أعمالها التشكيلية كانت حلما بالثورة

الفنانة التونسية ليلى العلاقي لـ «الشرق الأوسط»: لم يعد للفن سوق رغم كثرة المعروض

ليلى العلاقي حولت نفسها إلى لوحة من شدة عشقها ومكانس يدوية تعبيرا عن قوة الثورة وكنس السلطة وثوب السلطة أثناء الثورة رسمته في 2007
TT

الرسامة ليلى العلاقي أستاذة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس العاصمة، بدأت الرسم كهواية منذ الصغر، وبدأت التدرب على الرسم في الثمانينات بدار الثقافة بالقيروان، على يد حمادي السكيكي. وهي الرسامة الأولى في أسرتها التي عرف بعض أفرادها بالنقد الأدبي، ومن ذلك الرواية والشعر. وقد اختارت الرسم بموجب الميول والحاجة. وهي كما قالت لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معها: «لا يختار المرء مدرسته وإنما المدرسة تتشكل حسب ذوق وحاجة كل فنان الفكرية والفلسفية».

وحول العلاقة مع اللوحة وما إذا كانت الفكرة سابقة للرسم، بمعنى التفكير في ملامح اللوحة قبل البدء بالرسم، أو أن الريشة هي التي تقود التفكير لسمات اللوحة قالت: «الفكرة ليست واحدة، الفنان يعيش عدة أفكار في نفس الوقت، قد تكون بعض الأفكار مخزنة في الذاكرة، وقد تكون منقولا نحمله معنا، وقد يكون شيئا ولد فينا ويكبر معنا، ولكن تجسيد الأفكار هي المرحلة الأصعب» وتتابع: «لا بد من وجود قيم جمالية تحكم عملية تنزيل الأفكار في اللوحة، وهنا لا بد من تمكن الفنان من التقنية التي تصدى للخطابة عن طريقها أو توصيل خطابه الفني من خلالها. فإذا لم يتمكن من ذلك لا يستطيع توصيل الفكرة التي يريد تبليغها».

يغلب على لوحات ليلى العلاقي الخطاب الإيحائي، فيما يختفي إلى حد كبير النطق المباشر للوحات، كما تعكس هذه اللوحات شخصية تؤمن في الغالب بنظرية الأبيض والأسود، وهو ما يلاحظه المرء بسهولة في أغلب لوحات معرضها بقاعة الحليوي بدار الثقافة أسد بن فرات، وإن كان هناك مساحة للألوان الزاهية أيضا، وكان ذلك مدعاة لسؤالها عن ذلك: «هذا صحيح، وهذه ملاحظة طيبة (يعطك الصحة) الإيحاء موجود بقطع النظر عن وجوده في أشكال بسيطة وقطع صغيرة نتعامل معها يوميا، المقص، والمساك، والمسمار، والكلاب (بضم الكاف ونصب اللام وتشديدها) وهذه الأشياء الصغيرة تعني أشياء أخرى في اللوحة وهي موجودة كصفة وليس كذات أو آلة كما هي في حياتنا، أي صارت هذه الأشياء موضوعا فنيا وحسب. وفي نفس الوقت هناك إيحاء داخلي على اللوحة نفسها».

من السمات الموضوعية لمشاهد لوحات ليلى العلاقي، رسمها على اللون الأبيض، مما يدل على أن أغلب تجاربها الفنية، أو الحياتية المجسدة على اللوحات، أو حتى نظرتها السياسية الفلسفية الفنية تعاملت مع واقع بكر إلى حد بعيد، ولم تبن على أشياء مكررة كذلك الثوب الأبيض في إحدى لوحاتها والذي تجوبه المقصات كما لو كانت في حرب معه: «اللون الأبيض هو موطن الإيحاء.. العمل الفني له حضوره وله معاييره وله كلمته، واللون الأبيض يعطي آفاقا رحبة للمفاجآت بما يطرأ من أفكار جديدة أثناء الرسم قبل اكتمال الفكرة السابقة التي على أساسها جلس الرسام إلى لوحته وباشر الرسم فيتغير المسار الفني».

يؤدي المخزون دورا مهما في تشكيل الصورة المرسومة عند ليلى العلاقي، فالمشاهد والأحداث التي يمر بها الفنان تبقى عالقة في الأذهان: «المشاهد المخزنة في اللاشعور كثيرا ما أجدها حاضرة عند الجلوس إلى اللوحة، وأحيانا أقوم من نومي لأكمل اللوحة».. لم تجب العلاقي على الفترة التي تستغرقها اللوحة، فالرسم لديها لا يخضع لدراسة أو وقت خلاف ما يعرف عن القطع الفنية الأخرى كالسجاد في الصناعات التقليدية: «اللوحة الفنية ليس لديها مقياس زمني.. أحيانا أبدأ الرسم ثم أترك اللوحة وأنساها وقد أعثر عليها بعد سنوات فأكملها أو أتركها على حالها».

لا تميل ليلى العلاقي، لترك انطباعات الزوار تفسر اللوحات وتغور في أسرارها، أو جعلها ملكا للمشاهدين يفسرونها كما يحلو لهم بحكم أن المعنى في بطن الشاعر، كما يقولون، ولكنها لا تقوم بشرح للوحاتها الغارقة في الرمزية: «بعض الفنانين يقول: إن لا وعيه هو الذي رسم أو تكلم، بيد أن هذا ليس خاصا بالفنان فقط.. أنا ضد الفنان الذي يقول ليس لدي ما أقوله لك، لكن ليس عليه أن يشرح الأوضاع النفسية والصحية والاجتماعية التي مر بها والتي ولدت اللوحة أو مجموعة اللوحات المعروضة، كما أن اللوحات ليست جميعها نتيجة تفاعلات نفسية خاصة».

وعودة للأبيض والأسود في أعمال الفنانة العلاقي، وما إذا كان ذلك يتسق مع مقولة لبيكاسو، لا ترى في الألوان شيئا هاما في الرسم، وهو ما انتقده فنانون معاصرون ولاحقون لبيكاسو حيث كان يتحدث عن فلسفة الرسم وكانوا خلافه مشدودين لبعده الجمالي، وقد وجدنا العلاقي مع مذهب بيكاسو الفلسفي: «يشدني الأبيض والأسود، والورقة والقلم، وإيجاد الفارق في تفاصيل صغيرة.. وعندما رسمت بالألوان شعرت كما لو خنت نفسي».

بخصوص الفن والثورة، تؤكد العلاقي أن جميع لوحاتها كانت حلما بالثورة التي حدثت في الفترة ما بين 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 و14 يناير (كانون الثاني) 2011. لكنها تشعر بأن سوق الفن بدأ ينفض، مقابل تضخم عدد الفنانين في كل ميدان، فكثير من زوار المعرض يقدمون أنفسهم كشعراء.

ولا تخفي ليلى العلاقي تناسخ الإيحاءات الفنية بين فنان وآخر «زار المعرض أحد الزملاء، وكشف عن إيحاءات لمسها في بعض اللوحات فقلت له صورها وعندما تنتهي من رسم لوحتك أعرضها علي لاستلهم منها إيحاءاتي الخاصة.. العمل الفني له الكثير من القراءات ويخضع لرؤى متعددة، فالوعي هو المعرفة وهو الذي يعطي للمشاهد أبعاده الخاصة والجمعية فنية كانت أو فلسفية».