حوار الشعر والهندسة في «المدينة السعيدة» و«لا أحد ولا سبت اليوم»

«خيمة الإبداع» في منتدى أصيلة تحتفي بإصدارين جديدين لمهندس معماري وشاعر

جانب من الندوة في مهرجان أصيلة («الشرق الأوسط»)
TT

نوه نقاد وباحثون أثناء تقديم جديد الإبداع المغربي ضمن فعاليات «منتدى أصيلة» في دورته الرابعة والثلاثين، بإصدارين جديدين لكل من المهندس المعماري المغربي عبد الواحد منتصر والشاعر المغربي المهدي أخريف. يتعلق الأمر بكتاب «المدينة السعيدة»، وهو العمل المشترك الثاني من نوعه بين المهندس منتصر والشاعر أخريف بعد كتابهما الأول الذي صدر العام الماضي «عبد الواحد المنتصر.. المهندس والإنسان»، وديوان شعري جديد للشاعر أخريف بعنوان «لا أحد ولا سبت اليوم».

واعتبر مشاركون في اللقاء أن كتاب «المدينة السعيدة» هو عمل إبداعي يجسد لعلاقة المهندس المعماري بالشاعر، وهي علاقة وطيدة ومتكاملة ومتلازمة، على اعتبار أن كلا من الهندسة والشعر يتوسلان بالخيال والحلم والذاكرة والفكر، ويستشرفان الحياة والسعادة في أبهى تجلياتها الإنسانية، مؤكدين أن الهندسة قبل كل شيء هي كتابة معمارية وفوتوغرافية.

وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة وزير خارجية المغرب الأسبق، إن عشقه لمدينته أصيلة جعله يحلم كي يبدع في خدمتها انطلاقا من ذكريات الطفولة، مضيفا أن المدينة السعيدة التي وصفها الكتاب تتقاسم مع أصيلة أشياء كثيرة، وأرجع ذلك إلى ضرورة أن يكون الساهرون على تسييرها من أبنائها الذين تربوا بين أزقتها ودروبها وعايشوا سكانها، لأن الذكريات لها تأثير كبير في خلق التنمية والإبداع فيها.

وبشأن العمل المشترك بين المهندس المعماري والشاعر في كتابهما «المدينة السعيدة»، قال بن عيسى: «إنها ممارسة جديدة تدعو إلى التأمل في مستقبل الكتابة ومستقبل الإبداع»، مشيرا إلى أنه في العالم العربي هناك نوع من التباعد بين الكاتب والمبدع الآخر، وأنه لم تكن هناك جسور إبداعية فعلية.

واعتبر بن عيسى أن منتصر وأخريف يتشاركان بين الرؤى والخيال، وبين الكلمة والصورة (أو الشكل). وزاد قائلا: «إن هذا اللقاء هو منطلق جديد لممارسة جديدة ومفهوم جديد للتعامل مع الإبداع شموليا، وهذا يعطي بعدا حيويا لعمل المبدعين».

وأوضح الناقد الأدبي المغربي عبد الرحيم العلام، أنه تشاء المصادفات أن تحتفي أصيلة بكتاب يبادلها الاحتفاء نفسه والمحبة ذاتها، على اعتبار أن أصيلة تحتل حيزا مهما نوستالجيا وشعريا في كتاب «المدينة السعيدة». وقال العلام إن الكتاب في جزئه الثاني يحكي فيه الشاعر أخريف عن سيرة مدينته السعيدة وفي استعادة جوانب من علاقات حبه الأبدي لمدينته ووفائه المشتهى لها، قال: إن هذا الكتاب يحتفي في فصل منه بالفنان محمد بن عيسى من خلال كتابه «حبيبات جلد: أصيلة.. ذاكرة طفولة» الصادر سنة 1974 بالاشتراك مع الكاتب المغربي الطاهر بن جلون.

وأشار العلام إلى أن كتاب «المدينة السعيدة» ينحو منحا نقديا وتأمليا وإبداعيا واستيعابيا وحميميا خاصا، عبر منظورين وتصورين متداخلين يكمل أحدهما الآخر، منظور تأملي ونقدي يقربنا من خلاله المهندس منتصر بشكل كثيف وشذري، من بعض أفكاره ورؤاه ومفهومه للمدينة كما يتخيلها هو، وكما يحلم بها ويفكر في مستقبلها انطلاقا من تجربته مدينته وتحولاتها. ومنظور سردي ونوستالجي يحتفي عبره الشاعر أخريف بالمدينة المغربية وغيرها كما عاش وارتحل فيها، وكما حاول التكيف والتصالح مع فضاءاتها وفظاعتها أيضا، وفي هذا المقام يبرز انتصار أخريف لحميمية المكان ولألفة الناس في أصيلة باعتبارها المدينة السعيدة، والبيت الكبير، والملاذ الأول والأخير.

وفي سياق ذلك، قال الشاعر والكاتب المغربي محمد بنيس، إن من أعطاب الحداثة المغربية غياب حوار ينشأ في الأعمال ذاتها وانطلاقا منها بين منتجين في حقول ثقافية، مشيرا إلى أن منتصر وأخريف فتحا مسارا لا يخفي وعد تبادل الرؤيا والتأمل في حياتنا وأعمالنا المشتركة وهما الهندسة المعمارية والشعرية. واعتبر بنيس أن الكتاب مؤلف من نصين؛ الأول لمنتصر والثاني لأخريف، موضحا أن النص الأول جاء في كتابة شذرية مفتوحة على اللمعة مثلما هي مفتوحة على الكتابة المستمرة، شأنها في ذلك شأن المدينة ككتابة مستمرة، وأن النص الثاني هو بدوره كتابة شذرية رغم أنها ذات رؤيا أبعد في الشمولية من رؤية المهندس المعماري، بيد أن أخريف يضع ترقيما للشذرات المطولة التي تتحول إلى شبه مقاطع شعرية، حيث يتناول أخريف أصيلة باعتبارها مدينته السعيدة وفردوسه وبيته.

وأشار بنيس إلى أن انطلاق منتصر من مدينة «أثينا» يحمل دلالة مهمة مفادها أن «السعادة لا تتحقق إلا في وجود الديمقراطية»، بيد أنه حسب بنيس، بقي وفيا للمدينة المغربية «الجامعة بين الجماعي والفردي والمقدس والبشري»، ليصل إلى فكرة مدينة قائمة على التعايش الاجتماعي يكون محورها الإنسان. وخلص بنيس إلى أن منتصر طرح أسئلة سياسية متعلقة بالحرية والكرامة «على الدولة الإجابة عنها».

ومن جانبه، اعتبر أخريف أن الكتاب يقدم تصورا شاملا لما يجب أن تكون عليه المدينة المغربية، وهي تصورات تتقاطع بشكل واضح مع طبيعة مدينة أصيلة.

وأضاف أخريف أن احتفاء المنتدى بـ«خيمة الإبداع» تعتبر لحظة للإنصات والتأمل، من جهة، وذلك في تجربة ثقافية متفردة أرست لحوار بين «الهندسة الشعرية» و«الهندسة المعمارية» عبر إصداره المشترك «المدينة السعيدة».

أوضح أخريف، أن الكتاب مكون من 3 مستويات؛ مستوى أول وهو المقاربة الرئيسية والأساسية التي قدمها منتصر للمدينة وما ينبغي أن تكون عليه من معايير حتى تكون مدينة سعيدة، ومستوى ثان عبارة عن مقالات مترجمة من الإسبانية إلى العربية وهي عبارة عن مقاطع اختارها منتصر عن باحث إسباني - كتالاني من برشلونة اسمه طوني بويس، تتحدث عن رهان الجودة بالنسبة للمدينة، ومستوى ثالث يتعلق بقرابة أخريف من انطباعات وخواطر حول علاقته بالمدينة خصوصا أصيلة.

وقال أخريف في غضون ذلك: إن مدينة أصيلة قدوة ونموذج للمدينة السعيدة وذلك لتوفرها على جمالية العيش الطبيعية والجمال الذي أضيف إليها.

أما المهندسة سلمى الزرهوني، مديرة منشورات «أرشيميديا» التي أصدرت الكتاب، فترى أن منتصر من خلال هذا الإصدار «يوسع أفقا لحوار بين المعماري والشاعر، فكل منهما يتجه برؤيته الخاصة إلى نفس الوجهة: حب المدينة»، مضيفة أن هذا التأليف المشحون «بشتى المشاعر ليس بتقني ولا أدبي، إنه يقتحم حميمية علاقتنا بالمدينة، ويقربنا منها ويبعدنا عنها في نفس الآن. إنه نص يحكي عبر توالي صفحاته عن لذة العيش معا بتوافق وامتلاء خارج بيوتنا».

وأضافت أن النص «يحرضنا أيضا على الانعتاق من الفضاء الداخلي المألوف للاستمتاع بالفضاءات العمومية بمشاركة الآخرين متعة اللقاءات والألعاب الجماعية والاستمتاع بجمال الطبيعة».

وعن الطرف الثاني في الكتاب قالت الزرهوني إن «روح الشعراء وحدها بسخائها قادرة على إهدائنا مسعى البحث عن سعادة متبادلة. لهذا السبب يستحق الحوار حول «المدينة السعيدة» مع أخريف أن يحظى بوقفة قرائية متأنية للإنصات إلى كلامهما المشترك والنظر من خلالهما إلى مدينة المستقبل».

إلى ذلك، خصصت الجلسة الثانية لـ«خيمة الإبداع» للاحتفاء بديوان «لا أحد ولا سبت اليوم» الذي يعد العمل الشعري الجديد للشاعر أخريف، والحادي عشر على قائمة منشوراته الشعرية، بمشاركة نقدية لكل من أحمد هاشم الريسوني وعز الدين الشنتوف، وعبد الكريم البسيري، ومزوار الإدريسي، الذين اعتبروا الديوان امتداد لأعماله السابقة من جهة، ومختلف عنها من زاوية البناء الشعري والدلالي واستدعائه للأمكنة، والمعيش، والمتخيل، واللغة، والتاريخ، والأسماء.