«منتدى أصيلة» يكرم محمد العربي المساري

أول الحالمين بإصلاح الصحافة المغربية.. واعتبر المناضل الواعي بقضايا مجتمعه

الإعلامي عبد الإله التهاني لدى تقديمه الكاتب الصحافي والسياسي والدبلوماسي محمد العربي المساري، وبدا إلى جانبه الكاتب والروائي والسياسي عبد الكريم غلاب (تصوير: أسامة محمد)
TT

تقديرا لجهوده وعطاءاته ومسيرته الإعلامية المميزة على مدى أكثر من نصف قرن، زاوج خلالها، في توازن وانسجام، بين متطلبات الكتابة الملتزمة في الصحافة والتأليف الحر والبحث والترجمة، وأعباء النضال السياسي في واجهات متعددة - كرم «منتدى أصيلة» خلال اليومين الماضيين، الكاتب الصحافي والسفير ووزير الإعلام المغربي الأسبق، محمد العربي المساري. وتم خلال الندوة التكريمية التي أدار جلستها الأولى الإعلامي عبد الإله التهاني، تسليط الضوء على أبرز المحطات في تجربة المساري متعددة المجالات.

وقال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة «منتدى أصيلة»، ووزير خارجية المغرب الأسبق: «إن المساري كان دبلوماسيا ناجحا عندما شغل مهامه كسفير للمملكة المغربية لدى البرازيل»، واعتبر أن المساري كان بمثابة «المحاور المسؤول المؤمن بالتلازم الوثيق بين الدبلوماسية والإعلام». وزاد بن عيسى قائلا: «إن المساري كان متفانيا في حب مهنة الصحافة إلى أبعد الحدود، حيث لم تكن تفوته مناسبة كبيرة أو صغيرة دون أن يخصص لها كتابات وتحليلات تغني الذاكرة وتنعشها». وأوضح أن المحتفى به حرص على إيلاء اهتمام كبير لقطاع الإعلام عندما كان وزيرا في «حكومة التناوب»، وعمل على نهج سياسة إعلامية اتسمت بالعقلانية والتدرج والانفتاح على المشهد الوطني.

وتحدثت لطيفة أخرباش، وهي أستاذة باحثة في الإعلام والصحافة، ووزيرة سابقة، وقالت إن المساري مارس السياسة، لكنه امتهن الصحافة التي اهتم بجميع قضاياها، وقالت أخرباش: «إن المساري هو الصحافي الذي ضل طريقه إلى الوزارة، لكنه في الحقيقة ليس ضالا؛ إذ أإنه كان أول الحالمين بمشروع إصلاح الصحافة»، وزادت قائلة «إذا كان الرجل هو الأسلوب، فالمساري هو رجل العلاقات الطيبة»، واقترحت أخرباش إصدار كتاب عنه بعنوان «المساري.. خير الصحافة الوطنية».

وتحدث جواو باتيستا فارغانس، كاتب وأستاذ اللغة والحضارة العربية في برازيليا، وقال: «إن المساري لما كان في البرازيل لم يكن سفيرا فقط وإنما كان مهتما بالثقافة البرازيلية»، وأكد أن المساري عمل على التقريب بين البلدين.

ومن جانبه، طرح محمد أوجار، الكاتب الصحافي والوزير السابق لحقوق الإنسان، السؤال التالي: «ما الذي جعل سياسيا يرأس تحرير (العلم) ويرأس فريق حزب (الاستقلال) بالبرلمان، أن يترك كل هذا ويغادر إلى البرازيل ليعمل هناك سفيرا»، وعقب قائلا: «هذا السؤال يسكنني وأريد له جوابا»، ثم زاد متسائلا: «هل هي من مكائد الدولة أم أنه ذهب إلى البرازيل بالصدفة؟ ومبعث السؤال، يقول أوجار، أنه في عز عطائه السياسي فوجئنا بمغادرته المغرب».

وقال يونس مجاهد، الأمين العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية: «لما تولى المساري مسؤولية جريدة (العلم)، كان ينشر أي شيء يتأكد من صحته، وعندما عين سفيرا لدى البرازيل لم ينقطع عن العمل الصحافي بل واصله».

وفي السياق نفسه، قال محمد برادة، الرئيس السابق لمؤسسة «سابريس»: «سيظل المساري صاحب الرؤية الواضحة الذي استطاع أن يجمع بين المثقف والصحافي والسياسي والدبلوماسي، وساهم مع مجموعة من المدافعين على الصحافة في الدفاع عن المهنة». وعبر خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام) السابق، عن اعتزازه بالمشاركة في تكريم المساري، الذي قال إنه «معلمة شامخة في المسار الفكري داخل المغرب، ومن الأبناء البررة الذين سيظل اسمهم مرتبطا به كشاهد على العصر ومؤرخ اللحظة وكمناضل ووطني يعي قضايا مجتمعه».

ومن جهته، قال الكاتب المغربي سعيد بن سعيد العلوي: «أصدر المساري كتبا جعلت منه مؤرخا، ومن ذلك كتابه عن الملك محمد الخامس، وكتابه عن المسيرة الخضراء وكتاب آخر عن الصحراء».

أما عبد الله ساعف، وزير التعليم الأسبق في حكومة التناوب، فقال: «عندما نحاول أن نتعرف على المساري والمكانة التي تحتلها السياسة في كل محطات حياته وأن نحدد مكانته في السياسة والصحافة والثقافة - سنجد أنه المثقف المهتم بالسياسة، لكن حتى على مستوى الإنتاج الفكري هناك مسافة بين الممارسة والاهتمام بالسياسة». وتحدث أحمد حلواني، مدير عام المركز العربي للدراسات المستقبلية وعضو اللجنة التنفيذية للجمعية العربية بدمشق، عن علاقته بالمساري، وقال: «تعرفت إلى المساري من خلال نشاطه في اتحاد الصحافيين العرب في عقد السبعينات من القرن الماضي، حيث كان حريصا على تفعيل عمل الصحافة العربية وإبراز دور الصحافة المغربية فيها».

ومن جانبه، اعتبر عثمان المنصوري، وهو أستاذ جامعي متخصص بالتاريخ، أن «الحديث عن المساري ليس بالشأن الهين، وكذلك الإحاطة بكل جوانب شخصيته ومجالات اهتمامه ومساره ومشاركته في حقول معرفية متعددة وفي مهام ووظائف متنوعة»، وقال المنصوري: «تعرفت إلى المساري في عالم الصحافة وفي الجريدة التي ظل وفيا لها وهي جريدة (العلم) الغراء التي كانت مرجعا أساسيا لتلقي الأخبار والتعاليق والتحاليل السياسية، ومصدرا لا غنى عنه للتكوين الذاتي بما تنشره من مقالات في شتى المجالات الثقافية، والذي يميز كتاباته والذي ظل سمة بارزة من سمات الكتابة المسارية».

أما محمد الأشعري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وزير الثقافة ولاتصال الأسبق، فقال: «إن المساري، الرجل الهادئ، يصعب تتبع مساره الدبلوماسي والصحافي والسياسي، ففي كتاباته من السهل العثور على ملامح الأسلوب الذي تفرد به».

وتحدثت أمينة المسعودي، أستاذة القانون العام في جامعة الرباط، عن المساري وقالت إنه قطع أشواطا بتخصصه في العلاقات المغربية - الإسبانية، مؤكدة أنه استطاع أن يحقق نجاحا في هذا الجانب بفضل إتقانه اللغتين الإسبانية والفرنسية.

أما المساري، فقد قال في ختام الندوة التكريمية إنه كان مسكونا بالقضايا الآنية في الحياة السياسية والفكرية والإعلامية، وكان حريصا على ترسيخ آليات البحث التاريخي والتحري والرجوع إلى الأرشيف للرد على بعض الشخصيات والكتابات التي تريد تحريف التاريخ المغربي، موضحا أن الالتزام السياسي بالنسبة له شكل البوصلة والعمق في مساره وتجربته.

واستحضر المساري بعض أهم مراحل مساره الإعلامي، حيث توقف عند عمله بالإذاعة الوطنية سنة 1958 منتجا ثم سكرتير قسم الإنتاج حتى عام 1964، وما شكلته تلك المرحلة من أثر إيجابي على مسيرته الإعلامية المتميزة. وغازل المساري أصيلة من خلال أبيات شعرية أهدتها له الشاعرة الطنجاوية بسيمة الراوي، التي وصفت المدينة بأنها مدينة مطلة على الأطلسي، بيد أنها تروض البحر الأبيض المتوسط.