تأسيس مشاريع إلكترونية أثناء الدراسة في المدارس الثانوية بكاليفورنيا

ظاهرة جديدة تنتشر في إحدى الولايات الأميركية

تعتبر حمى المشاريع الجديدة بالنسبة لهؤلاء الطلاب شيئا يتنفسونه مع الهواء أو يتعلمونه في المنزل
TT

على غرار كثير من رجال الأعمال الشباب هنا في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا الأميركية، يدرك ماتيو سليبر أن النجاح لا يأتي بسهولة؛ فقد فشل مشروعه الأول، وهو مشروع تعليم عبر الإنترنت، فشلا ذريعا، في حين لم يبع مشروعه الثاني، وهو عبارة عن تطبيق لتبادل ملفات الفيديو عبر هاتف «آي فون»، سوى 20 نسخة.

لكن سليبر متفائل، وحري به أن يكون كذلك، فهو ما زال في الـ18 من عمره، ولكنه عضو مؤسس في «نادي رجال أعمال بلاي»، وهي مجموعة غير مدرسية ظهرت إلى النور داخل المدرسة العليا المحلية في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي من بنات أفكار 12 طالبا تقريبا لديهم التزام باكتشاف المستقبل.

ويقول سليبر: «أريد أن أبني شيئا يرتبط بما سيحدث بعد ذلك».

وفي حين يتجه رجال الأعمال الناشئون في أندية مدرسية مثل نادي «قادة أعمال المستقبل في أميركا» إلى استثمار أموال وهمية في البورصة أو دراسة مبادئ المحاسبة، فإن أعضاء «نادي رجال الأعمال» لديهم نكهة مميزة لوادي السيليكون، وهي أنهم يريدون إنشاء مشاريع وشركات جديدة.

وهم يجتمعون أسبوعيا أثناء العام الدراسي لمناقشة مشاريعهم وأفكارهم، واستكشاف أمور مثل استراتيجيات الحصول على أموال والأسواق الجديدة، واستضافة الشخصيات البارزة. وفي إحدى المرات، أجروا دردشة عبر برنامج «سكاي بي» مع مهندس برمجيات من السويد، شرح لهم خلالها تعقيدات إدارة مشروع موسيقي عبر الإنترنت.

ويقول فينسنت غيرل (18 عاما) إن تأسيس شركة في المدرسة العليا «فرصة عظيمة»، مضيفا أنه في المراحل اللاحقة من الحياة، «إذا فشلت في عملك التجاري، فربما يتعين عليك أن تعود للإقامة مع والديك. ولكننا نفعل ذلك بالفعل».

وقد بدأ غيرل، الذي سيبدأ دراسته في «جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز» الخريف المقبل، العام الماضي، مشروعا يهدف إلى تقديم الطلاب إلى الشركات للعمل في اختبار البرمجيات، لكن المشروع فشل حينما لم يستطع أن يعثر على ما يكفي من الشركات المهتمة بشراء خدماتهم. وقد أخبر النادي في أحد الاجتماعات الأخيرة أنه يعتبرها محاولة ناجحة على أي حال، مؤكدا أن الأشخاص الذين التقى بهم سوف يتذكرونه حينما يعود بفكرته التالية. وهو يعكف حاليا على تعلم كيفية برمجة نظام تشغيل «مايكروسوفت» الجديد للهواتف الجوالة.

ويعكف أعضاء النادي على ابتكار مشاريع، مثل إنشاء شبكة اجتماعية لمساعدة المراهقين على سرعة تنظيم مجموعات الدراسة وشبكة تداول لعملة افتراضية تسمى «بيت كوين»، كما خرجوا بأفكار لألعاب تحديد مواقع الهواتف الجوالة، وأنواع جديدة من أجهزة الفحص في متاجر البقالة.

وفي أحد الاجتماعات الأخيرة، تجمع نحو 12 فتى داخل أحد فصول الاقتصاد الخالية في «مدرسة بالو ألتو العليا»، المعروفة باسم «بلاي». وقد كان التوزيع الديموغرافي للمجموعة يعكس إلى حد ما طبيعة وادي السيليكون، إذ لم تكن هناك أي فتيات، وإن كان الفتيان جميعهم يؤكدون أنهم يتمنون أن تنضم بعض الفتيات إلى ناديهم.

كما كان هناك عدد قليل من أجهزة الكومبيوتر المحمولة أو حتى اللوحية في الحجرة، تماشيا مع عالم ما بعد الكومبيوتر الشخصي، وقد سجل جميع الفتيان أعمالهم على الورق أو على هواتفهم الذكية، ثم تبادلوا تلك الأعمال فيما بينهم متباهين بآخر ما توصلوا إليه من أفكار وتصورات.

وشرح سليبر، الذي ينوي الالتحاق بالدراسة في «جامعة كاليفورنيا بسانتا باربارا» في يناير (كانون الثاني) المقبل بعد انتهائه من مهمة في معسكر «قوات تدريب ضباط الاحتياط»، تطبيق تبادل ملفات الفيديو الذي ابتكره، وقد تحدث سريعا حتى يفسح الوقت للجميع كي يتحدثوا عن أفكارهم قبل أن يدق جرس الغداء.

وقال أثناء شرحه للأكواد التي تضمنها التطبيق، بينما تومئ الرؤوس الصغيرة في تعاطف: «تركيب لغة البرمجة لم يكن صعبا. لقد استغرق مني الأمر أسبوعين تقريبا لتعلم سي الكائنية في نظام تشغيل آي أو إس. لقد وضعت نموذج المشروع على غرار برنامج (إنستاغرام)، من أجل زيادة السرعة وسهولة التحميل».

وتساءل آرون باجور (18 عاما)، وهو أحد مؤسسي المجموعة: «كيف ستحمي ملكيتك الفكرية؟» وكان باجور في انتظار دوره لمناقشة رسم بياني يوضح مشروعه الخاص، وهو عبارة عن شبكة اجتماعية لرجال الأعمال الذين على وشك الالتحاق بالجامعة. وأجاب سليبر بكل ثقة: «يستطيع أحدهم دوما تقليد فكرتك، لكنها ستكون غير مكتملة، فهي ليست فكرته».

ونهض جيمس ما، وهو مؤسس آخر من مؤسسي النادي، بعده لمناقشة مشروعه، وهو الشبكة الاجتماعية الخاصة بمجموعات الدراسة، وقال مبررا: «إننا لم نخرج إلى العلن بعد». وينوي جيمس (18 عاما) دراسة علوم الكومبيوتر في «جامعة كاليفورنيا ببيركلي» هذا الخريف. لكن أنشطته الاجتماعية، التي تضمنت حضور كثير من المناسبات الخاصة بالمشاريع الجديدة، منعته من بناء الشبكة، التي أطلق عليها اسم «الفقاعة».

ولم يكن الجميع لديهم مشاريع لتقديمها، لكن هذا كان أمرا مقبولا. وقال باجور، الذي سيدرس روح المبادرة التجارية في «جامعة جنوب كاليفورنيا»: «الهدف هنا هو استثارة الأفكار. قد تخطر لك فكرة عظيمة في أي وقت. حتى إذا لم تكن لديك فكرة عظيمة بعد، إذا كانت لديك الإمكانات والحماس، فسوف يرغب الآخرون في ضمك إلى فريقهم».

وليس كل عباقرة التكنولوجيا المستقبليين في مدرسة «بلاي» أعضاء في هذا النادي، حيث انشغل بعضهم بطلبات الالتحاق بالجامعة وبخطط الحفل الراقص المدرسي، أو بأمور أخرى. ويقول باجور: «هناك في الغالب 6 فتية آخرين ينبغي أن يكونوا في هذا النادي (ولكن ليس لديهم الوقت لذلك). إنهم مشغولون جدا في إنشاء شركاتهم الخاصة بهم».

وتعتبر حمى المشاريع الجديدة بالنسبة لهؤلاء الطلاب شيئا يتنفسونه مع الهواء، أو يتعلمونه في المنزل، حينما يكون الوالدان متخصصين في مجال التكنولوجيا. وقد حضرت فيرن ماندلباوم، وهي شريكة في شركة الاستثمار «مونيتور فينتشرز» وولية أمر أحد الطلاب في المدرسة، اجتماعا مع النادي كي تشرح لهم كيف تعمل شركتها.

ولم يكن الطلاب الأعضاء في هذا النادي هم المستفيدين الوحيدين من نصائح ماندلباوم، فقد أسست ابنتها، سكيلار دوروسين، معسكرا صيفيا وظلت تديره لعدة سنوات. ومن المقرر أن تتوجه دوروسين (17 عاما) إلى «جامعة ستانفورد» الخريف المقبل، لذا فقد أسندت مسؤولية إدارة المعسكر إلى أخيها البالغ من العمر 11 عاما، مايلز دوروسين.

وقال آرون ليفي (27 عاما)، الرئيس التنفيذي لشركة «بوكس» لتخزين البيانات، مشيرا إلى الطلاب في جميع أنحاء وادي السيليكون: «الفتية هنا لديهم ميزة غير عادلة. في سياتل، كان لدينا أجهزة كومبيوتر كثيرة جدا، ولكن لم يكن لدينا أبدا رأسماليون مغامرون كي نتوجه إليهم». وقد تحدث الرجل مؤخرا أثناء «أسبوع العلوم» في مدرسة عليا محلية أخرى قريبة من «مدرسة لوس ألتوس العليا». وأثناء حديثه في لوس ألتوس، أعطاهم هذه النصيحة: «أخبرتهم بأن يكونوا صداقات وأن يستفيدوا من سنوات الحرية الأربع التي ينعمون بها. إذا نظرت إلى شركات (أبل) و(مايكروسوفت) و(فيس بوك)، سوف ترى أن كثيرا من الأمور التأسيسية يمكن أن تحدث بين الأصدقاء في المدارس العليا». وأضاف أن شركة «بوكس»، التي تصل قيمتها إلى نحو 350 مليون دولار، قام ببنائها، على غرار تلك الشركات الأخرى، مجموعة من الأصدقاء في إحدى المدارس العليا.

وذكرت ديبورا وايتسون، وهي مدرسة اقتصاد في مدرسة «بلاي» تعمل مستشارة للنادي نيابة عن أعضاء هيئة التدريس، أنها لاحظت في السنوات الأخيرة وجود تحول في نوعيات المشاريع التي تثير اهتمام الطلاب ذوي العقليات التجارية. وأضافت: «في (الأيام الخوالي)، كان لدينا عدد قليل من مصممي المجوهرات أو مرافقي الكلاب من بين الطلاب. لقد بدأ الإنترنت يغير من ذلك. في السنوات الخمس الماضية، شهدت الأمور طفرة بفضل هاتف (آي فون)».

وتخشى وايتسون من أن لا يتمكن النادي من البقاء من دون قادته المتحمسين، إلا أن باجور أكد أن شقيقه، الذي أنهى لتوه عامه الدراسي الثاني، لديه الحماسة للسعي وراء أحلامه بأن ينشئ مشروعه الخاص به.

كما ساعد طالب آخر في الصف الثاني، وهو ماكس بيرنستاين (15 عاما)، النادي على استقدام بعض المتحدثين هذا العام، لكنه اضطر إلى التخلف عن حضور الاجتماعات بسبب تضارب توقيتها مع «نادي الروبوتات». لكنه قال إنه سيكون لديه وقت أطول في العام المقبل من أجل «نادي رجال الأعمال»، حيث لن يكون مضطرا لحضور حصة التدريبات الرياضية.

* خدمة «نيويورك تايمز»