث العالمي من ممتلكات يصل عددها إلى 878 عملا، منها 679 ممتلكا ثقافيا، و174 طبيعيا، و25 مختلطا، موزعة في 145 دولة.

وكانت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو، قد عبرت عن قلقها العميق وبالغ أسفها لما حدث في مالي، ووجهت نداء إلى المتحاربين للكف فورا عن ممارسات الهدم هذه. وصرحت بأن التقارير التي أفادت بهدم أضرحة «سيدي محمود» و«سيدي مختار» و«ألفا مويا» تثير أشد القلق، وقالت: «ليس ثمة ما يبرر هذه الممارسات المتعمدة، وإني أطالب جميع المنخرطين في النزاع الدائر هناك أن يكفوا عن هذه الأعمال الفظيعة التي لا يمكن محو آثارها، وأن يتحلوا بالمسؤولية لحماية التراث الثقافي النفيس من أجل أجيال المستقبل».

بوكوفا، التي كانت تحضر مؤتمرا للجنة التراث العالمي في سان بطرسبورغ (الاتحاد الروسي)، دعت مرارا في بيانات سابقة لها، لتعزيز التعاون الدولي من أجل حماية المواقع التي لا تشهد فقط على العصر الذهبي لتمبكتو في القرن السادس عشر، بل وتمتد إلى عهد يعود إلى القرن الخامس الهجري.

إلى ذلك، كانت اللجنة قد وافقت في 28 يونيو (حزيران) الماضي على طلب حكومة مالي بإدراج تمبكتو ومقام أسكيا في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر لليونيسكو. وتذكر أحداث مالي بما حدث في يوغسلافيا السابقة من نزاعات أدت إلى استهداف جسر موستار القديم، وكذلك الوقائع المؤلمة لتدمير تماثيل بوذا العملاقة في باميان، في أفغانستان.

تمبكتو، التي تشهد أعمال تمرد عنيفة منذ مطلع العام الحالي، جعلت من دولة مالي، غرب أفريقيا، الشهيرة باستقرارها، مسرحا للمعارك والتخريب والفوضى التي أدت إلى تهجير ما يقرب من 300 ألف مواطن، ثم جاء تدمير الأضرحة الإسلامية التاريخية، على يد جماعات مسلحة صغيرة، ليزيد من هول المأساة في البلد الذي عاش التسامح والديمقراطية وكان حاضنا لأولياء الله الصالحين. وقد وصفت المحكمة الجنائية الدولية الاعتداء بـ«جريمة حرب». أما اليونيسكو، على لسان مديرتها، فقد اعتبرته اعتداء على البشرية جمعاء ومحاولة لعزل الناس واستبعادهم وقطع الروابط القائمة بينهم.

هل يكون إدراج أحد المواقع على لائحة التراث الإنساني ضمانة له من التعرض للهدم أو الاعتداءات؟ يبدو السؤال مطروحا بعد واقعة هدم معابد باميان على يد عناصر من حركة طالبان. وعلى الرغم من استحالة ضمان اليونيسكو كل المواقع، فإن الدول والشعوب المختلفة ما زالت تبذل المساعي وتكثف الجهود لإدخال مواقعها التاريخية في قائمة التراث العالمي، فإذا كانت الحماية من الحروب غير مضمونة، فإن تقديم العون المادي والخبرات العلمية يبقيان مفيدين لصيانة تلك المواقع وحفظها من الاندثار مع مرور الزمن.

انضم إلى القائمة، الشهر الماضي، المتنزه الطبيعي لأعمدة «اللينا» في الاتحاد الروسي؛ وهو آخر موقع يدرج هذا العام، كما أسفرت الدورة الـ36 للجنة التراث عن دخول كل من تشاد والكونغو وبالاوس، وطبعا فلسطين، إلى القائمة، للمرة الأولى.

يتميز المتنزه الطبيعي لأعمدة نهر «اللينا» بوجود أعمدة صخرية رائعة يبلغ ارتفاعها نحو 100 متر على طول ضفاف النهر، في الجزء الأوسط من جمهورية ساخا (ياقوتيا). وقد نشأت هذه الأعمدة بسبب المناخ القاري الشديد السائد في المنطقة الذي غالبا ما تتراوح درجة الحرارة فيه بين 60 درجة مئوية في فصل الشتاء و40 درجة مئوية في فصل الصيف. وتشكل الأعمدة دعائم صخرية، تفصل بعضها عن بعض أخاديد عميقة وشاهقة تكونت بفعل الصقيع المبعثر في موازاة مفاصل متداخلة. وكان من شأن المياه الآتية من السطح تسهيل عمليات تلطيف درجة الحرارة، عبر تذويب الثلوج، قد تسببت في توسيع الأخاديد بين الأعمدة، مما أدى إلى عزلتها. أما التطورات النهرية فإنها تمثل أهمية فائقة للأعمدة. ويشمل الموقع أيضا بقايا كبيرة من أحافير ذات أشكال متعددة، بعضها يعتبر فريدا من نوعه.

هذا عن آخر موقع يضاف إلى قائمة المواقع الطبيعية، أما أبرز المواقع الثقافية التي أدرجت على القائمة فهي: الرباط، العاصمة الحديثة والمدينة التاريخية في المغرب، وكنبد قابوس، والمسجد الجامع في مدينة أصفهان بإيران، وحوض التعدين في منطقة نور با دو كاليه شمال فرنسا، ومصائد اللؤلؤ في البحرين، وموقع تطور الإنسان القديم في جبل الكرمل في الأرض المحتلة، وميناء ليفربول التجاري في بريطانيا، وتحصينات الساحل الكاريبي لبنما.. كما تم بفضل تحسن عمليات الصون في باكستان والفلبين شطب حصن وحدائق شالامار في لاهور باكستان ومصاطب الأرز في منطقة الكورديليراس الفلبينية، من القائمة المذكورة.

ويبقى الفوز الأهم بالنسبة للعرب، في الاجتماع الأخير للجنة اليونيسكو، ولكل مسيحيي العالم، هو إدراج كنيسة المهد وطريق الحجاج في مدينة بيت لحم الفلسطينية على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.