لندن العاصمة التي لا ترفض أحدا.. ترحب بالعالم وتتحدث 300 لغة

مقيم واحد على الأقل لأي من الدول الـ203 المشاركة بالألعاب الأولمبية

العاصمة البريطانية لندن ترحب بالعالم في الألعاب الأولمبية (أ.ب)
TT

عندما يصل الأمر إلى «تسويق» لندن، فإن عوامل التفوق لا يوجد أكثر منها.. فالعاصمة البريطانية، وفقا لمجلس لندن الأعلى، هي ببساطة «أفضل مدينة كبيرة في العالم».

إنها موهبة خاصة في الترويج للذات، والتي تقف أحيانا على شفا المبالغة التي تقترب من السخرية من الذات. وهو ما يتم إرجاعه دوما إلى الكاتب صمويل جونسون، وهو أحد كتاب القرن الثامن عشر الذي قال «عندما يسأم المرء لندن، فإنه يكون سئم الحياة كلها».

ولكن ما يمكن للعاصمة البريطانية أن تزعمه بكل ثقة هو أنها لديها مقيم واحد على الأقل من كل الدول الـ203 التي تشارك في دورة الألعاب الأولمبية «لندن 2012» نهاية هذا الشهر. ومع وصول تعدادها السكاني إلى 8 ملايين نسمة، يعيش في لندن مجموعة متنوعة من الثقافات والشعوب حيث يتحدث الناس بـ300 لغة مختلفة داخل حدود العاصمة البريطانية. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر خمس جنسيات أجنبية انتشارا في لندن هي البولندية والهندية والآيرلندية والفرنسية والنيجيرية. ويقول الكاتب المعاصر بيتر أكرويد في كتابه الشهير عن تاريخ لندن تعليقا على المدينة «إن لندن لا ترفض أحدا». ومع قدرتها على اجتذاب المال، تظل لندن ملاذا للكثيرين. وصرح بيرباريم راما، وهو مهندس معماري متدرب من كوسوفو، لصحيفة «تايمز» قائلا: «إنك على مرتبة متساوية مع الجميع عندما تكون في لندن.. لا أستطيع أن أقول للبريطانيين إنني بريطاني، لكنني أقول لهم إنني لندني وفخور بذلك».

وخلال أولمبياد لندن، سيظهر راما اعتزازه ببلاده عندما ينضم إلى مواطنيه الآخرين من كوسوفو لتشجيع ميليندا كيلمنتي بطلة الجودو في كوسوفو التي تنافس تحت العلم الأولمبي المحايد.

وتقول سوزان فالينسيا، مصففة الشعر الكولومبية التي جاءت مؤخرا إلى العاصمة البريطانية ضمن العديد من الأميركيين اللاتينيين الآخرين من بينهم الكثيرون الذين يعانون آثار الأزمة الاقتصادية في إسبانيا، في حماس كبير: «إن لندن مدينة مذهلة». وتضيف «كولومبيا في دمي ولكن هناك لا يوجد أي احترام. أما هنا فهم يقبلونك كما أنت». ولكن تاميد حسين (17 عاما)، وهو شاب، لا يتفق معها في هذا الرأي. فقد تم سرقة هاتفه الجوال، تحت تهديد السكين، في حافلة بضاحية نيوهام التي يسكن فيها والتي تبعد مسافة قصيرة عن استاد أولمبياد لندن 2012 ومسافة 8 كيلومترات من الأضواء البراقة لقلب المدينة.

وفي نيوهام، وغيرها من المقاطعات اللندنية الواقعة على أطراف المدينة، بذلت الشرطة قصارى جهدها للسيطرة على نشاط عصابات الشباب الذين كان شعورهم بالملل والاستياء والعزلة هو المسؤول الأساسي وراء أعمال الشغب التي أشعلتها الجرائم لتجتاح لندن في أغسطس (آب) من العام الماضي. وما زالت محاكمات جرائم النهب والحرق العمد والسرقة التي اجتاحت أجزاء كبيرة من لندن لمدة خمسة أيام مستمرة، بينما صدرت أحكام رادعة بحق بعض المتهمين. ووعد المدعي العام في لندن بإجراء «محاكمات عاجلة» في حال ظهور أي اضطرابات خلال الأولمبياد.

وقال أحد المعلقين على جهود السلطات الإنجليزية لتجنب مواجهة أي أعمال عنف جديدة: «السؤال هو: هل ستتمكن لندن من المحافظة على وضعها الأمني مع مراقبة العالم لها؟». بينما قال كريس أليسون مساعد مفوض شرطة العاصمة والمسؤول عن شرطة الأولمبياد «إننا نتأكد من حيازتنا للمصادر الكافية للقضاء على أي شيء في المهد».

وفي اعتراف صريح بدرجة مفاجئة، أوضح وزير التعليم المحافظ مايكل جوف مؤخرا أن بعض «أكثر المشاكل عمقا» في المجتمع البريطاني يرجع سببها إلى «عدم التكافؤ الشديد» في نظام التعليم في البلاد.

وقال جوف «من يولدون فقراء فمن الأرجح أن يظلوا فقراء، أما من يرثون أي أفضلية فمن المرجح أن ينقلوا هذه الأفضلية لمن بعدهم في إنجلترا أكثر من أي دولة أخرى»، داعيا لتطبيق تغيير شامل.

وعلى الرغم من أنها مدينة تعج بالمتناقضات الاجتماعية، تظل لندن مرتعا للاختيارات بالنسبة للأغنياء.. ففي العاصمة البريطانية تصل نسبة الأجانب الذين يشترون الممتلكات الكبيرة إلى 85 في المائة مقارنة بـ50 في المائة في نيويورك. وتأتي غالبية المشترين الأجانب لممتلكات تزيد قيمتها على 10 ملايين جنيه إسترليني (6.‏15 مليون دولار) من روسيا وآسيا والشرق الأوسط، ثم من اليونان وإيطاليا وأخيرا من فرنسا. ويتردد أن المليارديرات ينجذبون لخصوصية لندن وأسلوب الحياة المريح وحرية التصرف، وتقول صحيفة «تايمز»: «بشكل عام لا يأتي أجانب لندن الأثرياء إلى هنا من أجل الطقس أو الطوابير أو أعمال الشغب أو تنس الطاولة الأولمبي.. إنهم لا يأتون لمشاهدة العرض، بل على الأحرى لتجنب مشاهدته».

من ناحية أخرى، ظهرت القرية الأولمبية بلندن وأصبح سكان ستراتفورد يتطلعون إلى قطعة من الكعكة الكبيرة.. حيث تنظر جانيت دونر، التي تدير فندق «ريلواي تافرن» على سبيل المثال إلى هذا الأولمبياد على أنه النعيم بعينه، فعلى مدار السنوات الخمس الماضية كانت جميع الغرف لديها محجوزة دائما عن طريق عمال الموقع الأولمبي. أما الآن فجميع غرف الفندق محجوزة للزوار الأولمبيين.

وقالت دونر لوكالة الأنباء الألمانية: «لا يمكنني الاعتراض.. فقد حظيت بخمسة أعوام مزدهرة حقا.. لقد أدخل الأولمبياد تغييرا كبيرا على ستراتفورد التي نعرفها».