بريطانيا تحتفل بالأولمبياد وتقدم لزوارها شاعرها الأشهر

معرض «شكسبير.. العالم على خشبة المسرح» يطرح علاقة لندن والعالم

TT

ضمن ما يسمى بالأولمبياد الثقافي تقدم بريطانيا أفضل ما لديها، لتقدم للعالم صورة للثقافة البريطانية وتفاعلها مع العالم عبر مجموعة ضخمة من العروض الفنية. ولكن المتحف البريطاني احتفظ بنصيبه من تلك الاحتفالات وقرر أن أفضل ما يمكن أن يقدمه لضيوف العاصمة لندن هو شاعر الإنجليز الأشهر ويليام شكسبير (1564 - 1616) عبر معرض ضخم يعد الأول من نوعه في العالم. وقد يتوقع الزائر أن لا يختلف المعرض عن المعارض التاريخية التي قدمت مرارا في متاحف العالم ولكن المسؤولين في المتحف البريطاني قرروا التخلي عن الطريقة التقليدية في العرض وقبول تحدي تنظيم معرض عن شكسبير يخرج به عن الوثائق التاريخية واللوحات ومجلدات الكتب. المعرض هنا يقدم لنا صورة للندن في عالم متغير عبر مسرحيات شكسبير، وهو عالم استفاد من الكشوفات الجغرافية وعقد علاقات تجارية وثقافية مع دول العالم. وعبر عرض متميز استخدم كافة الوسائل الممكنة مثل التسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو وبالطبع قدم مجموعة ضخمة من المقتنيات مستعارة من جهات مختلفة تسمح للزائر أن يكتشف جوانب جديدة لعالم الكاتب.

الداخل للقاعة الرئيسية في المتحف لا بد أن يحس بذلك، فعبر الممر الطويل الذي يؤدي لبداية المعرض نسمع أصواتا كثيرة تتناقش وتضحك تعكس ربما أناسا من أماكن مختلفة يتناقشون وربما أيضا تعكس جو المسارح حيث ينشغل المتفرجون بالحديث سويا قبل بداية العرض مما يجعلنا نتوقع سماع دقات خشبة المسرح في انتظار رفع الستار. وهذا هو التأثير المطلوب فالدخول للمعرض يرفع الستار عن عالم عاشه ويليام شكسبير ومعاصروه ونقله للمسرح عبر 36 مسرحية خالدة.

دارا ثورنتون القيمة في المتحف وجوناثان بيتس المتخصص في دراسات شكسبير قاما بالإعداد للمعرض وعبر أربع سنوات قاما بالبحث والتحضير لحدث مختلف عن أي معارض سابقة أقيمت عن الشاعر وأيضا لم يغب عنهما أن المعرض سيكون من أبرز الأحداث التي تعدها لندن لزوارها بمناسبة الأولمبياد، فالعالم كله على أعتابها ولهذا فالمعرض يجب أن يمد يده إلى كل أنحاء العالم. وفي معرض تعليقها على المعرض قالت ثورنتون «المعرض أعد ليدور حول الأماكن التي دارت فيها مسرحيات شكسبير». غني عن القول: إن شكسبير لم يسافر في حياته قط ولكنه قدم لجمهوره أعمالا دارت في مدن كثيرة من البندقية إلى روما إلى الإسكندرية.

من جانبه علق جوناثان بيتس قائلا: «المعارض السابقة التي تناولت شكسبير اهتمت بأعماله وحياته، لكن هذا المعرض يتناول محيطه والعالم الذي صوره في أعماله. كيف رأى العالم لندن وكيف رأت لندن العالم». وأضاف بيتس «توصلنا إلى استخدام عالم شكسبير المتخيل فلهذا عندما تبدأ زيارة المعرض تجد أمامك مدينة لندن خلال حياة شكسبير ثم تمر إلى جانب مخصص لنشأة الشاعر ثم تمر إلى جانب مخصص لمدينة البندقية التي استخدمها الشاعر خلفية لمسرحية (تاجر البندقية) بعدها نتعرف على تاريخ العصور الوسطى الذي تناوله الشاعر في مسرحياته التاريخية. في النهاية ننتهي بالعالم الجديد الخيالي الذي طرحه عبر مسرحية (العاصفة)».

تشير ثورنتون إلى لوحة ضخمة لرجل عربي الملامح والملابس «هذه لوحة لعبد الواحد بن مسعود السفير المغربي في بلاط الملكة إليزابيث والذي أثار اهتمام أهل العاصمة عندما قدم إليها وقضى ستة أشهر فيها. ونتوقع أن يكون شكسبير قد رآه فقد قدمت فرقته عملا مسرحية في القصر الملكي خلال مأدبة حضرها بن مسعود». وهنا يضيف بيتس قائلا: «هنا نرى فكرة المغربي النبيل الذي يقدم إلى لندن وربما انطبعت صورته في ذهن شكسبير الذي كان مطالبا سواء من الملكة إليزابيث أو خلفها الملك جيمس بإعداد مسرحيات جديدة، وربما كان بن مسعود هو الإلهام خلف شخصية عطيل التي كتبها الشاعر في مسرحيته الشهيرة».

ومن المعروضات البارزة في المعرض صفحات من مخطوطة لمسرحية لم تنشر لشكسبير تدور حول الشغب في شوارع لندن ومجلد لأعمال شكسبير أحضر من روبن أيلاند بجنوب أفريقيا. المجلد استعاره سوني فينكاتراثانام الذي كان مسجونا في السبعينات ونجح في تهريبه إلى داخل السجن وتداوله السجناء بينهم خلسة وهناك طلب من زملائه الذين رافقوه في السجن أن يوقعوا على الفقرة التي يختارونها من مسرحيات شكسبير، وقام نلسون مانديلا باختيار فقرة من مسرحية «يوليوس قيصر» تقول: «الجبناء يموتون عدة مرات قبل وفاتهم والشجاع لا يذوق الموت سوى مرة واحدة».

الجو العام للمعرض ينقل الزائر إلى عالم مسرحي خالص فالأصوات المنبعثة من كل حجرة تتلو أبياتا من مسرحيات الكاتب ومع دخول كل غرفة نجد أن التسجيلات مصدرها أفلام فيديو قصيرة يؤدي فيها مجموعة من أشهر ممثلي فرقة «رويال شكسبير» مقاطعا من مونولوجات لأشهر شخصيات الكاتب. فنسمع مقاطع من خطبة أنطوني الشهيرة التي ألقاها بعد قتل يوليوس قيصر وذلك في بداية غرفة العرض التي تتناول العالم القديم في مسرحيات شكسبير، ومن روما ننتقل إلى الإسكندرية وفيديو آخر لكليوباترا قبل موتها وآخر لماكبث. التضافر بين الفيديو والعروض الضوئية التي سطرت كلمات الشاعر على الجدران أضافت للمعرض بعدا دراميا حيا، بالتأكيد سيميز المعرض عن غيره ويبرز أهمية شكسبير في التراث العالمي ومدى صلاحية كلماته في كل حضارة وكل وقت.

وتعلق ثورنتون على هذا الجانب بقولها «تعاونا مع فرقة (رويال شكسبير) مما سمح لنا بإدخال عنصر الأداء على العرض وهو ما سيثير لدى الزائر الإحساس بأنه في أحد المسارح اللندنية».

نهاية المعرض تختتم رؤية شكسبير للعالم، فهي غرفة مختلفة تماما في عرضها ومحتوياتها، فهي غرفة العالم الجديد الذي استشرفه شكسبير في مسرحية «العاصفة». الغرفة بيضاء ومضيئة بشكل واضح يختلف تماما عن بقية غرف العرض الخافتة الإضاءة والتي يغلب عليها اللون الداكن وألواح الخشب التي أحاطت بها لتعكس جو المسرح. وفي جانب من الحجرة أعد بشكل مائل ينعكس فيلم من المسرحية لإحدى الشخصيات الغريبة التي تمثل رجلا يلتحف بغطاء يرفعه ليطل على العالم خارجه ثم لا يلبث أن يختفي خلفه.

المعرض يضم 190 قطعة ويقام ضمن مهرجان أعمال شكسبير الذي انطلق هذا العام عبر «غلوب تو غلوب» الذي شهد مشاركات مسرحية من جميع دول العالم قدمت كل منها رؤية لمسرحية من مسرحياته وكان من ضمن الفرق المشاركة فرقة عشتار الفلسطينية التي قدمت مسرحية «ريتشارد الثاني» ورؤية مسرحية عراقية لـ«روميو وجولييت».