رحيل الروائي محمد البساطي بعد رحلة أدبية ثرية

ترك 25 عملا عكست تأثره بالبيئة الريفية المصرية

محمد البساطي
TT

غيب الموت مساء أول من أمس بالقاهرة الكاتب والروائي محمد البساطي، عن عمر ناهز 75 عاما، بينما شيعت جنازته أمس (الأحد) من مسجد رابعة العدوية بحي مدينة نصر (شرق القاهرة)، قبل أن يوارى الثرى في مدافن أسرته بالقاهرة.

غادر الراحل «صخب» الحياة في هدوء بعد رحلة أدبية عمرها نحو 50 عاما، بعدما أصيب بسرطان الكبد العام الماضي، مما أجبره على ملازمة الفراش، لكنه رفض العلاج على نفقة الدولة التزاما منه بموقف اتخذه قبل سنوات بالبعد عن المؤسسة الرسمية.

وقد أثار رحيل البساطي حزنا جما في وسط المثقفين والأدباء، الذين حرص كثير منهم على تشييع جثمانه حتى مثواه الأخير، وقالت الأديبة ميرال الطحاوي لـ«الشرق الأوسط»: «فقدنا رجلا بالغ التواضع، وروائيا جدد في الرواية العربية، وكاتبا من أهم الكتاب في حياتنا المعاصرة»، مضيفة: «البساطي كان صاحب إنتاج غزير وكان له أسلوبه الخاص، حيث تمكن من أن يخلق لنفسه مساحة أدبية تحمل بصمته»، بينما نعت الروائية رضوى عاشور الراحل بكلمات حزينة، وقالت في حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»» إن «البساطي واحد من أكبر كتاب القصة القصيرة في مصر، وأهم ما يميزه هو التقاطه الخاص للوجود من حوله».

ولد البساطي في عام 1937 ببلدة الجمالية المطلة على بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية (120 كلم شمال شرقي القاهرة)، ونشأ نشأة قروية، وحصل على بكالوريوس التجارة عام 1960، ليعمل مديرا عاما بالجهاز المركزي للمحاسبات (مؤسسة حكومية).

وانتمى البساطي إلى جيل الستينات روائيا، ونشر أول قصة له عام 1962 بعد أن حصل على الجائزة الأولى في القصة من نادي القصة، التي تسلمها من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتعكس أعماله تأثره بالبيئة الريفية، حيث تدور معظم أعماله في الجو الريفي من خلال التفاصيل الدقيقة لحياة أبطاله المهمشين في الحياة، الذين لا يهمهم سطوة السلطة أو تغيرات العالم من حولهم، وكان يشكك ويرفض القول الشائع إن الرواية هي فن الطبقة الوسطى في المدينة، وهو ما جعل بعض النقاد يرون أنه جعل من القرية الصغيرة أسطورة، جذب القارئ إليها ليعيش ويتعايش في هذا العالم الغني والساحر.

عمل البساطي رئيسا لتحرير سلسلة «أصوات» الأدبية التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتي تركها بعد أزمة نشر الروايات الثلاث الشهيرة التي صودرت بقرار إداري من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وبسبب تلك الأزمة ظل الراحل معارضا للسياسات الثقافية حتى وفاته وبسبب تلك المعارضة تأخر ترشيحه لجائزة الدولة التقديرية.

كتب عن أعماله كبار نقاد مصر والعالم العربي وأبرزهم: لطيفة الزيات، وعلي الراعي، ومحمود أمين العالم، وفيصل دراج، وجابر عصفور، وصبري حافظ، الذين وصفوا أعماله بأنها تتسم بالاقتضاب البليغ الدال سردا وأسلوبا ومعنى، وتتوق إلى استحداث أفق شعري رائق، كما أنه عمد إلى التجربة الاجتماعية والنفسية والسياسية، فيلقي النور على الجوهري فيها، محتفظا بما هو إنساني عام، لعرضه ضمن بنية تخيلية تمتاز بالشاعرية.

كما رأى معاصروه أنه كاتب الإيماء والرمز والألوان الخفية واللمحات السريعة، بحيث تقتضي أعماله حضور القارئ وإسهامه في القص، حيث تمكن من أن يخط لنفسه أسلوبا يحمل بصمته، يسرد به المشاهد الغنية بإنسانيتها وعرضها بتكثيف وشاعرية.

وللبساطي نحو 25 عملا ما بين الروايات ومجموعات قصصية، من أبرزها: «التاجر والنقاش»، و«بيوت وراء الأشجار»، و«أصوات الليل»، و«صخب البحيرة»، و«الخالدية»، و«أوراق العائلة»، و«فردوس»، و«جوع» التي رشحت لنيل جائزة البوكر للرواية العربية عام 2009، وآخر أعماله مجموعة «فراشات صغيرة» التي صدرت عن «دار الهلال» في فبراير (شباط) الماضي.

وللكاتب عدة مجموعات قصصية، منها: «الكبار والصغار»، و«حديث من الطابق الثالث»، و«أحلام رجال قصار العمر»، و«هذا ما كان»، و«منحنى النهر»، و«ضوء ضعيف لا يكشف شيئا»، و«ساعة مغرب». ونال البساطي في حياته تكريمات كثيرة، أبرزها جائزة أحسن رواية لعام 1994 بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عن روايته «صخب البحيرة»، كما نال جائزة «سلطان العويس» في الرواية والقصة لعام 2001 مناصفة مع السوري زكريا تامر.