«بي بي سي» تذيع آخر نشرة إخبارية لها من «بوش هاوس» الشهير

بعد 70 عاما من الخدمة تعود من حيث بدأت إلى «بروودكاستينغ هاوس»

مذيعات «بي بي سي» يغادرن مبنى بوش هاوس أمس (رويترز)
TT

«بوش هاوس»، مقر الخدمة العالمية (وورلد سيرفيس) لهيئة البث البريطاني (بي بي سي) شهد لحظات تاريخية، فقد خاطب منه الملك جورج الخامس الإمبراطورية البريطانية عام 1932، واستخدمه الجنرال ديغول في إرسال رسائل دعم يومية إلى المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي (حركة فرنسا الحرة) عقب سقوط فرنسا في أيدي ألمانيا عام 1940. وفي الثالث من يناير (كانون الثاني) عام 1938 بدأ بث القسم العربي في الخدمة بافتتاحيته الشهيرة «هنا لندن».

ولكن بعد 70 عاما من البث المتواصل من ذلك المبنى الشهير الذي ظل بيتا للخدمة التي قرأت أمس الخميس آخر نشراتها الإخبارية. النشرة بثت وللمرة الأخيرة في الساعة الثانية عشرة ظهرا، بحسب توقيت بريطانيا الصيفي.

وتنتقل الخدمة العالمية، التي تبث مستخدمة 28 لغة عالمية، إلى مبنى آخر في لندن، لتنضم مع الخدمات الإخبارية الأخرى في «بي بي سي». وكانت قد بدأت الخدمة العالمية بثها عام 1938 من مبنى «بروودكاستينغ هاوس» في شارع بورتلاند بليس في لندن، وبعد قصفه خلال الحرب العالمية الثانية، انتقلت الخدمة إلى مبنى «بوش هاوس» عام 1941. والآن تعود الخدمة العالمية إلى «بروودكاستينغ هاوس» ثانية، بعد استكمال توسعته ليضم جميع خدمات «بي بي سي» الإخبارية معا.

وكان «بوش هاوس»، الذي يعتبر من معالم لندن الشهيرة قد دشن كرمز للعلاقات البريطانية - الأميركية التجارية. وعند افتتاحه عام 1925، كان يُعتبر أكثر المباني من حيث التكلفة في العالم، فقد بلغت تكلفته آنذاك مليوني جنيه استرليني.

وعلى الرغم من ذلك فلم تكن «بي بي سي» تمتلك «بوش هاوس»، وعندما ينتهي العقد الذي يمنحها حق استخدامه في نهاية هذا العام، فسوف يعود المبنى إلى مالكه الياباني الحالي.

وتطورت مسيرة البث الإذاعي لـ«بي بي سي»، على مدى سبعين عاما. ففي بداية بثها كانت برامج «بي بي سي» تستمر لمدة ساعة واحدة يتم فيها إذاعة «مقطوعات موسيقية وأحاديث مشوقة»، بحسب أول مذيع في القسم العربي، ثم موجز لأخبار العالم اليومية.

وعندما بدأت حرب الخليج الأولى في 1990 - 1991، اتخذ القرار بزيادة عدد ساعات البث لتصل إلى ثماني عشرة ساعة، وأصبحت حرب الخليج الثانية عام 2003 علامة أخرى مميزة وفارقة في تاريخ الإذاعة العربية في «بي بي سي» عندما زادت ساعات البث مرة أخرى، لتصل إلى أربع وعشرين ساعة يوميا.

واتسع مضمون المواد التي تبثها «بي بي سي» لتتناول إلى جانب الأخبار، البرامج السياسية التحليلية، والبرامج الثقافية، والعلمية والترفيهية والمسرحيات العالمية والبرامج التفاعلية مع المستمعين، مثل «السياسة بين السائل والمجيب»، وبرنامج «رأي المستمع»، و«حديث الساعة»، و«نقطة حوار».

وارتبطت «بي بي سي العربية» أيضا في أذهان المستمعين بتعلم اللغة الإنجليزية. إذ دأبت الإذاعة على تقديم برامج تعليم اللغة الإنجليزية، سواء عبر الأثير أم في وقت لاحق على موقعها على الإنترنت. وفي يوليو (تموز) 1994 بدأت «بي بي سي» في بث تلفزيونها الناطق باللغة العربية، لكنه لم يدم طويلا بسبب خلاف على الجوانب التحريرية.

شهد «بوش هاوس» لحظات تاريخية واستضاف مشاهير العالم إلا أن هذه العقبة لم تقف في طريق تقدم القسم العربي، إذ أطلق في عام 1998 موقعا إخباريا على شبكة الإنترنت، وهو «بي بي سي أرابيك دوت كوم»، الذي أصبح أول موقع عربي إخباري، تتجدد أخباره على مدار أربع وعشرين ساعة يوميا. ومنذ انطلاقه، احتل موقع bbcarabic.com مكان الصدارة بين المواقع الإخبارية العربية على الإنترنت، وتمكن من اجتذاب أعداد كبيرة من الشباب.

ويقدم الموقع متابعة شاملة للأخبار بالنص والصوت وتقارير الفيديو المصورة، على مدى 24 ساعة، إضافة إلى تمكين زوار الموقع من المشاركة في مناقشات عن قضايا الساعة والتواصل الفوري مع الأحداث في المنطقة وحول العالم، فضلا عن توفير بث مباشر لبرامج إذاعة «بي بي سي العربية».

وقد فاز BBCArabic.com عام 2000 بجائزة أفضل موقع إخباري في الشرق الأوسط على الإنترنت، وعام 2001 بجائزة أفضل موقع باللغة العربية من حيث المحتوى الإخباري. ومع احتفالها بعيدها السبعين أطلقت «بي بي سي العربية» قناة تلفزيونية إخبارية جديدة لتصبح «بي بي سي» الأولى والوحيدة التي تبث محتواها الإعلامي للعالم العربي، ولباقي أنحاء العالم، بثلاثة وسائط: الراديو والإنترنت والتلفزيون.

* فرصة لاقتناء قطعة من تاريخ «بي بي سي»

* بعد إخلاء مبنى بوش هاوس ستقوم هيئة الإذاعة البريطانية ببيع الكثير من المعدات والأجهزة والصور التي لن تنتقل إلى المقر الجديد. القطع تعد بلا شك جزءا من تاريخ «بي بي سي» وستجد حتما من يهرع لاقتنائها. وتتنوع القطع المعروضة للبيع من كشافات الإضاءة إلى اللمبة الحمراء التي استخدمت في الاستوديوهات للدلالة على بدء البث المباشر إلى صور للسير بول مكارتني وهو يغني في حفل أذيع من أحد الاستوديوهات إلى عشاقه في روسيا. آلاف القطع تروي تاريخ 71 عاما من تاريخ الإعلام في بريطانيا منها استوديوهات كاملة يتوقع أن يتنافس المزايدون عليها بشراسة.

وحسب ما ذكرت صحيفة «إيفننغ ستاندرد» فقد توقعت إليزابيث سيويل مديرة دار مزادات بيكر باتيسون التي تنظم مزادات بيع مقتنيات «بي بي سي» أن هناك طلبات من عدد كبير من البلدان مثل الهند وباكستان ودول الاتحاد الروسي سابقا للفوز بقطعة من تاريخ الإذاعة الدولية لـ«بي بي سي» وتخص بالذكر استوديو «إس 6» الذي انطلق منه صوت بول مكارتني لعشاقه في روسيا في عام 1989.

ونظرا للتنوع الثقافي الذي مثله مبنى بوش هاوس نظرا لوجود استوديوهات الخدمة العالمية (وورلد سيرفيس) التي بثت بـ68 لغة فبالتالي فإن القطع المعروضة للبيع ستمثل ثقافات وبلدانا من جميع أنحاء العالم فهناك خرائط للهند والمكسيك وأفريقيا ودول الكاريبي وغيرها استخدمها صحافيو الإذاعة كمراجع لعملهم ولتحديد أماكن مراسليهم. كما تضم المبيعات صور لمشاهير استضافتهم استوديوهات «بي بي سي» أمثال ميخائيل غورباتشوف وهنري كيسنجر والمغني بول غيلدوف والممثل تشارلتون هيستون وعدد من أشهر الممثلين والفنانين البريطانيين.

وقد بدأت المزايدات على 1500 قطعة على الإنترنت وستستمر المرحلة الأولى حتى 25 يوليو (تموز) الحالي بحسب ما ذكرت الصحيفة. ورغم أن المزاد عالمي بمعنى الكلمة فهو مفتوح للعالم عبر الموقع الإلكتروني ولعل هذا يتناسب مع عالمية «بي بي سي»، فهناك توقع بأن يقوم منسوبو الإذاعة بالمزايدة لشاء قطع من تراث محطتهم.