معارض فنية تكشف توجه التشكيليين السعوديين الشباب نحو الفنون الحديثة

جدلية حول جدوى الدراسة الأكاديمية للتشكيليين الشباب

TT

نضج جيل كبير من الفنانين التشكيليين السعوديين الشباب خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعد تطور كبير تشهده ساحة الفن التشكيلي السعودي من خلال تعدد المعارض وورش العمل، وضمن التجديد في إدخال عناصر جديدة عند رسم اللوحة، وتوجه الفنانين نحو الاستغناء عن الريشة في الرسم مثل تطور تقنيات التصميم الرقمي والخامات، وتنوع طرق التلوين بالنقش والنحت على قماش اللوحة الزيتية.

وأدى ذلك النضج إلى تحول جذري في منحى الفنون التشكيلية في السعودية، إلى النحو الذي يعبر فيه الشباب عن ذواتهم دون قيود مثل الفنون المعاصرة، والتشكيل في الفراغ في فنون ما بعد الحداثة، ودمجها في لوحاتهم ضمن مرئياتهم حول مدارس الفن التشكيلية القديمة، كالواقعية والسريالية والتجريدية، في محاكاة عصرية لفنون تشكل منحى جديدا وبعدا آخر يمثل الفنان التشكيلي الشاب.

يقول محمد المنيف، مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية: «الفنانون الشباب دخلوا مرحلة واسعة تساعدهم تغذية المعلومات، وأصبح بمقدور الفنان التنقل في الإنترنت بحرية ليرى أعمال التشكيليين ومن مختلف العصور إلى يومنا هذا، مما سهل عليه الانتقال إلى مرحلة التعبير الذاتي بشكل أسرع من الفنانين في وقت مضى».

وأشار المنيف إلى أن اللوحة الفنية يجب ألا تتقيد بمدرسة فنون معينة والفنان كذلك، وإنما يتوجب عليه معرفة أسس العمل الفني أولا مثل التوازن، وتوزيع المساحات والكتل التي تسبق البدء في دخول المجال التشكيلي، وهي بمنظوره لا تقيد الفنان؛ لأن الفن لا روابط له إلا بالفكرة التي عادة ما ترتبط بواقع الفنان، مشيرا إلى أن الفنان لا يستطيع وضع نفسه في مجال معين أو انتماء لمدرسة بعينها، وإنما يترك هذا الأمر للنقاد.

وأبان المنيف من خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن التشكيلي عندما يعبر في اللوحة فهو كالكاتب والشاعر يبدأ العمل بإظهار مشاعره ومكنوناته في لوحته دون أن تقيد نفسه بمدرسة أو أسلوب، فالأسلوب يأتي من خلال الممارسة، فقد يظهر العمل بعدة مدارس كالواقعية أوالتجريدية على سبيل المثال. وأضاف: «الفنان لا يجب أن يكون ناقلا للواقع حرفيا، وإن كانت لديه قدرات لهذا الجانب من التصوير الحرفي فعليه بعدها أن يدخل تقنياته وقدراته ويختزلها بما تحقق له من أسلوب، وبالمجمل فإن الفنان عندما يبدع لا يفكر فيما سيقوله الناس عن عمله، إنما يصبح في حالة تجل».

فيما أشار الفنان التشكيلي، عبد الرحمن السليمان إلى أن الفن التشكيلي يعتمد على الموهبة التي بإمكان الشخص تطويرها وتنميتها، كما عمل غالبية الفنانين السعوديين المخضرمين في مشاركة أعمالهم وحضور المعارض الفنية، إضافة لسعة الاطلاع والقراءة في المجال الفني.

وحول سؤاله عن قيمة الدراسة الأكاديمية بالنسبة للفنان الموهوب، ذكر السليمان أن الدراسة في معاهد الفنون أو أقسام التربية الفنية في الجامعات تعطي المبادئ التي يحتاجها الفنان، فضلا عن إطلاعه على مدارس وثقافات مختلفة في الفنون التشكيلية. وأبدى السليمان تحفظه حول المناهج الدراسية التي تركز عادة على تهيئة الطالب من ناحية تربوية على أن يكون معلما للتربية الفنية فضلا عن محدوديتها، وهذا ما يتعارض مع رؤيته بأن الفنان حر في اختيار ما يتلاءم وإظهاره للوحة فنية دون حصره في مدرسة معينة، مشيرا إلى دور وسائل الاتصال الحديثة في تسهيل مشاركة الفنان في ورش ومعارض والاستفادة من تجاربها.

ومن جانبه يرى التشكيلي عبد الله التمامي أن الفن التشكيلي علم وثقافة، وبموجبه يجب أن يكون الفنان مثقفا قبل أن يرسم لوحة، فيقرأ ويغذي بصره حتى يكون لديه شئ أو فكرة أو وجهة نظر يعبر عنها من خلال فنه، وهنا تبدو الصعوبة للشباب اليافعين.

ويبين التمامي أن هناك إشكالية لدى بعض الفنانين الشباب الذين انطلقوا في فنونهم نحو المدرسة التجريدية، في الشعور بالمصاعب كون الفنان لا يستطيع أن يعبر، ولا يطرح ما في جعبته من فكر، فلا يرسم بشكل جيد ولا يعبر بشكل جيد، فيبدأ يظهر للأضواء بوصفه فنانا، ثم يقع في مصيدة عدم إجادته للخروج من دائرة الرسم التجريدي. ويرى التمامي أن من المدرسة الواقعية هي التي يجب أن تكون المدرسة التي تمثل بداية كل فنان، بعدها يتدرج نحو المدراس الأخرى. ويقول التمامي لـ«الشرق الأوسط»: «التدرج مهم لتعلم الرسم بشكل جيد، وما أشاهده كطرح بعض اللوحات بشكل لا يليق بمسمى الفن، والشاب بطبيعته لا يستطيع أن يطرح طرحا فكريا عميقا ولا علميا، إلا بعد عدة سنوات من دراسة الفن وعدم الاكتفاء بالموهبة».

ومن جانبها تستعد الجمعية السعودية للفنون التشكيلية لإصدار موسوعة شاملة عن أجيال الفن التشكيلي السعودي بدءا بالرواد إضافة إلى منسوبي الجمعية، وأشار رئيس مجلس إدارة الجمعية، محمد المنيف إلى أن الموسوعة ستشتمل على أبواب عدة؛ تتضمن قراءات وتحليلات وتوثيقا عن الفن التشكيلي السعودي والتجارب التي مر بها الفنانون بأقلام نخبة من النقاد والكتاب والباحثين التشكيليين السعوديين، يمنح فيها لكل جيل مساحة من نشر صور أعمالهم، ونبذة عن مسيرتهم الفنية وقراءاتهم ورؤيتهم وفلسفتهم الفنية المختصرة عن أعمالهم، وسوف تتم طباعة الموسوعة باللغتين العربية والإنجليزية.