تطوير تقنية للرؤية بعمق داخل الأنسجة البيولوجية دون الحاجة إلى قطع جراحي

تعتمد على تركيز الضوء والموجات فوق الصوتية

إن التقنية الجديدة طريقة جيدة للغاية للتصوير داخل الأنسجة وسوف تؤدي للكثير من التطبيقات الواعدة
TT

تخيل لو أمكن للأطباء الاستغناء تماما عن المشرط الجراحي التقليدي، وتمكنوا من إجراء العمليات الجراحية من دون اللجوء إلى إجراء أي قطع جراحي خلال الجلد، أو إذا أمكنهم تشخيص مرض السرطان عن طريق رؤية الأورام داخل الجسم وبإجراء بسيط مثل الموجات فوق الصوتية. قد يكون هذا ممكنا في المستقبل القريب، وذلك بفضل تقنية حديثة تعتمد على تركيز الضوء، قام بتطويرها فريق بحثي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) في باسادينا بولاية كاليفورنيا الأميركية، في دراسة نشرت نتائجها حديثا في عدد 26 يونيو (حزيران) الماضي من مجلة «نيتشر للاتصالات» (Nature Communications).

فوفقا لما نشر على موقع معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، تمكن الفريق البحثي، من تركيز الضوء بكفاءة داخل الأنسجة البيولوجية، وكان الضوء قادرا على الوصول إلى عمق 2.5 مليمتر، بينما كان الحد السابق لعمق تركيز الضوء، مليمترا واحدا فقط. ومبدئيا يمكن لهذه التقنية أن تركز الضوء بقدر بضع بوصات داخل الأنسجة، ويبدو مثل مصباح ساطع في داخل الجسم. وفي نهاية المطاف، سوف توفر هذه التقنية للباحثين والأطباء إجراء مجموعة من التطبيقات الطبية الحيوية المحتملة، وبأساليب بسيطة لتشخيص وعلاج الأمراض.

يقول البروفسور شانغوي يانغ، أستاذ الهندسة الكهربائية والهندسة الحيوية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، «إن هذه التقنية ربما تمكننا من القيام بشق جراحي أصغر في العملية الجراحية»، ويضيف «عن طريق توليد ضوء ليزر ضيق يتم تركيزه على بقعة عميقة في الأنسجة، سوف يمكن استخدامه بكفاءة كمشرط ليزر، يترك الجلد من دون أن يمسه ضرر».

وتعتمد هذه التقنية الجديدة، على تقنية سابقة طورها البروفسور يانغ وزملاؤه، للرؤية خلال طبقة من الأنسجة البيولوجية، غير الشفافة التي تشتت الضوء. ففي الأعمال السابقة، قام الباحثون بتعريض الضوء خلال الأنسجة ثم سجلوا الضوء المتشتت الناتج على طبق هولوغرامي مجسم ثلاثي الأبعاد (holographic plate). وقد تضمن هذا التسجيل كافة المعلومات عن كيفية عمل شعاع الضوء المتشتت أو المتناثر، وتعرجه خلال النسيج، ومن خلال التلاعب في الضوء المسجل في الاتجاه المعاكس، تمكن الباحثون من إرسال صورة أساسية للضوء في الجانب الآخر من النسيج. وبهذه الطريقة أمكن للباحثين إرسال الضوء من خلال طبقة من الأنسجة ومن دون تأثير غير واضح للتشتت.

وللحصول على صورة لما هو موجود في داخل الأنسجة، من صورة للخلايا أو الجزيئات، التي هي جزء لا يتجزأ من النسيج الداخلي، ركز الباحثون شعاع الضوء في الأنسجة.

تقول بينغ مين وانغ، طالبة دراسات عليا في الهندسة الحيوية بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والمشاركة في هذه الدراسة، بأنه «بالنسبة لعلماء البيولوجيا، من المهم معرفة ما يحدث داخل الأنسجة».

ولتركيز الضوء على الأنسجة، قام الفريق البحثي بتوسيع نطاق العمل الحديث للمجموعة البحثية للبروفسور ليهونغ وانغ، بقسم الهندسة الطبية الحيوية بجامعة واشنطن في سانت لويس بولاية ميزوري الأميركية. وقد تمكنوا من تطوير طريقة لتركيز الضوء باستخدام ذبذبات عالية التردد للموجات فوق الصوتية (ultrasound). وقد أخذت أبحاثهم، خاصيتين من خصائص الموجات فوق الصوتية، وهما: أن الموجات الصوتية عالية التردد لا تتشتت من قبل الأنسجة، وهذا هو السبب في أنها رائعة لالتقاط صور الأشعة في الرحم، والخاصية الأخرى، هي أن الاهتزازات فوق الصوتية تتفاعل مع الضوء بطريقة تجعل تردد الضوء أقل من أي وقت مضى، وهو ما يسمى بالتأثير الصوتي الضوئي أو البصري (acousto - optic effect)، وتعرف علميا بالتفاعلات الصوتية الضوئية، وفيها يتفاعل الضوء مع الموجات فوق الصوتية ويتغير إلى لون مختلف قليلا.

وفي كل من تجارب معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعة واشنطن في سانت لويس، على حد سواء، قام الفريقان البحثيان بتركيز الموجات فوق الصوتية فوق منطقة صغيرة داخل عينة الأنسجة. ثم قاموا بتعريض أو تسليط الضوء على العينة، فأدى ذلك لحدوث تشتت أو تفرق أو تناثر للضوء. وبسبب خاصية «التأثير الصوتي البصري»، فإن الضوء المتشتت الذي يمر خلال هذه المنطقة الصغيرة مع الموجات فوق الصوتية المركزة، سوف يتغير إلى لون مختلف قليلا. وتمكن الفريق البحثي من التقاط ذلك الضوء المتحول في اللون وتسجيله. الأمر الذي يعني أن تركيز الضوء بنفسه على منطقة محددة، سوف يسمح بإنتاج صورة لها، ويمكن للباحثين التحكم في المكان الذي يريدون تسليط الضوء عليه ببساطة عن طريق تركيز الموجات فوق الصوتية. ولكن تجربة جامعة واشنطن في سانت لويس، كانت محدودة، ففيها أمكن فقط تركيز كمية صغيرة جدا من الضوء، بينما مكنت التقنية الجديدة لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، من إطلاق شعاع الضوء بقوة أكبر وبالكمية التي تريد، وهو أمر ضروري للتطبيقات المحتملة.

كما أظهر الفريق البحثي لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، كيف يمكن للتقنية الجديدة أن تستخدم مع تقنية «التصوير الفلورسنتي» (fluorescence imaging) القوية، التي تعتمد على الصبغات، وتستخدم مع مجموعة واسعة من البحوث البيولوجية والطبية الحيوية. فقد أدمج الفريق البحثي قطعة من الهلام مع نمط فلورسنتي داخل عينة الأنسجة. ثم تم تعريض العينة لأشعة ضوء مركزة، التي تسببت في إثارة وتهييج النمط الفلورسنتي، مما أسفر عن رسائل متوهجة، انبثقت من داخل الأنسجة. وقد أظهر الفريق أن التقنية الجديدة يمكنها التقاط صور للأورام التي يتم تعليمها (وضع علامة عليها) بالأصباغ الفلورسنتية.

يقول يانغ، «إن التمكن من تركيز القوة الضوئية بعمق داخل الأنسجة، يفتح آفاقا كبيرة في مجال التصوير الضوئي». وبوضع علامات على الخلايا أو الجزيئات المريضة، باستخدام الأصباغ الفلورسنتية، يمكن للأطباء استخدام هذه التقنية لجعل التشخيص أمرا سهلا.

وقد يستخدم الأطباء أيضا هذه التقنية لعلاج السرطان، مع تقنية «العلاج الضوئي الديناميكي» (photodynamic therapy)، فمن خلال هذا الإجراء، يتم حقن الدواء الذي لديه حساسية للضوء، الذي يحتوي على مركبات لقتل السرطان في المريض، فتقوم الخلايا السرطانية بامتصاص هذه المركبات بشكل انتقائي، ويتسنى لهذه المركبات قتل الخلايا السرطانية عندما يتم تسليط الضوء عليها. والعلاج الضوئي الديناميكي يستخدم الآن فقط على سطوح الأنسجة، بسبب تشتت الضوء بسهولة، ولكن هذه التقنية الجديدة سوف تسمح للأطباء بالوصول بعمق أكبر إلى الخلايا السرطانية داخل الأنسجة.

يقول بنيامين جيدكيوتز، باحث لمرحلة ما بعد الدكتوراه بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وأحد المشاركين بالدراسة، «إن التقنية الجديدة طريقة جيدة للغاية للتصوير داخل الأنسجة وسوف تؤدي للكثير من التطبيقات الواعدة».

ويقول المهندسون بأنه مع إدخال تحسينات في المستقبل على الأجهزة البصرية الإلكترونية المستخدمة لتسجيل وإعادة التلاعب بالضوء، فإنه ربما يمكن في غضون سنوات، تجاوز العمق المحدود للموجات فوق الصوتية، والوصول إلى عمق 10 سنتيمترات (4 بوصات تقريبا).