تونس.. «مطمور روما» وعلاقة تاريخية مع الخبز

يوجد 22 نوعا منه في البلاد

خلال شهر رمضان قد تجد ثلاثة أصناف أو أكثر فوق طاولة الإفطار بعضها تونسي والبعض الآخر أوروبي الأصول
TT

لا يكاد يخلو بيت تونسي خلال كامل السنة من أصناف من الخبز، يقبل عليها أفراد العائلة، وتتفنن مخابز تونسية في صناعتها وإنضاجها، وإضافة بهارات لها حتى تمتع المستهلك وتجذب انتباهه. وللتونسيين علاقة طويلة بأصناف من الخبز، وتشمل القائمة قرابة 22 نوعا من الخبز لا يتوانى التونسي عن الإقبال عليها بكثرة ملحوظة خلال شهر الصيام. ومن بين تلك الأنواع «الخبز المبسس» و«خبز الميزان» و«خبز القمح» و«خبز الشعير» و«خبز الدرع» إلى جانب «خبز الفطير» و«خبز المطبقة». وتضاف بعض النباتات العطرية لبعض الأصناف من الخبز فتجعل منها غذاء جيد المذاق، وذلك على غرار «خبز القمح» بالإكليل والزعتر والقرفة والبسباس.

وللتونسيين علاقة تاريخية ممتدة مع الخبز؛ لذلك يربطون بين العمل والخبز بالقول: «نخدم على الخبزة»، وفي تاريخهم ثورة اجتماعية عنيفة سنة 1984 إثر مضاعفة نظام الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة أسعار الخبز. كل ذلك جعل من الخبز مادة غذائية لها تاريخ طويل ومؤثر في حياة التونسيين.

وخلال شهر رمضان قد تجد ثلاثة أصناف أو أكثر فوق طاولة الإفطار، بعضها تونسي والبعض الآخر أوروبي الأصول، وكل فرد من أفراد العائلة يكون قد جلب خبزه المفضل، فالبعض من العائلات التونسية ترجع إلى عاداتها الأولى وتقبل على «الخبز العربي» المصنوع في «القوجة» وهي مصنوعة من الفخار التقليدي، وهي دائرية الشكل ويتم إنضاج الخبز بداخلها بعد تسخينها جيدا بمادة الحطب، وتوجد في الأرياف التونسية على وجه الخصوص. وقد لا يجد هذا الخبز منافسة كبيرة من الخبز المصنوع بطريقة عصرية في الأفران الكهربائية خاصة خلال شهر رمضان، إلا أن البعض الآخر يضيف إلى جانب الخبز العربي «الخبز المبسس» و«خبز البانات» و«خبز النخالة»، ويكتشف آخرون وجود «الخبز القمحي الأسمر» و«الخبز الكامل المكونات» بما في ذلك «النخالة»، وفي الحصيلة تجد فوق طاولة الإفطار تشكيلة منوعة من الخبز الذي قد لا يتم استهلاكه كله، ويكون مصير البعض منه سلة المهملات.

وفي هذا السياق يقول محمد بوعنان، رئيس الغرفة التونسية لأصحاب المخابز، «إن كميات الخبز غير المستهلكة التي يسميها التونسيون (الخبز البايت) تكلف الدولة التونسية سنويا قرابة 30 مليون دينار تونسي (قرابة 15 مليون دولار أميركي) وتباع معظم تلك الكميات من الخبز كعلف للحيوانات، وذلك بحساب ستة دنانير تونسية لكل مائة خبزة، أي أن الخبزة الواحدة لا يزيد سعرها على ستين مليما، والحال أن سعرها عند البيع للاستهلاك الآدمي لا يقل عن ربع دينار تونسي (الدولار الأميركي يساوي 1.4 دينار تونسي) ويتمتع الخبز وبعض المواد الاستهلاكية الأخرى بالدعم الحكومي الذي يذهب هباء بسبب غياب الثقافة الاستهلاكية». ويقدر بوعنان كمية الخبز التي يقتنيها التونسيون ولا يستهلكونها خلال شهر رمضان بنحو 13 ألف خبزة على المستوى الوطني. ويتوقع بوعنان أن تكون كمية الفواضل من الخبز وحده خلال شهر رمضان في حدود 390 ألف خبزة، إذا اعتبرنا أن فواضل كل مخبزة من بين نحو ثلاثة آلاف مخبزة تنشط في البلاد، مقدرة بـ50 خبزة يوميا.

والمتجول في الأسواق التونسية يكتشف عالم الخبز، ويعيد التونسيون أنفسهم علاقتهم بالخبز، فهي معروضة في كل الأنهج والفضاءات التجارية بطريقة مغرية وبأشكال تجلب الانتباه فيقل طول البعض منها وسمنته، ليتحول الأمر إلى أشكال بديعة بعضها منحن والبعض الآخر ذو أشكال دائرية. وتلاقي المخابز العصرية على الرغم من تعودها على ابتكار أنواع مختلفة من الخبز في رمضان، منافسة حادة من قبل ربات البيوت والمطاعم ومحلات المرطبات.

ويرى فتحي بن عرفة، العامل المتخصص في عجن الخبز منذ 13 سنة بأحد مخابز حي الغزالة القريب من العاصمة التونسية، أن شراهة التونسيين للخبز لا تكاد تضاهيها أي شراهة فالمقبلون على المخابز يتفننون في التعامل مع الخبز ولا يتوانون عن صرف أموال إضافية من أجلها، بالنظر إلى أن بعض أنواع الخبز لا تخضع للتسعيرة الحكومية، ولا يشتكي التونسيون من ذلك ولكنهم يثورون على صاحب المخبزة في الأيام العادية إذا ما تغافل عن إرجاع بعض المليمات القليلة، ويدفعون ضعف تسعيرة الحكومة للخبز الموجه لشهر الصيام.

والغريب في الأمر أن التونسيين يستهلكون الخبز بصفة كبيرة وقد تكون مجانية في بعض الحالات، فهم يأكلون الخبز مع الكسكسي وكذلك مع العجين الغذائي، ولا يقل معدل استهلاك العائلة الواحدة في اليوم عن خبزة أو اثنين لكل فرد من أفرادها، وهذا معدل قياسي كما يشير إلى ذلك نور الدين أبو مسعد الاختصاصي الغذائي التونسي. ويضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن التونسيين تعودوا مثل هذا النمط الغذائي وهذا خطأ من الناحية الغذائية ولكنه الأقل تكلفة بالنسبة للعائلة الوفيرة الأفراد؛ فالخبز هو المادة القليلة الكلفة التي بإمكانها ملء المعدة. ويرى أبو مسعد أن العلاقة التي تربط التونسيين بالخبز علاقة قديمة جدا ترجع إلى عهود رومانية قديمة فتونس كانت تلقب بـ«مطمور روما» في إشارة إلى أهمية إنتاجها من القمح، المادة الأساسية لصناعة الخبز.