مطالبة مجال العلوم الاجتماعية بدور أكبر في التنمية المستدامة والبحوث البيئية

في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر
TT

للعلوم الاجتماعية والإنسانية دور مهم في جميع المجالات التنموية بالمجتمع، من خلال نشر المعرفة المتعلقة بسلوك البشر والمجتمعات، وطرح القضايا والمسائل التي تهم الفرد والمجتمع، خاصة المعاصرة والمستجدة منها، للبحث والدراسة، مثل قضايا البيئة والتغير المناخي والاحتباس الحراري والعنف والإدمان والتغير الاجتماعي، وإيجاد الحلول العملية لها بما تقدمه من مبادئ ونظريات وأساليب عملية تطبيقية، وأهمية تعزيز التفاعل بين السياسات والعلوم المختلفة، بهدف تحقيق التقدم والاستقرار والتنمية المستدامة للمجتمعات.

ففي مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة «ريو 20»، بعنوان «المستقبل الذي نبتغيه»، الذي عقد مؤخرا في ريو دي جانيرو بالبرازيل الشهر الماضي، وبعد 20 عاما من «قمة الأرض» التي عقدت في ريو دي جانيرو عام 1992، وحضره وشارك فيه رؤساء وقادة دول وحكومات وآلاف من البرلمانيين ومسؤولي الأمم المتحدة والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، بهدف وضع سياسات جديدة للحد من الفقر وتعزيز العدل والمساواة الاجتماعية وحماية البيئة.

في هذا المؤتمر، طالب المجتمعون بدور أكبر للعلوم الاجتماعية؛ حيث أكدوا على أن السياسات العامة للدول تحتاج إلى دعم العلوم الاجتماعية وعلمائها لبناء وتعزيز سياسات البعد الاجتماعي للتنمية المستدامة، وهي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر، ومن دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتهم الخاصة، وكذلك ضرورة أن تدمج الأركان الأساسية للعلوم الاجتماعية في التصدي لظاهرة التغير المناخي العالمي.

وشن قادة وعلماء العلوم الاجتماعية حملة لجعل عملهم ودورهم أكثر وضوحا، قائلين إن «أبحاثهم في التغير البيئي يجرى تجاهلها» وبرهنوا على أن دورهم يجب أن يكون محوريا في عملية تحديد موضوعات البحث وصياغة الأسئلة والمنهجيات عند إجراء البحوث الدولية بشأن تغير المناخ العالمي.

فقد تضمن المؤتمر، جلسة في 20 يونيو (حزيران) الماضي، بعنوان «دعم العلوم الاجتماعية لتعزيز سياسات البعد الاجتماعي للتنمية المستدامة»، بهدف زيادة الوعي بأهمية الحاجة المتزايدة للعلوم الاجتماعية للمساعدة على خلق المستقبل الذي نبتغيه، وقد نظمتها «اللجنة الوطنية النرويجية لليونيسكو» (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة)، وبرنامج «اليونيسكو لإدارة التحولات الاجتماعية» (موست)، (Management of Social Transformations - MOST)، وهو برنامج أطلق في مارس (آذار) عام 1994، ويعتبر جزءا من برامج قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية لمنظمة اليونيسكو.

وقد صمم هذا البرنامج لتشجيع وتعزيز البحوث المقارنة والدولية والمتعددة التخصصات ذات الصلة بمجال العلوم الاجتماعية ونقل نتائج هذه البحوث لصانعي القرارات وأصحاب المصلحة. ويركز البرنامج على بناء جسور فعالة بين البحوث والسياسات والممارسات، والعمل على تعزيز ثقافة صنع سياسات مستندة إلى الأدلة على المستويات الدولية والوطنية والإقليمية.

يذكر أن قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية بمنظمة اليونيسكو، يعد واحدا من البرامج الرئيسية لها، وتتشكل مهمته في دفع عجلة المعرفة والتعاون الفكري بهدف تيسير التحولات الاجتماعية، بحيث تفضي إلى القيم العالمية للعدالة والحرية وكرامة الإنسان، وتشجيع الحوار بين الباحثين وصانعي القرار السياسي وأولئك المعنيين بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بهدف المساهمة في وضع السياسات العامة التي تستجيب على نحو فعال للتحولات في المجتمع واحتياجات السكان، لا سيما من خلال برنامج «إدارة التحولات الاجتماعية» (موست).

يذكر أن الدول الأعضاء في الدورة الـ35 للمؤتمر العام لليونيسكو، التي عقدت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009، كانت قد شددت على أهمية دور العلوم الاجتماعية والإنسانية في مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية والبيئية ودراسة انعكاساتها الأخلاقية.

وفي كلمتها الافتتاحية بمؤتمر «ريو 20»، أكدت بيلار ألفاريز لاسو، مساعدة المدير العام لليونيسكو لقطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية، على أن فكرة التنمية المستدامة تعتمد على توافر قاعدة معرفية وقدرة على الاستفادة منها، وأشارت إلى أن منظمة اليونيسكو سوف تعمل على تعزيز المعرفة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية الأساسية، وتعزيز مساهماتها في المعرفة العلمية.

وشدد بارد فيجارد، وزير البيئة النرويجي، على أن مهمة الجيل الحالي يجب أن تتركز على قضية التغير المناخي التي لها آثار اجتماعية كبيرة، وأكد على أهمية الدور الكبير لمجال العلوم الاجتماعية، وكذلك أهمية دور منظمة اليونيسكو الذي ينبغي أن تقوم به في هذا المجال، وخلص إلى أن برنامج «إدارة التحولات الاجتماعية» (موست) باليونيسكو أمر لا بد منه.

كما أكدت هايدي هاكمان، المديرة التنفيذية لـ«المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية» ومقره باريس، على ضرورة أن يكون هناك عقد واتفاقية جديدة بين العلوم والسياسات، وأهمية الحاجة إلى إجراء بحوث متعددة ومتداخلة التخصصات وتحويل المعرفة إلى سياسات عمل.

يذكر أن «المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية» يصدر سنويا تقريرا عالميا، يركز على التحديات الأساسية المطروحة أمام العلوم الاجتماعية، نتيجة للتغيرات السريعة العالمية، وتقييم مساهمات العلوم الاجتماعية وقدرتها على الاستجابة لهذه التغيرات، وتقديم توصيات عملية لممارسات البحوث المستقبلية والسياسات. وسوف يطلق المجلس في أكتوبر من العام المقبل، تقريره السنوي العالمي للعلوم الاجتماعية، وسيركز على وجه الخصوص على مساهمات العلوم الاجتماعية في بحوث التغير البيئي؛ حيث يقوم المجلس حاليا بتطوير مبادئ وتوجيهات للممارسة الجيدة لمعالجة القضايا وتشجيع علماء الاجتماعيات على تناول بحوث التغير المناخي العالمي. وقد أصدر المجلس في مايو (أيار) الماضي تقريرا بعنوان «الأركان الأساسية لتحويل بحوث العلوم الاجتماعية من أجل التغير البيئي العالمي»؛ حيث يجمع ويفسر نتائج تشاورات دولية شملت كثيرا من الباحثين في مجالات العلوم الاجتماعية والسلوكية والاقتصادية، فضلا عن المؤرخين والفلاسفة.

وكان قد عقد أيضا في ريو دي جانيرو، في الفترة من 11 إلى 15 يونيو الماضي، وقبل أيام فقط من مؤتمر «ريو 20»، منتدى «العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتنمية المستدامة»، الذي نظمه المجلس الدولي للعلوم ومقره باريس، بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، والاتحاد العالمي للمنظمات الهندسية، والمجلس الدولي للعلوم الاجتماعية، ووزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار بالبرازيل والأكاديمية البرازيلية للعلوم، بهدف توفير منصات لمجتمع العلوم والتكنولوجيا والابتكار، لتسليط الضوء على الرسائل الرئيسية في سياق مؤتمر «ريو 20»، والدخول في حوار مع صانعي السياسات وأصحاب المصلحة الآخرين.

وفي هذا المنتدى، قالت هايدي هاكمان، إن «علماء العلوم الاجتماعية غالبا ما يقومون باقتراح حلول وجدت من قبل علماء العلوم الطبيعية، ويجب بدلا من ذلك أن يشاركوا ومنذ البداية في مشاريع البحوث.. علينا تشجيع علماء العلوم الاجتماعية لأخذ زمام القيادة والمبادرة في التواصل مع علماء العلوم الطبيعية. كثير من أعمال علماء العلوم الاجتماعية ظلت غير مرئية، ودورنا هو جعلها مرئية».

وقالت سارا كول مديرة معهد «الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية» ومقره جنيف بسويسرا، ونقلا عن «إعلان ناغويا» باليابان الصادر في ديسمبر (كانون الأول) عام 2010، خلال ندوة علمية عقدت بالتعاون بين المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية والمجلس الدولي للدراسات الفلسفية والإنسانية، إن «التغير البيئي العالمي، ليس شيئا خارج نطاق العلوم الاجتماعية والإنسانية، بل على العكس من ذلك، هو مجال أساسي من مجالاتها وأنظمتها المختلفة».

وفي الكلمة الختامية في مؤتمر «ريو 20»، التي أدلت بها إيرينا بوكوفا المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو، قامت بإعادة التأكيد على أن العلوم الاجتماعية ذات أهمية حيوية لتطوير سياسات أفضل. وقالت إن «التحدي الذي نواجهه يتمثل في فهم أنفسنا بشكل أفضل، والعالم الذي نعيش فيه.. والعلوم الاجتماعية تعد أمرا حيويا في ذلك، لتطوير سياسة أفضل للاستجابة للاحتياجات والتحديات. هذه هي القضية الأساسية للاستدامة في القرن المقبل.. يجب رسم السياسات العامة في ضوء مجال العلوم الاجتماعية، لبناء المجتمعات الخضراء المستدامة، التي نحن بحاجة إليها في القرن المقبل».