الاتهامات تحاصر التلفزيون المصري.. والمسؤولون يؤكدون التزامهم تجاه الجمهور

رفض مسلسلات خوفا من غضب «الإخوان» وحذف مشاهد واستبعد «كاريوكا» لأنها راقصة

مشهد من مسلسل «ناجي عطا الله»
TT

رغم روح الاستنارة التي بدأت تسري في الكثير من برامجه السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، فإن التلفزيون المصري، شأنه شان أي مؤسسة أخرى في الدولة، لا يزال وفيا لميراث سنين طويلة من التبعية للتيار الحاكم، فما إن تم إعلان النتيجة الرسمية بفوز محمد مرسي مرشح «الإخوان المسلمين» بمنصب رئيس الجمهورية، حتى تفنن المسؤولون بالتلفزيون في الإعلان عن انحيازهم لمن في يده السلطة ومقاليد الأمور وعملهم بمبدأ «عاش الملك مات الملك». ومع مقدم شهر رمضان حاصرت ماسبيرو اتهامات برفض عرض أعمال درامية تلفزيونية بحجة أنها تعارض أفكار وسياسات جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يثير حالة من الخوف في الأوساط الفنية.

بدأت الأزمة مع ما أثاره الكاتب محمد الغيطي، مؤلف مسلسل «البحر والعطشانة»، الذي أكد أن التلفزيون المصري رفض عرض مسلسله الذي تقوم ببطولته النجمة اللبنانية رولا سعد وأحمد فهمي ومحمود قابيل، وأنه فوجئ بقرار لجنة المشاهدة في اتحاد الإذاعة والتلفزيون برفض عرض العمل. وصرح الغيطي لـ«الشرق الأوسط» بأنه علم أن قرار الرفض يأتي بسبب خوف الرقباء في التلفزيون من أن يثير العمل غضب جماعة الإخوان المسلمين، لأنه يتضمن شخصية شيخ متطرف يجسد دوره محمود قابيل، يقوم باستغلال الدين لتحقيق مصالح شخصية. وأضاف الغيطي أنه تعجب من قرار المنع، لأن التلفزيون كان بدأ بالفعل عرض «برومو» المسلسل تمهيدا لعرضه على قناتي «نايل لايف» و«نايل دراما»، خصوصا أن التلفزيون يشارك في إنتاج العمل بنسبة نحو 50 في المائة من قيمة تكلفته، وأن اللجنة تخيلت أن العمل يهاجم «الإخوان».

وأشار الغيطي إلى أن المسلسل لا يتطرق إلى «الإخوان المسلمين» من قريب أو بعيد ولا السلفيين أيضا، لكن أحداثه تدور في الفترة ما قبل ثورة 25 يناير، ويتناول زواج السلطة برأس المال، مما يجعل الفساد ينتشر في مختلف المجالات، كما أنه يتطرق إلى تزوير الانتخابات في عام 2010 حتى تقوم الثورة، لكن لجنة الرقابة في التلفزيون رأت أن العمل يهاجم «الإخوان»، وفضلت عدم مهاجمة الجماعة في الوقت الحالي. وتعجب الغيطي من القرار قائلا «إننا في حكم النظام السابق كنا نرى أعمالا على التلفزيون المصري تكشف الفساد وتهاجم رموزه»، متسائلا «كيف يتم رفض عمل فني بعد ثورة يناير التي قامت من أجل الحرية؟!».

وبعد تلك الأزمة أصدرت جمعية مؤلفي الدراما العربية بيانا تستنكر فيه ما تعرض له المسلسل «من عدم العرض بادعاء أنه يتعرض لشخصية دينية يجسدها الفنان محمود قابيل ومجرد عرضها سيستفز حكم (الإخوان) أو السلفيين، حيث قالت الجمعية في بيانها إنها فوجئت بمنع عرض المسلسل رغم الإعلان عنه على الشاشة وفى الصحف». وقال رئيس الجمعية محفوظ عبد الرحمن إنهم حاولوا أن يعرفوا أسباب المنع من الجهات الرسمية، لكن لم يفسر لهم أي مسؤول أسباب هذا المنع «وكأننا قد عدنا إلى زمن قمع الحريات ومنع حرية التعبير الذي طالما عانى منه الكتاب والمؤلفون قبل الثورة»، حسب قوله. وناشدت الجمعية المبدعين والمؤمنين بحرية الرأي الوقوف معا ضد هذه الهجمة الشرسة التي تهدد الإبداع المصري والثقافة والدراما وكل أشكال الفنون التي هي هوية مصر وقوتها الناعمة.

و«البحر والعطشانة» بطولة أحمد فهمي ورولا سعد ومحمود قابيل ورجاء الجداوي وشمس وآمال رمزي وعايدة غنيم ومحمد السماحي ومروة الخطيب ورانيا نجيب وعايدة غنيم ودعاء أحمد والفنان الشاب آدم وإيمان أبو الذهب، وإخراج وائل فهمي عبد الحميد.

كما قرر التلفزيون المصري عدم عرض المسلسل التلفزيوني «كاريوكا» للفنانة وفاء عامر، وتردد أن ذلك يأتي بسبب احتواء المسلسل على الكثير من مشاهد الرقص، وهو ما يتنافى مع روحانيات شهر رمضان وآدابه، حيث يسرد العمل قصة الراقصة الراحلة الشهيرة تحية كاريوكا منذ طفولتها حتى رحيلها، ملقيا الضوء على الكثير من الأحداث السياسية والتاريخية التي شهدتها الفنانة الراحلة، وهو الأمر الذي أثار غضب صناع العمل وعلى رأسهم بطلته وفاء عامر التي دافعت عن المسلسل وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يضم مشاهد خادشة للحياء، وإنها لا ترتدي خلال مشاهده فساتين رقص مثيرة، وإنها لا تفهم قرار مسؤولي التلفزيون برفض عرضه.

وأدى ذلك المنع إلى تساءل صناع العمل حول مدى مغازلة ماسبيرو لجماعة الإخوان المسلمين، وقال منتج العمل محمد العدل إن المسلسل لا يسرد فقط قصة حياة كاريوكا، بل يعرض جزءا من تاريخ مصر، فالفنانة الراحلة كانت مناضلة سياسية ولها دور كبير في التاريخ السياسي المصري، كما كان لها دور كبير في النقابات الفنية. ويشارك في بطولة العمل عزت أبو عوف، وتامر عبد المنعم، ومحمد رمضان وفادية عبد الغني وأحمد رفعت، وحسام الجندي، ومن تأليف فتحي الجندي، وإنتاج شركة «جيت ميديا»، إخراج عمر الشيخ.

يأتي ذلك في الوقت الذي قامت فيه رقابة التلفزيون بحذف مشهد من مسلسل «فرقة ناجي عطا لله» بطولة عادل إمام بحجة أنه يتنافى مع الأخلاق.

ويقول الناقد الفني نادر عدلي لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الواضح جدا لكل المهتمين بالدراما التلفزيونية والمتابعين أيضا لأداء التلفزيون الحكومي أن الرقباء والمسؤولين عن إجازة والتصريح بعرض المسلسلات يتبرعون من تلقاء أنفسهم بإرضاء (الإخوان المسلمين) ورفض الأعمال التي تتعرض لهم حتى ولو لم يكن ذلك بشكل مباشر، لأنهم تعودوا مع الأنظمة الحاكمة على إرضاء الحاكم وتقديم قرابين الولاء له، حتى في حالة عدم وجود تعليمات مباشرة من رئاسة الجمهورية بذلك، لأنه تلفزيون حكومي ويخيل لهم أن وظيفته هي إرضاء الطبقة الحاكمة». لكن مسؤولي التلفزيون يرفضون تلك الاتهامات ويرونها أمرا مبالغا فيه ولا تستند إلى أرض الواقع، حيث نفت نائبة رئيس قطاع التلفزيون، رئيسة لجنة المشاهدة، فاطمة الكسباني كل ذلك، وقالت إنه ليس صحيحا على الإطلاق ما يشاع حول مغازلة التلفزيون للتيار الديني أو الإخوان المسلمين من خلال رفض المسلسلات، موضحة أن هناك لجنة متخصصة أبدت رأيها في الأعمال الدرامية التي شاهدتها واختارت الأنسب منها للتلفزيون المصري، وذلك كله استنادا إلى المستوى الفني للعمل ليس أكثر.

وأضافت الكسباني أنه بخصوص ما يقال حول وجود اعتبارات أخرى لرفض تلك الأعمال فهو أمر ليس صحيحا على الإطلاق، فصعود دور التيار الديني في الحياة السياسية لم يؤثر على رقابة التلفزيون، بل إنه في الأعوام السابقة كانت ترفض أعمال لأنها لا تناسب قيم الشهر الفضيل، وهو أمر معروف ومتعارف عليه للجميع، كما أنه يتم دائما حذف المشاهد التي لا تناسب روحانيات شهر رمضان، وأنهم دائما لديهم التزام تجاه الجمهور.

وقالت الكسباني إن التلفزيون المصري دائما متهم ولن يستطيع أن يرضي جميع الأطراف، وأبدت استغرابها من تلك الحملة على ماسبيرو رغم أنه هذا العام يعرض أعمالا متميزة لنجوم كبار منهم عادل إمام ومسلسله «فرقة ناجي عطا لله» ومحمد سعد ومسلسله «شمس الأنصاري»، كما يعرض مسلسلات «ابن موت» للنجم خالد النبوي، و«سيدنا السيد» للفنان السوري جمال سليمان، ومسلسل «ابن النظام» لهاني رمزي، و«سر علني» لغادة عادل وإياد نصار.