معرض يدعو لتغيير صورة الشرق وتعزيز تعايش الحضارات

باريس تنقل الفن العربي المعاصر إلى صنعاء

الصورة الأولى من أعمال الفنانة آمنه النصيري
TT

النجاح الكبير الذي حققه معرض «باريس والفن والمعاصر في صنعاء»، والإقبال اللافت الذي حظي به من قبل الجمهور اليمني، دفع الجهات المنظمة ممثلة بالسفارة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي بصنعاء ووزارة الثقافة اليمنية إلى تمديد فترة المعرض حتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. بهدف تمكين أكبر عدد من الزوار والمهتمين بالفنون التشكيلية من زيارة المعرض، خاصة خلال شهر رمضان، كما يأتي تمديد المعرض في سياق جهود التأسيس لثقافة المعارض الدائمة في اليمن.

يشارك في المعرض الذي انطلق، أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي 16 فنانا عربيا، يمثلون بعضا من اتجاهات الفن العربي المعاصر، بينهم ثلاثة فنانين يمنيين، بأعمال تزاوج بين الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي والنحت والرسم الإيضاحي، لإنجاز لوحة تصويرية تمزج بمهارة كل هذه العناصر والأدوات والوسائط، بما يجعلها قادرة على تحقيق قدر من الصدمة الجمالية لدى المشاهد.

الفنانون العرب المشاركون في هذا المعرض ينتمون لعدد من بلدان المغرب والمشرق العربي، بعضهم أقام في باريس ومدن فرنسية أخرى لعقود، والبعض الآخر ظل مراوحا بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط؛ يتنقل بين عواصم ومدن عربية، قبل أن يتوجه شطر باريس بين حين وآخر باعتبارها أحد أهم مراكز الفن والثقافة والجمال، وقاعدة انطلاق الفن العربي المعاصر، وبين تجربة الإقامة في باريس والحج إليها بين فينة وأخرى، نتج فضاء خاص للحوار والتثاقف الفني، الذي مكن هؤلاء الفنانين من إنجاز أعمال فنية مستمدة من إرثهم وتراثهم الثقافي العربي، ومنفتحة على مجمل عطاءات المدارس والاتجاهات الفنية الحديثة، لذا كانت لهذه الأعمال إطلالتها وحضورها في ساحة المشهد الفني في بعده العولمي، كم مكن الفضاء الثقافي والفني المشار إليه هؤلاء الفنانين أيضا من بلورة رؤى فنية ناضجة تستند إلى فلسفة خاصة في النظر إلى الإنسان وعلاقته بالآخر وبالكون، وتصوغ وجهات نظر ورؤية فنية بشأن دور الفن في حل التناقضات وتحقيق تعايش الحضارات وليس تصادمها، من خلال تعميق الوعي الجمالي لدى المتلقي، وصولا لمجتمعات أكثر تجانسا وإنسانية، توجز المسافات الجغرافية والأبعاد التاريخية والحضارية بين الشعوب.

وبحسب باسكال أميل، رئيس تحرير مجلة الفن المعاصر التي تصدر في باريس، والمشاركة في تنظيم المعرض، فإن أعمال الفنانين العرب المعاصرين خلال السنوات الماضية، ارتكزت على تغيير صورة العالم العربي التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وتداعياتها الإعلامية، ليس بالوقوف عند الأسباب التي قادت إلى هذه الحادثة، وما أطلق عليه البعض تصادم الحضارات، وإنما يتعدى ذلك إلى تغيير الصورة والتأكيد على الحاجة الملحة لقيم الحرية والديمقراطية التي عبر عنها الربيع العربي، الذي هو استشراف مبكر لحركة الفن العربي المعاصر، كإرادة تعكس ما يجري في المنطقة للعالم من جهة وتعبر عن هذا الربيع بحراكه الاجتماعي وشطحاته المتعلقة بالهوية والرغبة في الدخول في فضاء العالمية من جهة أخرى.

ولا بد من التطرق في سياق الحديث إلى أعمال الفنانين اليمنيين الثلاثة المشاركين في المعرض، وهم الدكتور آمنة النصيري الفنانة المعروفة وأستاذة الفلسفة بجامعة صنعاء، التي تتجه في أعمالها الأخيرة إلى المزج بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي والفيديو ومواد وأدوات أخرى، لتشتغل على المخاوف المقيدة لحرية الفرد وأقنعة القمع الواعي واللاواعي الذي تجابهه المرأة والرجل على حد سواء، ثم المصورة بشرى المتوكل بلقطاتها الفوتوغرافية الصادمة والمثيرة للجدل في سعيها لدحض وجهات نظر المجتمعات العربية والإسلامية والغربية بشأن الصورة النمطية التي تلبسها للمرأة الشرقية، فيما ينطلق الفنان ناصر الأسودي من اليومي والمعيش من مواضيع، معتمدا على تفجير طاقة الحرف والضوء، لإنجاز أعمال لا تخضع لسلطة القواميس والمصطلحات الجامدة، لتدخل في حقل الإشارة واللغة البصرية.