عربيات متألقات في معرض «العالم في لندن»

204 شخصيات تعكس صورها التعدد الثقافي لعاصمة الإنجليز

رشا اللبنانية وكلام يشبه الشعر و التونسية سلمى أحبت التعدد الثقافي في لندن
TT

إذا مررت بحدائق «فيكتوريا بارك» في لندن، هذه الأيام، ستجد ملصقات كبيرة تمثل 204 شخصيات من النساء والرجال من مختلف بقاع العالم ومن كل الأعمار والمشارب، لا يجمع بينهم سوى أنهم مهاجرون يقيمون في العاصمة البريطانية. وبتكليف من الهيئة المشرفة على الأولمبياد الحالي، تولى حشد من المصورين والمصورات المتعاونين مع «غاليري المصورين» في المملكة المتحدة إنجاز هذا المعرض الجميل الذي يحمل عنوان «العالم في لندن»، وهو التحية إلى الدول المشاركة في الحدث الرياضي الكبير. وطبعا، فإن للعرب في المعرض نصيبا طيبا، لا سيما النساء.

ففي منزلها الهادئ، شرق لندن، تلقت الرائدة النسوية العراقية مبجل بابان الخبر السار باختيارها لتمثيل بلدها في المعرض. لقد أمضت هذه السيدة حياتها في النضال من أجل حياة أفضل لشعبها. وكانت في شبابها من اللواتي عملن على إصدار القانون العراقي للأحوال الشخصية الذي ما زال يعتبر متطورا، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن عليه. وقد أخبرت المصورة التي قصدتها لالتقاط الصورة أنها درست في كلية التجارة في بغداد ولم تكن أي من زميلاتها محجبة. وتضيف: «يدمى قلبي وأنا أرى، على شاشة التلفزيون، الطفلات وقد ارتدين الحجاب». استغرق العمل في تحضير المعرض 3 سنوات. وكان على كل مصور أن يعثر على شخصية من البلد الذي اختاره أو المعين له. وهكذا فإن لكل مصور ومصورة حياتها أو حكايتها الخاصة مع صاحب أو صاحبة الصورة. فقد التقت المصورة فريا نجادة طالبة إماراتية بفضل إعلان علقته في الجامعة وتطلب فيه التعرف إلى شخص من ذلك البلد. لقد قادها الإعلان إلى لقاء الطالبة التي تدرس في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية «سواس». وبالنسبة لهذه الأخيرة، فقد شكّل الملصق الذي يحمل صورتها مغزى كبيرا، خصوصا أنها قد أنهت دراستها وتستعد للعودة إلى بلدها. إن صورتها وسط مئات الصور في هذا المعرض هو نوع من الاحتفاء بصيفها الأخير في لندن.

يقارن أسعد بازرع، العماني الذي يحمل أحد ملصقات المعرض صورته، بين حاجته للسيارة، في بلده، للتنقل وقضاء الأشغال، والحرية التي يشعر بها في لندن لانعتاقه من أسر السيارة واستخدام وسائط النقل العامة أو السير على القدمين واكتشاف المدينة والأماكن التي لم يكن يتوقع أن يصادفها.

أما الجزائرية منى حميتوش، فتقول إنها كانت تتوقع، عندما وصلت إلى لندن، أن تتكلم الإنجليزية، بعد انقضاء شهر واحد فيها. لكنها بعد شهر واحد توقفت عن الكلام لأن الأبجدية لا تنطق كما بالفرنسية التي تجيدها. أما المصورة البرازيلية التي التقطت صورة منى فقد أرادت أن تعكس تقليدا متبعا في بلادها يقضي بتلوين الصور بعد الانتهاء منها. وتقول إنها صورت منى بالأبيض والأسود ثم أعطتها الصورة ودعتها لكي تلون بنفسها المساحات البيضاء فيها.

ليست كل الانطباعات إيجابية. فالأردنية ياسمين العجو تقول إن لندن مدينة صعبة وهي لا تصلح، بالتأكيد، للجميع. وكان رفاقها قد نصحوها بألا تحكم على المدينة من سنتها الأولى فيها، وكم كانت النصيحة صائبة. إن المسافات شاسعة وبعيدة بين مكان وآخر لكن المرء لا يملك إلا أن يتوقف ويتأمل ويصيح: «يا له من مكان مجنون!». إن تقلبات الطقس تجعل كل يوم مختلفا عن غيره. وفي الأيام المشمسة تركب ياسمين الدراجة في «ريتشموند» أو الزورق في «التيمس» أو مجرد الاسترخاء في إحدى الحدائق. أما في الأيام المطيرة فإن من المناسب زيارة الأماكن الداخلية كالمتاحف أو المسارح. إنها متوفرة ورهن الإشارة. إن لندن مدينة تجيد لعبة الأسرار، لذلك فإن الشابة الأردنية تعتبر أنها ما زالت في مرحلة الاكتشاف الأولى. أما لسلي دويك، المصورة التي أنجزت الصورة، فقد كان عليها أن تسرع في مهمتها لأن ياسمين صائمة وتريد أن تلحق موعد الإفطار. من ليبيا كانت هناك صورة نهلة العجيلي. وهي، كامرأة عربية، تشعر بقيمة الحرية التي توفرها لها العاصمة البريطانية. فهي تقوم بأعمالها بشكل مستقل ولا تجد حرجا في التواصل مع الناس. والأهم هو الحرية الفكرية المتاحة لها. أما اليمني نبيل الحرش فقد سعى مصوره جوليان جيرمان إلى التقاط صورة تظهره وهو يؤدي ما يؤديه كل يوم، كموظف في قسم التأشيرات في السفارة. ويقول المصور إن نبيل يرتدي ثيابه ويتوجه إلى عمله حاله حال ملايين الموظفين اللندنيين في أيامهم العادية. وطبعا، قرر لوكا ساج، المصور المكلف بالتقاط صورة القطري عبد الله الكعبي أن يأخذه إلى جسر لندن، المنطقة التي تتغير لا سيما بعد مساهمة استثمارات قطرية في مشروع برج «شارد». وبعد عدة لقطات اختار واحدة يبدو مشهد المدينة في خلفيتها عاديا.

«إنها مدينة جيدة، لكن يبدو وكأنها تقودني، أحيانا، إلى الجنون. لقد كرهتها ثم عشقتها فهي من تلك المدن التي أحب أن أحبها، وأحب أن أكرهها». هذا الكلام الذي يشبه قصيدة نثر، هو ما قالته رشا كحيل، اللبنانية التي اختيرت لتمثيل شعبها في المعرض. لكن المغربية لطيفة عنبري دبار قالت إن أفضل ما تفعله هو أن تضيع في لندن. كما أبدت الطالبة التونسية سلمى لخوة إعجابها بالتعدد الثقافي للمدينة وسهولة العيش فيها بالمقارنة مع باريس، العاصمة الأوروبية الأخرى التي تعرفها.