التونسية: حرارة مرتفعة وازدحام شديد وأسعار مناسبة في رمضان

الحكومة خصصت 14 مليون دينار لصالح 14 ألف مواطن سينتفعون بموائد الإفطار

داخل سوق الخضر والغلال
TT

وقف الطاهر طويلا أمام أحد المحلات الكبرى لبيع المواد الغذائية (السوبر ماركت) ينتظر عربة فارغة، حتى يدخل للتبضع لشهر رمضان المبارك. وفي داخل المتجر كان المشهد كما لو أن الحرب قامت والناس في عجلة من أمرهم لاقتناء وتخزين ما يحتاجونه. عربات تنوء بما حملت من مواد غذائية متوفرة في سائر الأيام بكثرة، وازدحام شديد أمام أماكن الدفع حتى صرخت موظفة الصندوق «من لا يستطيع الانتظار فليخرج فورا». وعلى الرغم من تلك الاستفزازات ظل الجميع سامدين وصامدين في أماكنهم.

لم يجد الطاهر سببا مقنعا لكل هذه اللهفة على الشراء في رمضان، حيث قال «لا أعرف بالضبط.. تعودنا على ذلك، وربما يريد الجميع أن يشتروا البضائع الرئيسية التي يحتاجونها في رمضان مرة واحدة».

في أسواق الخضر، تم بيع جميع المواد الكاسدة، وقد شاهدت «الشرق الأوسط» في اليوم الأول من رمضان امرأة تقتني بقايا فلفل أخضر مشوب بالحمرة لأنها وصلت متأخرة، وكان التونسيون ينفرون من هذه النوعية في سائر الأيام. وقالت «اشتريت ما يكفيني لهذا لإفطار هذا اليوم، ولم أجد سوى هذا». وانتقدت بشدة من يكدسون المواد في رمضان، قائلة «لو أن كل شخص اشترى حاجته لإفطاره لما حصلت هذه المشكلة، ولكن الناس تأكل بعينيها». قالت ذلك وهي منصرفة تحوقل وتطلب اللطف.

محلات الجزارة التي كانت تصطاد الزبائن، وتخفض في الأسعار في ظل المنافسة الشديدة بين الجزارين أصبحت عامرة طوال اليوم رغم شدة الحرارة التي عرفت أرقاما قياسية هذا العام. وقال أحد الزبائن «لم يكن هناك طوابير أمام باعة اللحوم قبل حلول شهر رمضان، ولكن الناس يريدون لحما طازجا عكس سائر الأيام، حيث يمكن وضع اللحم في الطابق العلوي من الثلاجة وتقسيطه حسب الحاجة».

أسواق السمك وحدها التي شذت عن القاعدة، إلى جانب بعض المنفلتين في الأسواق الأخرى. إذ إن أسعار الصباح الباكر تختلف عن أسعار الضحى وأسعار الضحى تختلف عن أسعار الظهر، وأنواع السمك الجيدة تصل إلى حد العشرين دينارا والبعض الآخر يصل إلى 5 دنانير، أي ضعف الأسعار في الأيام التي سبقت رمضان، ويشمل ذلك بعض الخضار كالبقدونس. ويتساءل أحد الزبائن «لماذا يتم رفع الأسعار في رمضان رغم أن الكميات المباعة وبالتالي الأرباح أكثر منها في الأيام العادية».

هذا الوضع الذي يعطي انطباعا للمراقب بأن التونسيين في بحبوحة من العيش، ومقدرتهم الشرائية عالية جدا، يخفي وضعا اجتماعيا صعبا للعائلات المعوزة التي لا يشاهدها المرء في طوابير الزحام الشديد. وقد خصصت الحكومة مبلغ 14 مليون دينار لصالح 14 ألف مواطن سينتفعون بموائد الإفطار، إضافة لتوزيع سلال غذائية على المحتاجين أو ما يطلق عليها في تونس «قفة رمضان» وقد حظيت 12 أسرة بسلة رمضان، حيث تبلغ قيمة المصروفات في القفة الـ60 دينارا، إضافة لـ14 مليون دينار لفائدة الأسر الفقيرة ستخصص للعودة المدرسية وتشمل 330 ألف طالب ابتدائي وثانوي و44 ألف طالب جامعي، أي بقيمة 30 دينارا لكل طالب ابتدائي وإعدادي وثانوي و100 دينار لكل طالب جامعي.

أمر آخر يلمسه الناس في رمضان هذا العام، وهو عدم وجود سلعة مفقودة كما استقر عليه الأمر في السنوات الماضية، مما جعل الحكومات السابقة تبرر ذلك بالقول «رمضان للعبادة وليس للأكل». وكانت وزارة التجارة قد وضعت كميات هائلة من المواد الغذائية على ذمة أصحاب المحلات والمستهلكين ومن ذلك 50 مليون لتر من الحليب و45 مليون بيضة مع العلم بأن إنتاج تونس من البيض يزيد على 140 مليون بيضة خلال الشهر الحالي، و19 ألف طن من البطاطا، و19 ألف طن من التمور.

وقال صاحب محل لبيع المواد الغذائية يدعى حسين العباسي «زاد الطلب فزادت الأسعار وفقا لقانون السوق رغم وضع الحكومة أسعارا ملزمة للمواد الغذائية. ومن ذلك تحديد سعر البطاطا بـ750 مليم (الدينار يساوي ألف مليم أي نصف يورو تقريبا) والتمر (الدقلة) بـ4600 مليم والليمون بدينارين، واللحوم الحمراء (أبقار) بـ14.500 (أربعة عشر دينارا وخمسمائة مليم) ولحم مع العظم بـ10 دنانير ولحم الخروف بـ14.800 (أربعة عشر دينارا وثمانمائة مليم) والدجاج بـ4.900 (أربعة دنانير وتسعمائة مليم) والديك الرومي بـ8.500 (ثمانية دنانير و500 مليم)».

الحكومة من جهتها أبدت حزما هذا العام في مراقبة الأسعار، وهناك أعوان يقومون بزيارة الأسواق يوميا دون أن يعرفهم أحد. وقد دشن هذه العملية وزيرا الصحة والفلاحة عبد اللطيف المكي، ومحمد بن سالم من خلال جولات ميدانية على الأسواق اطمأنا فيها على مدى احترام التجار للأسعار، حيث نفيا وجود غلاء في الأسعار وأكدا أنها مستقرة. وكانت اللجنة الوطنية للتحكم في الأسعار التابعة لوزارة التجارة قد أكدت أن «الأسعار تحافظ على استقرارها خلال شهر رمضان، وأن جميع المنتجات متوفرة والأسعار لن تعرف أي ارتفاع. وقد زاد من نجاح هذه الخطة تنظيم عمليات بيع مباشرة بين المنتج (الفلاح) والمستهلك مباشرة وذلك في جميع مناطق البلاد».