وفاة الشاعر المصري حلمي سالم بعد صراع طويل مع المرض والقوافي

رئيس تحرير «أدب ونقد» ترك «شرفة ليلى مراد» وواجه السرطان بالقصائد

الشاعر المصري حلمي سالم
TT

توفي الشاعر المصري حلمي سالم، أمس، عن عمر يناهز 61 عاما، بعد صراع مع أمراض الفشل الكلوي وسرطان الرئة، إضافة إلى همومه مع فن القصيدة العربية الحديثة سواء النثرية أو الموزونة أو المقفاة. ويعد سالم من أبرز شعراء جيل السبعينات، وظهر أيضا من خلال رئاسته لتحرير مجلة «أدب ونقد»، وحصل على جائزة التفوق في الآداب عام 2006، عن مجمل أعماله الأدبية.

وتفاعل سالم مع ثورة 25 يناير العام الماضي بديوان بعنوان «ارفع رأسك عالية أنت المصري»، كما كان يستعد لإصدار ديوان عن محنة مرضه الأخير، لكن القدر لم يمهله ووافته المنية ظهر أمس أثناء خضوعه لجلسة غسيل كلوي بالمستشفى، ليضع نهاية لتجربته الشعرية التي استلهم في بعضها التراث العربي الإسلامي.

وفي مثل هذا الوقت قبل نحو ثلاثة شهور خرج سالم من غرفة العناية الفائقة في مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، وعاد إلى بيته، وذلك عقب إجرائه عملية جراحية لاستئصال ورم بالرئة ورفض نصيحة الأطباء الذين طلبوا منه الاستمرار في البقاء حتى يخضع للملاحظة والفحوصات الكاملة، خاصة أنه سبق وتعرض لجلطة في المخ ومتاعب في الكلى وأخيرا السرطان.

واقترن اسم سالم بالجماعات الشعرية التي نهضت منذ سبعينات القرن الماضي بأساليبها الخاصة متمردة على القوالب القديمة للنص الشعري، وحتى الأيام الأخيرة التي سبقت وفاته، كان يحاول التجريب والتجديد في القصيدة سواء من حيث التركيب أو الموسيقى الداخلية أو حتى التجديد في فن الإلقاء الشعري. واقترن اسمه بجماعة «إضاءة» الشعرية التي كانت برفقة جماعة «أصوات» من أشهر الكتل الشعرية في السبعينات، ومن شعرائها حسن طلب وجمال القصاص ورفعت سلام وأمجد ريان ومحمود نسيم، وغيرهم.

وأثناء زيارته في منزله في ضاحية فيصل غرب مدينة الجيزة المجاورة للقاهرة، كان يستقبل أصدقاءه وهو يرتشف مثلهم من علب العصير الباردة، رغم عودته حديثا من تحت مشارط الجراحين. يريد أن ينسى أنه مريض.. ينظر إلى أصدقائه الذين جاءوا لرؤيته بسعادة الطفل الذي تمكن من الفرار من المدرسة.

لقد ترك الغرفة الفخمة المطلة على النيل بمستشفى المعادي الشهير، وعاد سريعا ليشعر بالأمان بين الرفوف التي تحمل شتى الكتب الفكرية والأدبية والتاريخية والدينية. وقال إن الإنسان بين أيدي الأطباء يتملكه شعور العاجز ويظل حبيسا ومقيدا، حتى لو كان موجودا في غرفة تطل على النيل. وظل لساعات يروي عن الصرامة والنظام والنظافة التي وجد عليها المستشفى مقارنة بالمستشفيات الحكومية والخاصة الأخرى التي يعاني المصريون الأمرين عند التعامل معها.

واكتشف سالم أن السرطان عرف الطريق إلى رئتيه، ووافق الفريق سامي عنان، نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة على علاجه في مستشفيات الجيش بعد تدخل الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة السابق.

ومثل الأطفال المشاكسين المتمردين يحكي سالم عن انتصاره باقتناص الموافقة على مسؤوليته بالخروج من المستشفى رغم أنه يروي في نفس الجلسة في بيته عن مثالية أطباء المستشفى وإصرارهم على بقائه إلى حين استكمال الفحوصات الأخرى الخاصة بالكلي التي أصابها الإجهاد بأكثر من السابق بسبب العملية الجراحية الخاصة بإزالة الورم. يحكي ذلك ويطلب أن نبحث عن طبيب جيد للكلي.

وبدأت منذ ذلك الوقت، أي منذ نحو شهرين ونيف، رحلة غسل الكلى صناعيا في مستشفى مجاور لمقر عمله في مجلة «أدب ونقد». وكان في الوقت نفسه يعمل على مدار اليوم دون كلل ولا ملل لإنجاز ديوانين شعريين والدفع بهما للمطبعة.. الأول يحمل عنوان «حديقة الحيوان»، والآخر «معجزة التنفس» الذي يدور عن مرضه مع سرطان الرئة ومحنته في مستشفى المعادي.

وجاء حلمي سالم للدنيا انطلاقا من الريف المصري في وقت كانت تترد فيه عبر الأثير أنباء الثورات والتحرر الوطني في أرجاء العالم من أميركا اللاتينية إلى آسيا. وولد سالم عام 1951 بمحافظة المنوفية بالدلتا المصرية، ودرس في جامعة القاهرة وحصل على ليسانس الصحافة في كلية الآداب، وعمل صحافيا في جريدة الأهالي التي يصدرها حزب التجمع اليساري، وخاضت الجريدة والحزب مواجهة ضارية مع الرئيس الأسبق أنور السادات.

وتربى سالم على القرارات الثورية التي اتخذها جمال عبد الناصر لصالح الفقراء في الزراعة والتعليم والثقافة والكرامة الوطنية.. وعاش في عهد السادات ومبارك تجارب مصادرة الصحيفة ومصادرة الكتابة ومصادرة المواهب الشعرية والفنية والأدبية ومحاولات التيارات الدينية المتشددة تحريم الصور الإبداعية التي انتهى إليها كثير من الكتاب والشعراء وكان من بينهم سالم خاصة في قصيدته «شرفة ليلى مراد»، حيث جرت محاولات قضائية ودينية في عام 2008 لعدم منحه جائزة التفوق بدعوى مخالفة القصيدة للدين.

وأصدر سالم العديد من الكتب التي تحوي تجاربه ومغامراته النقدية والسياسية والفكرية، وقطع شوطا في محاولة المزاوجة بين الوزن والإيقاع. وفي أيامه الأخيرة كان مفتونا بإلقاء قصائده على صوت موسيقى العود. وتولى سالم لسنوات رئاسة تحرير مجلة «أدب ونقد» وهي مجلة تعنى بالأدب والفن والفكر والنقد، وتعتبر من المجلات التي حافظت على صدروها الشهري إلى أن ضربتها أزمة مالية بسبب قلة الدعم وتراجع الإعلانات في وقت كان فيه المجتمع يشهد تراجعا عن تمويل مطبوعات الآداب والفنون.

ولحلمي سالم ما يزيد على 18 ديوانا شعريا، منها «حبيبتي مزروعة في دماء الأرض»، «سيرة بيروت»، «البائية والحائي»، «فقه اللذة»، «الشغاف والمريمات»، «الغرام المسلح»، «حمامة على بنت جبيل»، «الثناء على الضعف».