نظام جديد للشاحنات على الطرق السريعة

شركة «سيمنز» الألمانية تحركها بالكهرباء مثل القطارات

النظام الجديد لا يقترح إجراء أي تغييرات بنيوية على شبكة الطرق السريعة وإنما تخصيص الخط الأيمن من كل طريق للشاحنات وربط الأخيرة بأسلاك كهربائية معلقة (تصوير: شركة «سيمنز»)
TT

تتولى شركة «سيمنز» الألمانية المعروفة الآن مهمة تجربة شاحنات ضخمة تعمل بتقنية «هجينة»، بمعنى أنها تتحرك بمحركات نصف كهربائية ونصف ديزل، بغية إنجاز نظام جديد لتحريك الشاحنات على الطرق السريعة بالكهرباء مثل القطارات.

الهدف بطبيعة الحال هو حل مشكلة الزحام على الطرقات، تقليل حوادث الطرق الناجمة عن حركة الشاحنات، وتقليل الأضرار على البيئة إلى الحد الأدنى.. فعدد السيارات في ألمانيا يتزايد، ويقترب من معدل سيارتين لكل عائلة، ويزداد معها عدد الشاحنات التي تتولى نقل البضائع بين المدن وبين دول الاتحاد الأوروبي.

وتشير معطيات دائرة الإحصاء المركزية إلى أن «أساطيل» نقل البضائع بالشاحنات ارتفع بنسبة 6.5 في المائة عما كان عليه قبل سنة فقط. وهذا يعني أن إجمالي النقل في الشاحنات على الطرق السريعة الألمانية، بلغ 4.3 مليار طن من البضائع، وهو ما يشكل أكثر من 70 في المائة من عموم حركة النقل، بما في ذلك النقل بالقطارات والنقل النهري والجوي. ويتوقع خبراء دائرة الإحصاء أن يرتفع النقل بالشاحنات إلى الضعف حتى عام 2050 ويرتفع معه انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى 120 مليون طن (67.5 مليون طن عام 2008).

والنظام المقترح بسيط جدا لأنه لا يقترح إجراء أي تغييرات بنيوية على شبكة الطرق السريعة (الأوتوبان)، وإنما تخصيص الخط الأيمن من كل طريق للشاحنات وربط الأخيرة بأسلاك كهربائية معلقة تمتد بين أعمدة عالية تنصب على الجهة نفسها. وذكرت مصادر شركة «سيمنز» أن العلماء يعملون منذ سنتين على مشروع «إينوبا Enuba» الذي يسعى إلى «كهربة» شاحنات النقل على الأوتوبان.

تجري تجربة النظام الجديد في مدينة «غروس دولن»، التي تقع على بعد 120 كلم إلى الشمال من برلين، بالقرب من مطار تيمبلن العسكري السابق في جمهورية ألمانيا الشرقية. ويجري العمل هناك على «كهربة» شاحنتين مزودتين بمحركين هجينين (كهربائي وآخر ديزل) على قطعة من الطريق الإلكتروني السريع «e - Autobahn».

وذكر رولاند ايدل، مسؤول قسم مشاريع الطرق في «سيمنز»، أن التجارب ناجحة. وفضلا عن النجاح التقني في المشروع، فقد قدمت الشركة أول مشروع بيئي واقتصادي نوعي، يقتصد في انبعاث الغازات الضارة بالبيئة، وفي تكلفة النقل أيضا.

لا ينطلق محرك الديزل غالبا إلا عند السير بسرعة كبيرة، وهذا سيكون متعذرا لأن سرعة الشاحنات على الأوتوبانات محددة، أو عند حصول خلل ما؛ ولهذا فإن الشاحنات ستتحرك إلكترونيا بالكامل، وهو ما يعد بخفض نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر تقريبا. هذا يبشر بتحقيق خطط الحكومة الألمانية البيئية الداعية إلى خفض انبعاث الغاز من الشاحنات إلى 10 أطنان حتى عام 2050.

ومشروع الأوتوبان الكهربائي عمل على نظام يتيح تحويل للشاحنات غير المزودة بمحركات هجينة، الاستفادة من المشروع. وقال هولجر سومر، رئيس مشروع e – Autobahn، إن النظام يمكن أن يشمل الشاحنات القديمة أيضا، كما يمكن للشاحنة، عند حصول انقطاع كهربائي، السير بشكل اعتيادي بمساعدة المحرك الكهربائي.

وزود المهندسون النظام ببرنامج يتعرف على حالة السير، كما هي الحال عند تجاوز شاحنة أخرى، فيقود السيارة إلكترونيا دون مزيد من الصرف الكهربائي. ويمكن للشاحنة أن تنتقل من السير بواسطة الأسلاك المعلقة إلى السير بقوة المحرك الكهربائي دون أن يشعر سائق الشاحنة نفسه بذلك. وعندما يفرمل سائق الشاحنة فجأة فهناك تعشيقة إلكترونية دائرية تعيد زرق الشحنة الكهربائية الضائعة عند الفرملة في الأسلاك الكهربائية المعلقة.

ويعترف رولاند ايدل بأن فكرة تحريك العربات بواسطة الأسلاك المعلقة ليست جديدة، لأنها مستخدمة بكثرة، وخصوصا في مدن أوروبية شرقية، لتحريك شاحنات نقل الركاب (أومني بوس) داخل المدن، لكن النظام الجديد «إينوبا» مخصص لخارج المدن وسرعات أكبر وشاحنات أثقل.

يقدر ايدل تكلفة كهربة الكيلومتر الواحد من شبكة الطرقات السريعة، تنفيذا لمشروع «إينوبا»، بنحو 1.1 - 2.5 مليون يورو. وهذا يعني أن كهربة الجهة اليمنى من الطرق السريعة التسعة الأولى سيرفع الكلفة إلى 15 مليار يورو (6000 كلم)، لكن شركة «سيمنز» تعتقد أن الاقتصاد بتكلفة النقل، وتقليل الضرر على البيئة، سيجعلان من هذا الرقم ضئيلا في المستقبل، مع وجود إمكانية لأن ترتفع الكلفة أكثر.

على أي حال تبدو وزارة البيئة الألمانية مقتنعة مبدئيا بمشروع «إينوبا»، وخطط وتحويل الجهات اليمنى من الأوتوبانات إلى أوتوبانات كهربائية. وسبق للوزارة أن ساهمت بمشروع «إينوبا» بمبلغ مليوني يورو، بين عامي 2010-2011، في مسعاها لتقليل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون على الطرق. يؤيد المشروع أيضا «المجلس الاتحادي للنقل واللوجيستيك والتدوير» التابع لوزارة النقل، خصوصا أن «سيمنز» وضعت خطة كاملة لتدوير أو التخلص من الأعمدة الكهربائية عند انتفاء الحاجة إلى مثل هذه الأوتوبانات الكهربائية. ويبدو أن الجميع مقتنعون بأن زمنا كافيا سيمر قبل أن يحرك التقنيون الشاحنات الضخمة بالكامل بواسطة محركات كهربائية.

الخطة المقبلة أمام «سيمنز»، في حالة إقرار المشروع من قبل الحكومة الألمانية، هو التحول إلى إنتاج السوق من المحركات الكهربائية والأنظمة والأعمدة والأسلاك التي تشكل العمود الفقري لمشروع «إينوبا».