مقتنيات المصممة مدام روشا تباع في المزاد العلني في باريس

«الجميلة هيلين» مرت كنسمة عطر في فضاء الأناقة الفرنسية

TT

كأن أحزان الغياب لا تكفي، يأتي بيع مخلفات المشاهير من الراحلين بالمزاد العلني مثل حكم ثان بالموت، وبعثرة للذكريات ونقلها إلى ملكية من يستطيع دفع الثمن. هل هو جشع الورثة؟ أم هي سنة الحياة والموت، لسيدة مرت في الفضاء الباريسي مثل نسمة عطر باذخة؟

في الصيف الماضي انطفأت مصممة الأزياء الفرنسية المعروفة هيلين روشا عن 84 عاما بعد حياة حافلة بكل ما هو صعب وجميل ونادر. وقبل اكتمال سنة على رحيلها، أعلن الفرع الفرنسي لدار «كريستيز» لتجارة التحف عن بيع مقتنياتها في مزاد يقام في 27 من سبتمبر (أيلول) المقبل، على أن تعرض القطع الموضوعة قيد البيع أمام الجمهور خلال اليومين السابقين للمزاد. ولا تتألف مخلفات مدام روشا، المرأة التي جسدت الأناقة الباريسية وخلد عطرها اسمها، من المجوهرات أو الثياب الثمينة فحسب، بل تشمل عددا من الأعمال الفنية المعاصرة لكبار فناني القرنين التاسع عشر والعشرين.

يقول فرانسوا دو ريكليس، رئيس الفرع الفرنسي لـ«كريستيز»، إنه التقى هيلين روشا، للمرة الأولى، عام 1985، في حفل افتتاح متحف «بيكاسو» الواقع في شارع «توريني» في باريس. ويضيف «بعدها أصبحنا أصدقاء، لكن ذكرى ذلك اللقاء الأول ما زالت ماثلة في ذهني. واليوم، جاءت مناسبة تجميع مقتنياتها للمرة الأخيرة، في صالتنا. إن هذه المجموعة الفريدة تنطوي على أعمال استثنائية من الفنون، ومن ذكريات سيدة حقيقية يقر كل من عرفها برهافة ذوقها».

مدام روشا رفضت أن تمثل دور البطولة في فيلم «الخوذة الذهبية»، وهو الدور الذي صنع مجد النجمة الفرنسية سيمون سينوريه، لكنها كانت وجها فنيا واجتماعيا، وصديقة للأدباء والممثلين ومقربة، بشكل خاص، من الروائية المعروفة الراحلة فرانسواز ساغان، والمصمم إيف سان لوران. وهي كانت قد بدأت حياتها عارضة للأزياء قبل أن تقترن، عام 1944، بالمصمم مارسيل روشا، وكانت يومها في السابعة عشرة من العمر، وقد أنجبت ولدا وبنتا. ولدى زواجها، أهداها زوجها عطرا صنع خصيصا لها هو «فام» الذي حقق رواجا عالميا. وبعد رحيل زوجها، عام 1955، تسلمت إدارة دار الأزياء والعطور الخاصة به لتصبح أصغر مديرة لمؤسسة فرنسية. وقد كشفت عن مقدرة في إدارة الأعمال وفنون التسويق طوال ربع قرن من النجاح لحين تخليها عن الإدارة العليا للدار. وأعطت مدام روشا اسمها لواحد من أشهر عطور القرن العشرين. ورغم غابة العطور الجديدة، فإن عطرها ما زال مطلوبا وتسعى الذواقات من النساء لاقتنائه.

يقدر المشرفون على المزاد أن تزيد حصيلته على 8 ملايين يورو. وقد اعتبرته الصحافة الفرنسية «الحدث» الكبير للموسم الجديد الذي يبدأ بعد الإجازة الصيفية. فقد وقفت هيلين روشا، بكل أناقتها، أمام عدسات مصورين من مشاهير عصرها، أمثال سيسيل بيتون، ولي ميلر، كما حقق لها آندي وارهول سلسلة من التلاوين التي عرف بها.

إنها أعمال كانت تتناثر على جدران شقتها، المعروضة للبيع أيضا، في باريس؛ ففي الصالون الذي ينفتح على حديقة من الخضرة الدائمة، مزروعة بالأزهار البيضاء فقط، كان الضيوف يقفون طويلا أمام لوحة للفنان كاندينسكي، تعود لعام 1925. وهي معروضة في المزاد بسعر يتراوح ما بين 1.5 ومليوني يورو.

أما في الصالون الصغير، فكانت هناك لوحة كبيرة لبالتوس على امتداد الجدار المواجه للمدخل، وهي تمثل «سيتسوكا» الحسناء اليابانية التي كانت آخر زوجات الفنان الفرنسي المتوفى في سويسرا، العام الماضي. ويقدر ثمن اللوحة بمبلغ يتراوح بين مليونين و3 ملايين يورو. وبالإضافة إلى الفن التشكيلي، اهتمت مدام روشا التي كان معارفها يسمونها «الجميلة هيلين»، بالفنون التصميمية والتزيينية الجديدة التي تندرج تحت تسمية «آرت ديكو». وفي أوساط مصممي الأزياء الفرنسيين من أمثال سان لوران وجيفنشي سادت «حمى» جمع تلك الفنون التي تبعث البهجة في النفوس ووضعها بجانب اللوحات المعاصرة، في محاولة لخلق انسجام غير مستحيل بينها.

من أبرز المعروضات مجموعة صور لهيلين روشا بتوقيع آندي وارهول، الفنان الذي لم تسلم نجمة معروفة من تلاوينه. لقد التقاها ملك الـ«بوب آرت» في أواخر سبعينات القرن الماضي وأنجز لها 4 صور شخصية قيمة كل منها، حاليا، ربع مليون يورو.

وبأنفها الذي كان حساسا للعطور، امتلكت هيلين روشا موهبة تشمم المواهب الجديدة واقتناء أعمال لرسامين ومصممين في طور النمو، سرعان ما تصعد أسماؤهم في بورصة الفن. وفي المزاد أعمال تقدر بعشرات الآلاف من اليوروات بينما كانت صاحبتها قد اقتنتها بثمن حبات فول، كما يقول التعبير الإنجليزي.