قرية ألمانية نموذجية تنتج 3 أضعاف ما تحتاجه من الطاقة البديلة

القرية تحقق الملايين من بيع الكهرباء

صورة للقرية النموذجية مأخوذة من موقع القرية على الإنترنت
TT

أطلقت وزارة البيئة الألمانية على قرية فيلدبولدزريد (ولاية بافاريا) اسم قرية الطاقة البديلة «النموذجية»، بعد أن نجح سكان القرية البالغ عددهم 2570 نسمة، في العيش منذ سنوات على الطاقة البديلة المنتجة محليا.. إذ تخطت القرية، في إنتاجها للطاقة البديلة، حدود الاكتفاء الذاتي، وصارت تبيع الطاقة الكهربائية الفائضة إلى القرى القريبة.

ومع اقتراب عام 2012 من نهايته تمكنت القرية من رفع إنتاجها من الطاقة إلى ثلاثة أضعاف حاجتها. وهذا ليس كل شيء لأن القرية صارت تحقق الملايين من مبيعات الطاقة وصارت تستثمرها في توسيع رقعتها «البيئية»، وفي الاستثمار في المجالات الأخرى التي تصب في خير القرية البافارية.

وذكر أنجو تزنغرله، عمدة قرية فيلدبولدزريد، أن القرية النموذجية تقتصد كل عام بنحو 240 ألف لتر من الزيت المستخدم عادة في كهربة وتدفئة بيوت ومرافق قرية مماثلة تعيش ظروفا مناخية مماثلة. وأضاف العمدة أن القرية تستخدم 140 محطة ومفاعلا، تعمل بالغاز الطبيعي المنتج محليا، أو بالخلايا الشمسية، كي تفوز بالطاقة البديلة.

بدأ المشروع عام 2006 بعد فوز تزنغرله في الانتخابات المحلية في قرية فيلدبولدزريد. وتم الاتفاق على تحويل القرية بأكملها إلى قرية بيئية نموذجية عن طريق الاقتراع العام. وتغطي الألواح الزرقاء المنتجة للطاقة من الشمس، أي بعد 6 سنوات على انطلاق المشروع، ربع عدد البيوت في القرية، ناهيكم عن معظم المدارس والمباني الحكومية. وعموما يشكل رأسمال أبناء القرية 70 في المائة من إجمالي كلفة الاستثمارات، في حين تكفل مجلس البلدية بالنسبة الباقية.

وفضلا عن توظيف مال القرية في المشاريع فقد شارك نحو 200 من قاطني القرية في مشروع مشترك للاستفادة من تقنية إنتاج الكهرباء بواسطة المراوح الهوائية. ويتألف المشروع من 5 مجمعات من المراوح المتوسطة الحجم التي تزود القرية بكهرباء تصل إلى 12 مليون كيلوواط/ ساعة في السنة. ويسعى المساهمون حاليا لبناء محطتين إضافيتين يمكن أن ترفعا عموم إنتاج القرية من الطاقة البديلة إلى 9 ميغاواط. ويشمل هذا الرقم الطاقة المنتجة من الشمس والريح والمفاعلات البيولوجية ومحطات الاستفادة من حرارة جوف الأرض.

وصف العمدة سكان فيلدبولدزريد بأنهم «مجانين طاقة بديلة»، حينما يتعلق الأمر بالبيئة، لكنهم نجحوا خلال 6 سنوات في التحول من مستهلك طاقة إلى منتج طاقة، وأسسوا شركة مساهمة أطلقوا عليها اسم «شركة الغوير للطاقة» تتولى الإشراف على إنتاج الطاقة وتوزيعها وبيعها.

القرية استحقت جميع الألقاب الممتدة بين «النموذجية» و«المجنونة بالطاقة» وغيرها لأنها توصلت إلى تغطية حاجتها من الطاقة بمختلف الوسائل البديلة، وذلك عام 2012، في حين أن تقديرات الحكومة الألمانية الأولية قد وضعت عام 2020 للتوصل إلى أول بلدة بيئية بالكامل، تنتج الطاقة البديلة وتبيعها. المهم أيضا هو أن نظام توزيع الكهرباء والحرارة (للتدفئة) تم تصميمه محكما من قبل المهندسين، حيث إن الطاقة المهدورة قليلة، كما أن هناك إمكانية لتدوير نسبة كبيرة من المواد الأولية.

وصمم المهندسون مختلف وسائل إنتاج الطاقة البديلة بحيث يمكن الاستفادة منها جميعا مرة واحدة، أو استخدام جزء منها فقط. وهكذا يمكن التحول من الطاقة الشمسية إلى طاقة الرياح، أو العكس في الشتاء أو في الأيام الممطرة. كما يمكن التحول من إنتاج الحرارة بواسطة المفاعلات البيولوجية إلى استخدام حرارة جوف الأرض عند وجود نقص في المواد البيولوجية المستخدمة.

والطاقة التي تستخدمها قرية فيلدبولدزريد ليست بيئية فقط لأنها ذكية أيضا بفضل استخدام نظام الطاقة الذكي «إيرين». وكلمة «إيرين» هي المختصر الألماني لتسمية «دمج الطاقة المتجددة والحركة الكهربائية». وهو نظام ذكي يوازن إرسال الكهرباء مع الحاجة، أي أنه يوازن الطلب على الكهرباء مع الإنتاج، ولا يسمح بهدر الطاقة. كمثل فإن النظام يقلل إرسال الكهرباء في الشبكة مساء حينما يكون الناس نياما، كما يزيد إرسال الطاقة عند تشغيل توربينات سد صغير داخل القرية.. إلخ. والنظام الذكي «إيرين» من إنتاج شركة «سيمنز» المعروفة للطاقة بالتعاون مع شركة «راوث» للطاقة في مدينة آخن.

ومنذ عام 2011 وظفت القرية النموذجية 6 ملايين يورو في برامج بناء الهياكل الارتكازية اللازمة لعمل نظام «إيرين»، وهي برامج لمراقبة الطقس يوميا، بغية تحديد برامج التحول من طاقة بديلة إلى أخرى، ناهيكم عن وضع أجهزة حديثة لمراقبة أوقات ارتفاع استهلاك الكهرباء في كل بيت، وبالتالي برمجة الكهرباء إلى كل بيت حسب الطلب.

في الأشهر الأخيرة دشنت قرية فيلدبولدزريد مشروعا جديدا لاستخدام السيارات الكهربائية 100 في المائة بدلا من السيارات الهجينة الحالية، وهذا سيجعل القرية، عند تزويد كل سكانها بالسيارات الكهربائية، قرية نموذجية في التخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون أيضا. ووضعت القرية 32 سيارة إلكترونية تحت تصرف 32 عائلة تم اختيارها بواسطة القرعة من بين 80 مرشحا. واستخدام السيارات «التجريبية» من قبل السكان سيكون مجانا، ولمدة ثلاثة أشهر. والأهم هو أن بطاريات هذه السيارة جديدة أيضا ومن معيار بيئي غير معهود، فهذه البطاريات تعيد الكهربائية الزائدة إلى الدائرة الكهربائية عندما تشحن بالكامل، وبالتالي فإنها لا تهدر أي كهربائية. هذا يعني أن المواطن قادر على ربط البطارية بالكهرباء والذهاب إلى النوم بهدوء لأن البطارية لن تهدر الكهربائية الموصولة طوال الليل إلى الصباح.

قرية فيلدبولدزريد الصغيرة المجهولة أصبحت شهيرة في ألمانيا اليوم بفضل سكانها «المجانين» بالبيئة. وتم تقسيم القرية «بلوكات»، يتولى بعضها زرع المواد النباتية التي تستخدم في المفاعلات البيولوجية، ويتولى الآخر تشغيل المفاعلات، وتتخصص البلوكات الأخرى في الألواح الشمسية والمراوح الهوائية. وتستخدم المفاعلات البيولوجية كل الفضلات البيولوجية (من النفايات والتواليتات) لإنتاج غاز الميثان، المستخدم في إنتاج الحرارة والكهرباء، بعد مزجها بالنفايات البيولوجية (بقايا أشجار متيبسة وأثاث قديم مثلا). ووصف العمدة أنجو تزنغرله هذه المفاعلات بأنها مثل جوف بقرة كبيرة تجتر المواد النباتية وتفرز الميثان منها بعد هضمها.

يذكر أن الإمارات العربية المتحدة بنت أول مدينة بيئية جديدة بالكامل، لكن وزارة البيئة الألمانية، بالتعاون مع شركات إنتاج الطاقة البديلة، تعمل على تحويل مدينة بوتروب، في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، إلى أول مدينة «قديمة» يجري تحويلها بالكامل إلى مدينة بيئية حديثة، وهي مهمة أعقد وأكثر كلفة بحكم الهياكل الارتكازية القديمة التي تعتمد أساليب الطاقة التقليدية وغير الرؤوفة بالبيئة.