جدات بورانوفو الروسية وضعن قريتهن على الخريطة العالمية

نلن المرتبة الثانية في مس مسابقة «يوروفيغن» السنوية التي تجري كل ربيع

الجدات أثناء تأديتهن اغنيتهن في المسابقة
TT

بورانوفو، روسيا - لسنوات طويلة، ظلت قرية بورانوفو حاضرة، حيث تعد القرية من بين الكثير من المناطق الريفية في روسيا التي هجرها سكانها نظرا للطفرة النفطية الكبيرة التي حدثت في البلاد، والتي أعادت إحياء المدن السوفياتية المنهارة وجذبت الشباب بعيدا عن المزارع التي عمل فيها آباؤهم.

وفي المناطق الشبيهة بهذه القرية، يتم إشهار إفلاس المزارع التعاونية بصورة روتينية، وتميل المنازل المبنية بقطع الأشجار وتغوص في التربة، وتصبح الطرق مثل الوديان موحلة، بينما تتمكن المتاجر من تأمين القليل من المال عن طريق بيع الفودكا. ولذا فإن عكس دورة التراجع تلك يعد أمرا شديد الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا.

ولكن قرية بورانوفو، التي تأسست منذ 300 عام، برهنت على كونها استثناء من هذه القاعدة، حيث تمكنت فرقة مكونة من 8 نساء محليات، كثير منهن طاعنات في السن وظهورهن منحنية، تعرف باسم «جدات بورانوفو»، من الحصول على شهرة كبيرة بعدما قمن بالغناء على طريقتهن الخاصة في مسابقة لموسيقى البوب تدعى «يوروفيغن» جرت في شهر مايو (أيار) الماضي.

تمكن فريق الجدات، الذي يصل عمر كبرى عضواته إلى 86 عاما، من احتلال المرتبة الثانية في هذه المسابقة السنوية التي تجرى كل ربيع والتي يتنافس فيها متسابقون من شتى بلدان القارة الأوروبية وتلقى قدرا كبيرا من الاهتمام في هذه القارة العجوز.

قامت هؤلاء الجدات، اللاتي كن يرتدين زيا تقليديا ويضعن مناديل على رؤوسهن، بأداء الأغاني على نغمات «الروك آند رول» بطريقة تدعو العالم للضحك على أدائهن، فضلا عن الابتسامات الخجولة التي كست وجوههن أثناء تجولهن على خشبة المسرح عندما كن يقمن بالغناء مع الكورس باللغة الإنجليزية ويقلن: «إنها حفلة للجميع، هيا ارقصوا! هيا تعالوا وارقصوا! هيا تعالوا وارقصوا!».

انتشر الفيديو الخاص بأغنيتهن بصورة كبيرة على الإنترنت، فضلا عن مشاهدة 100 مليون شخص لهذه الأغنية عبر شاشات التلفاز.

أما الآن، فلم تنعكس الشهرة التي حصل عليها هؤلاء النساء على حياتهن فقط، وإنما أيضا على القرية بكاملها، فتقديرا للمركز المتقدم الذي حققته الفرقة، تقوم الحكومة المحلية بمد القرية بخط مياه وتركيب أعمدة إنارة في الشوارع وتوصيل الإنترنت فائق السرعة للمدرسة الوحيدة الموجودة في القرية، فضلا عن رصف الطرق الرئيسية في القرية. يقول ألكسندر مالكوف، بينما كان واقفا في فناء منزله يشاهد الشاحنات الكبيرة وهي تجوب الشوارع بالأنابيب التي سوف تستخدم في شبكة المياه الجديدة: «كان الجميع قد نسي هذه القرية قبل أن تقوم هؤلاء الجدات بالغناء».

من الصعوبة بمكان المبالغة في تقدير مدى تأثير هذه التحسينات الجديدة على القرية، فمثل الكثير من الأماكن في الريف الروسي، كانت قرية بورانوفو مكانا نابضا بالحياة ومثالا حيا على الفقر المدقع الذي تشهده المناطق الريفية. عاش سكان القرية على الزراعة ومنتجات الألبان والحدائق الغناء والطعام الذي يتم جمعه من الغابة، مثل العسل وعيش الغراب لفترات ممتدة. وفي زيارة قمت بها مؤخرا للقرية، كانت الريح تهب على شكل أمواج في بحر من الشعير الأخضر وكانت الساحات الأمامية للمنازل تمتلئ بالأكوام الهائلة من قطع الخشب الصغيرة لشجر البتولا.

تؤكد أوليغا توريكوفا، إحدى الجارات التي كانت تقوم بإطعام الدجاج الخاص بواحدة من الجدات أثناء مسابقة «يوروفيغن»، أن هذه الفرقة قد أنقذت القرية بكاملها، مضيفة أنه «من دون فرقة الجدات، ما كان أحد سيلاحظ عدم وجود مياه في بورانوفو»، حيث إن معظم منازل القرية لم يتم تزويدها بالمياه الجارية.

تقول أوليغا توكتاريفا، قائدة الفريق الغنائي التي تبلغ من العمر 43 عاما والتي لم تصبح جدة حتى الآن، إن الأمر كله بدأ بمعجزة. تتذكر توكتاريفا عندما كانت تقوم بالتجول في القرية مع أحد أصدقائها في عام 2008 واسترجاع ذكريات هذه الفترة الحزينة في التاريخ المحلي، حيث استخفت السلطات بتدمير «كنيسة الثالوث»، كنيسة القرية، مثلما كان الحال مع العدد الهائل من الكنائس التي تم تدميرها في روسيا في عهد ستالين.

تم بناء الكنسية في عام 1901، وأغلق مفوضو الحزب الشيوعي في روسيا الكنيسة في عام 1937، وبعدها بـ12 عاما، قام الطاقم الذي كان ينقب عن النفط في أعالي حوض نهر الفولغا بهدم الكنيسة وأخذ الطوب الخاص بها لبناء ثكنات للعمال.

تقول توكتاريفا إن هاتفها الجوال قد دق أثناء هذه النزهة. كان المتصل منتجا موسيقيا من موسكو سمع عن الأغاني التي تؤديها فرقة الجدات على المستوى المحلي فقط، وكان يحمل معه اقتراحا. أكد المنتج أنه لو تمكنت الفرقة من أداء أغنية «نحن الأبطال» لفرقة «كوين» بلغتهم الأم، الأدمرت، أمام حشد من المسؤولين التنفيذيين لشركات النفط في روسيا، فسوف يكافئهن مكافأة جيدة.

تقول توكتاريفا: «كان هذا الأمر غريبا للغاية، حيث كنت أقول لنفسي إنه من المستحيل إعادة بناء الكنيسة، ثم دق هاتفي الجوال. لم تكن هذه مصادفة». وبعد ذلك، اشتهرت الفرقة بصورة محدودة من خلال أداء الأغاني الخاصة بـ«البيتلز» و«ديب بيربل» و«ذا إيجيلز» بلغة الأدمرت. قامت عضوات الفرقة - وكلهن من النساء المتدينات اللاتي اضطررن لإخفاء مشاعرهن الخاصة بالحقبة السوفياتية - بإنشاء صندوق لإعادة بناء الكنيسة. تنافست فرقة الجدات لتمثيل روسيا في مسابقة «يوروفيغن» 2010 من خلال أغنية تدعى «كيف تحول لحاء شجرة البتولا إلى قبعة»، ولكن لم يقع الاختيار على الفرقة، حيث إن أغانيها لم تكن قد تحولت بعد إلى موسيقى الروك بصورة كاملة.

وبعد فشل الأغنية، أدركت الجدات أنهن بحاجة إلى المزيد من التمثيل المسرحي وإجادة اللغة الإنجليزية. قامت الفرقة بأداء أغنية «حفلة للجميع»، وهي الأغنية التي كتبت كلماتها توكتاريفا بلغة الأدمرت، ثم قامت ماري سوزان أبليغات، وهي الشاعرة التي كتبت كلمات أغنية «كلام حديث» وغيرها الكثير من أغاني البوب، بتحويل الأغنية إلى اللغة الإنجليزية.

وبينما كانت الجدات في باكو بأذربيجان، للتنافس على دخول مسابقة «يوروفيغن» لهذا العام، تم البدء في وضع أساسات الكنيسة باستخدام الأموال المتزايدة الموجودة بالفعل في الصندوق الذي قمن بتأسيسه. وعندما عادت الجدات من المطار المحلي إلى القرية في حراسة موكب الشرطة، كانت خلطة الخرسانة والصلب في انتظارهن.

تقول توكتاريفا: «قمنا بالصلاة والبكاء كثيرا».

عملت ناتاليا بوغاشيوفا، واحدة من اثنتين من الفريق تم تعميدهما في «كنيسة الثالوث» الأصلية في ثلاثينات القرن العشرين، في مزرعة للخنازير على مدار عقود طويلة قبل أن تحظى بهذه الشهرة، حيث تقول بوغاشيوفا: «لقد كانت حياتي على هذا النحو».

لم يتمكن الفريق من حصد أي أموال مباشرة من مسابقة «يوروفيغن» من أجل صندوق الكنيسة أو من أجل أنفسهن، ولكنهن يكسبن أموالا جيدة من الحفلات الموسيقية ويقمن بدفع مكافآت لأنفسهن. وبالعودة إلى القرية، فبعد مسابقة «يوروفيغن»، غيرت الشهرة حياة القرية، حيث تقوم المدرسة التي تبعد عن القرية بمسافات كبيرة بإرسال الطلبة في رحلات ميدانية لزيارة منازل الجدات. تؤكد الجدات أنهن حافظن على تدينهن بصورة سرية طيلة حياتهن، ولكنهن لم يتوقعن قط إعادة بناء الكنيسة.

قالت اليفتينا بيغيشيفا (60 عاما)، إحدى عضوات الفريق: «كان يراودني حلم دائما أن هناك شيئا ما سيتغير في قريتنا، ولكنني لم أتخيل يوما أننا سوف نتمكن من استعادة كنيستنا بهذه الطريقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»