لندن: أهلها غادروها وسياح الألعاب الأولمبية تغيبوا عنها

مراقبون وصفوها بأنها «مدينة أشباح».. ومجلس وسط لندن يضع الخطط لرفع المبيعات

منطقة بيكاديلي سيركس في وسط لندن (أ.ف.ب)
TT

لندن بطبيعتها مدينة مزدحمة وشوارعها ضيقة ويعيش فيها ما يقارب ثمانية ملايين نسمة ويؤمها يوميا ملايين من الناس ممن يعملون فيها، لكنهم يعيشون خارجها. المنظمون لدورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها العاصمة البريطانية أخذوا هذه العوامل في الحسبان قبل أسابيع من بدء استضافتها للدورة التي افتتحت قبل أسبوع.

أعداد غفيرة من المنظمين بدأوا بتوزيع الخرائط والمعلومات لمن يصلون في الصباح الباكر إلى محطات القطارات الرئيسية يرشدونهم وينصحونهم بأن يترجلوا ويبتعدوا عن استخدام شبكة القطارات الأرضية بسبب الازدحام المتوقع خلال فترة الألعاب الأولمبية. وقدمت شبكة النقل العام في لندن توصيات لمستخدميها تقول: «تنصح شبكة النقل بتجنب مناطق الزحام الشديد وتخصيص وقت أكبر للرحلة».

حركة المرور كانت طبيعية يوم الاثنين الماضي في أول يوم بعد نهاية الأسبوع منذ انطلاق الأولمبياد. ويبدو أن الناس استجابوا لدعوات تجنب الذهاب بالسيارات الخاصة إلى وسط لندن.

حملة الترشيد في استخدام السيارات في طرق لندن التي كان متوقعا لها حالة من الازدحام الشديد أجبرت رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وعمدة لندن بوريس جونسون ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية جاك روجيه إلى ترك سياراتهم الرسمية وتوجهوا إلى الاستاد مستخدمين وسائل النقل العام. وشوهد كاميرون وهو يستقل وسائل المواصلات العامة.

معظم الشركات، خصوصا التي توجد مكاتبها في المناطق المزدحمة في وسط لندن وفي شرقها، سمحت ونصحت موظفيها أن يعملوا من بيوتهم خلال الفترة إلا في الحالات الضرورية جدا. وهذا فعلا ما حصل. أضف إلى ذلك أن الكثير من الموظفين وبسبب العطلة الصيفية للمدارس اختاروا قضاء عطلاتهم السنوية خارج لندن حتى يتفادوا حالة الازدحام التي حذر منها مرارا خلال الأسابيع الماضية.

الكثير من الناس كما بدا واضحا أنهم عملوا بهذه النصائح، ولهذا فقد أصبحت القطارات القادمة إلى لندن غير مزدحمة، وكذلك بالنسبة لشبكة القطارات الأرضية التي لم تبد أنها مزدحمة أيضا هي الأخرى ولا حتى الشوارع التي خصصت مسارات خاصة عليها للسيارات التي تنقل ضيوف الألعاب. كل شيء في لندن طبيعي، أو حتى أقل من وضع العاصمة في ظروفها الطبيعية. التحذيرات والاحتياطات جاءت بنتائج عكسية على المدينة، مما أثار حفيظة صحيفة «فاينانشيال تايمز» اليومية المتخصصة في شؤون الأعمال والأموال التي ذكرت هذا الأسبوع في مقال لها عن وضع المدينة قائلة إنها تحولت إلى «مدينة أشباح»، حيث يقيم الزائرون بعيدا عنها.

وأضافت: «الألعاب جذبت نحو 100 ألف زائر أجنبي للندن. ولكن هذا في حد ذاته يعتبر أقل من الـ300 ألف سائح المتوقع زيارتهم للندن في هذا الوقت من العام». واعتبرت الصحيفة الحملة التي نظمت والتحذيرات التي أطلقت من قبل المنظمين والمسؤولين في المدينة جاءت بنتائج عكسية.

وأوضحت الصحيفة أن أكثر القطاعات معاناة هي المسارح، حيث سجلت هيئة تمثل المسارح حدوث انخفاض من 30 إلى 35 في المائة نسبة الحضور خلال الأسبوعين الماضيين. السياحة الثقافية، الداخلية والخارجية، إلى لندن تكون مزدهرة ليس فقط خلال فترة الصيف، وإنما على مدار العام. وتحتوي مسارح لندن على 65 ألف مقعد تشغر معظمها في معظم أيام الأسبوع.

وقال محرر في الصحيفة: «هناك فئتان مفقودتان: الأولى هم الزائرون المعتادون للندن الذين قرروا البقاء بعيدا بسبب الإحساس بأن لندن ستكون مزدحمة. والفئة الثانية هم ساكنو لندن والبريطانيون، الذين تم تحذيرهم من وجود كابوس في وسائل النقل خلال الأولمبياد. رسالتنا إليهم هي أنه مع أنه قد يكون من المعقول تجنب ساعات الذروة والمناطق المزدحمة، فإن وسائل النقل تسير بسلاسة».

وتابع: «من عجائب القدر، أن الوقت الحاضر هو أفضل وقت لزيارة مناطق الجذب السياحي في لندن بسبب قصر الطوابير بالإضافة إلى مد ساعات عمل هذه الأماكن». وقبل أيام تسبب التوقف الجزئي لخط قطارات الأنفاق (سنترال لاين)، الذي يصل غرب لندن بشرقها، حيث تقام الألعاب، حالة من الارتباك تسببت لمستخدمي الخط في ساعة الذروة لكن شبكة النقل في المدينة ظلت على ما يبدو متوافقة مع متطلبات الدورة الأولمبية. وقالت شركة «ترانسبورت فور لندن» (تي إف إل)، إن سبب التوقف الجزئي المؤقت لخدمات الخط هو انطلاق إنذار حريق بعد أن أبلغ سائق قطار عن أنه شم رائحة دخان. وأوضح المتحدث باسم شبكة النقل في لندن أن التحقيقات أثبتت أنه لا توجد مشاكل بالقطار المذكور. ورغم هذا، فإن التوقعات بأن تعم حالة من الفوضى شبكة النقل في لندن خلال الأولمبياد لم تتحقق حتى الآن.

ويأتي هذا التطور في أعقاب تحذيرات أطلقتها شبكة النقل في لندن للمقيمين بالبقاء بعيدا عن الأحياء المزدحمة في العاصمة لتقليل خطر تعطل وسائل النقل.

بعض المعلقين قال إن النصيحة التي أطلقتها لندن والمنظمون للألعاب قد تكون مبنية على حسابات خاطئة، لأن الكثير من المقيمين في لندن هربوا من الألعاب الأولمبية وكذلك ملايين السائحين لقضاء عطلة الصيف بعيدا عن المدينة التي أصبحت غير مزدحمة نهائيا.

وعند استخدامك وسائل مواصلات العاصمة العامة، يدوى صوت عمدة المدينة بوريس جونسون محذرا من الضغط على وسائل النقل، حاثا المواطنين على البحث في مواقع الشركات السياحية المختلفة قبل السفر للتأكد من الابتعاد عن المناطق الساخنة. ولكن بعد الشكاوى من أصحاب المحلات والفنادق بتأثير التحذيرات على أعمالهم قام المسؤولون بإيقاف بث الإعلان التحذيري.

كما خفضت الفنادق أسعارها مع تباطؤ حركة الحجز في الفنادق، وطبقا لبحث صحيفة «فينانشيال تايمز»، فإن الأسعار انخفضت خلال الألعاب الأولمبية بنحو 25 في المائة. وقال نيك بالان من شركة «غولدن تورز» للحافلات المكشوفة: «الأمر سيدمر السوق تماما هذا الصيف. تراجعت أعمالنا بنسبة تزيد على 20 في المائة».

إلا أن عمدة لندن بوريس جونسون مصر على أن آلافا وآلافا من الناس ما زالوا يتدفقون على العاصمة، وأن الفنادق مزدحمة والنشاطات الرياضية ما زالت تستقطب الآلاف من الناس. لقد حاولت اللجنة المنظمة للألعاب الدفع بملء المقاعد بعد أن ظهرت بعض النشاطات الرياضية من دون متفرجين بسبب عدم استخدام التذاكر التي وزعت على الشركات الراعية لها. بوريس جونسون أضاف، على الرغم من الأرقام المتاحة حول ما جنته المطاعم والفنادق خلال الأيام الماضية أي منذ افتتاح الألعاب، قائلا «الأمور تسير بشكل جيد لصالح لندن ولصالح قطاع الأعمال، من مطاعم ومسارح ومتاجر التسوق».

المتحدثة باسم غرفة تجارة لندن اعتبرت في تصريحات لصحيفة «إيفنينغ ستاندارد» أن الحذر الشديد الذي أطلقه المنظمون للألعاب انقلب ضد المدينة «من المفهوم جدا أن يبتعد الكثير من أهل لندن ومن زوارها عن المدينة في مثل هذه الظروف. أعتقد أن مؤسسة مواصلات لندن واللجنة الأولمبية قامت بعملها جديدا، لكن العمل الجيد يعطي أحيانا نتائج عكسية».

تكسيات الأجرة في لندن الشهيرة بشكلها ولونها قد تكون أكبر إثبات على تباطؤ الحركة في لندن في هذه الفترة. وقال ستيف ماكنمارا، المتحدث الأمين العام لرابطة تكسيات لندن المرخصة، إن أعضاء نقابته تأثروا سلبا، مضيفا «لقد انخفضت الطلبات على التكسيات بمقدار 20 - 40 في المائة. 90 في المائة من زبائننا هم من لندن، إلا أن معظمهم هجروا المدينة، ولم يعوض عنهم السياح في مثل هذه الأيام من الصيف حسب التوقعات. لا أعرف أين هؤلاء السياح وكيف يتجولون في هذه المدينة، التي تحولت إلى مدينة أشباح، إنهم غير موجودين».

وحسب إحصائيات مؤسسة «إكسبيريانس فوتفول» فإن منطقة وسط لندن (ويست اند، أي غرب لند) كانت تتوقع أن يصل عدد الزيارات لمحلاتها مثل المطاعم والمقاهي والمتاجر إلى 25 مليون مرة خلال فترة الصيف، خصوصا مع توقعات أن يزداد العدد بنسبة 90 في المائة للمنطقة بسبب الألعاب. إلا أن الأرقام المتاحة تشير إلى أن مقارنة مع العام الماضي انخفضت المبيعات والزيارات لأماكن الترفيه بنسبة 10 في المائة عن العام الماضي في منطقة وسط لندن، و7 في المائة في منطقة شرق لندن مقارنة في نفس الفترة من عام 2011. وفي منطقة سوهو الشهيرة بمطاعمها طالبت ميشيل ويد، صاحبة «ميزون بيغتو»، أقدم مقهى في العاصمة، من عمدة لندن بوريس جونسون أن يحضر إلى المقهى ويتناول الشاي في المكان حتى يشجع الآخرين على الحضور ويرفع من حركة المبيعات في المنطقة. وقالت في تصريحات لصحيفة «ايفنينغ ستاندرد» أمس «أنا لست ضد الألعاب الأولمبية. في الواقع لقد جن جنوني، مبيعاتنا انخفضت كثيرا خلال الأيام الماضية منذ افتتاح الدورة الأولمبية». وأضافت مازحة «لقد ارتدينا ملابسنا من أجل استقبال ضيوف الحفلة، لكن لم يحضر أحد».

واجتمع العمدة أمس مع أصحاب الأعمال في وسط ولندن، وكذلك مع ممثلين من المجلس المحلي للمنطقة من أجل وضع خطط طارئة من أجل إنعاش المنطقة بعد أن تعالت الأصوات، واصفة لندن بأنها مدينة أشباح. وقرر المجلس المحلي بعد اجتماعه مع مساعد عمدة المدينة السير إدوارد لسيتر، أن يخففوا القيود على إيقاف السيارات في فترة نهاية الأسبوع بعد انتهاء الألعاب ولمدة أسبوعين.