الإبداع والعزلة في حياة جبران على المسرح في لندن

«استرح على ظهر الريح» لنديم صوالحة تستكشف حياة الأديب ومعاناته

مشهد من مسرحية «استرح على ظهر الريح»
TT

خليل جبران شاعر عالق بين الأدب والفلسفة، حظي باحترام كبير في كل الدول التي عاش وعمل بها، وتحديدا في الولايات المتحدة وموطنه لبنان. ويعد كتاب «النبي»، وهو الأشهر بين أعماله، بمثابة قطعة أدبية نبيلة من السكينة يقتبس منها الناس من مختلف الأعمار وفي مختلف أنحاء العالم.

وانتهى في لندن مؤخرا العرض الثاني لمسرحية جديدة تتناول حياة وأفكار هذا المفكر الذي ضرب حول نفسه العزلة بعنوان «استرح على ظهر الريح». وتتناول المسرحية، التي ألفها الممثل الأردني الشهير نديم صوالحة، حياة جبران كمهاجر وفنان متميز. ومن المقرر أن تعرض المسرحية بعد ذلك في مهرجان ليفربول للفنون العربية، وربما تطير بعد ذلك إلى بيروت وعمان والإمارات العربية المتحدة.

وعلى غير المتوقع المسرحية خفيفة الظل تحول قصة مؤثرة من المصاعب والمآسي إلى قصة إبداع وعزلة ثقافية. لقد انتقل جبران، الذي يقوم بدوره في المسرحية الرائع فانوس سوفانيوس، من شمال لبنان، حيث ولد إلى بوسطن مع والدته وإخوته في نهاية القرن التاسع عشر. وعندما بلغ نحو الرابعة عشرة من العمر، عاد إلى جبل لبنان لبضع سنوات عرف خلالها ما يتعرض له الناس من ظلم تحت الحكم العثماني، وهو ما ألهمه بأن يكون فنانا ينشر أفكارا عن الحرية. وفي نهاية فترة مراهقته التي كان خلالها في بوسطن تعرف على الحركة الطليعية.

وفي الوقت الذي كان يطور فيه مهاراته في الرسم التصويري، قابل عددا من الشخصيات البارزة التي ساعدته في عمله، من بينهم ماري هاسكل، التي تلعب دورها في المسرحية الممثلة المفعمة بالحيوية ستيفاني إيلين، وهي ناظرة مدرسة ثرية قامت بتمويل رحلاته العلمية إلى باريس وقدمته إلى الناشرين المناسبين في نيويورك.

وأخيرا نشر له شعر فلسفي رفيع. ورغم اقتباس أقواله ومعرفته، حيرت شخصية جبران الكثير من قرائه، إضافة إلى مستوى السيرة وحياته وإلهامه ككاتب، تتعرض المسرحية لجوانب من حياة جبران الشخصية مثل علاقاته العاطفية وأسرته. ومن المعروف أن شقيقته مريانا، التي تلعب دورها الممثلة المفعمة بالطاقة دينا موسوي، هي من كانت ترعى شؤونه أثناء إقامتهم في بوسطن. وفي الوقت الذي تكشف فيه المسرحية عن بعض الجوانب غير المعروفة في حياة جبران، ينبع إعجاب صوالحة به كشاعر موهوب مختلف ومتميز من مناطق لم يحددها بعمق في النص.

ويقول صوالحة: «أكتب عن رجل أعتقد أنه أيقونة بارزة على مستوى العالم».

وينبع اهتمامه وانفعاله بقصة جبران من حاجته إلى الغوص والتنقيب في حياة وشجاعة كل شخصية عبر التاريخ وعرضها للآخرين. من الواضح أن هناك تشابها بين حياة صوالحة وحياة جبران، حيث يقول: «هناك الملايين اليوم يحاولون جاهدين الابتعاد عن أوطانهم. لقد شعرت أن قصة حياة جبران هي قصة حياتنا جميعا».

ويتجلى شعور جبران وشقيقته مريانا بالاغتراب كمهاجرين عربيين في الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين بوضوح من خلال المسرحية. ويقول صوالحة: «طالما أذهلني هؤلاء الذين تعرضوا للتيارات الثقافية المختلفة». ذهب صوالحة إلى إنجلترا عام 1955 في منفى ثقافي اختياري وأثارت اهتمامه حركة الأدب العربي التي ظهرت في نيويورك خلال عشرينات القرن العشرين ولم تستمر طويلا، والتي أطلق عليها حركة «شعراء المهجر». كانت الحركة تجمع نحو عشرة كتاب يعيشون في المهجر منهم جبران، الذي كان رئيسا للحركة، فضلا عن أمين ريحان وميخائيل نعيمة.

كان العناد والإصرار على تجاوز الواقع حينها هو أهم سمات شخصية جبران التي تضمنها نص صوالحة.

ويقول صوالحة في المسرحية: «نحن كفنانين من يقود ويكسر الحواجز». وتتناول المسرحية المشاعر تجاه القومية العربية، في وقت كان العثمانيون يعرقلون أي احتمال لتحقيقها. ويقول جبران على خشبة المسرح: «روحي ميدان معركة» في إحالة إلى فصل بعنوان «العقل والعاطفة» من كتاب «النبي».

وعلى الرغم من أن هذا هو العرض الثاني للمسرحية في لندن، وفي أربع مدن على الأقل في محيطها، يتم إدخال تعديلات على النص قبل كل عرض جديد. ويقول صوالحة: «لا أعارض الإضافات الجغرافية، ما دام ذلك يمنحني فرصة لجعل المسرحية أفضل، فأنا أتطلع دوما إلى ذلك. إنني مهووس بتقديم أفضل شكل ممكن للمسرحية بحيث يصبح من الممكن تمثيلها في أي مكان في العالم وبأي لغة».

الرغبة في رواية قصة جبران ليست جديدة على صوالحة، فقد قرأ نحو 40 كتابا عن جبران قبل أن يشرع في كتابة المسرحية، ويكن لها الإعجاب منذ وقت طويل. ويوضح صوالحة قائلا «أعتبر نفسي عالميا إلى حد ما، لكن عروبة جبران من سماته المميزة، فقد حملها معه من خلال إخلاصه للأدب العربي والقضية العربية. يعجبني حبه لوطنه ولأهله، فقد كان شغوفا بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية مثل شباب اليوم. وأقول أحيانا إنه الرجل الذي بدأ الربيع العربي منذ مائة عام، فقد قدم الكثير من الأفكار وأنار حياتنا وجعلنا نشعر بأننا أحياء».

ومن المقرر أن تعرض مسرحة «استرح على ظهر الريح» خلال مهرجان ليفربول للفنون العربية في العاشر من يوليو (تموز) عام 2012. ولم يتم الإعلان بعد عن جولة المسرحية في الشرق الأوسط.