مزور لوحات أميركي يجذب المشترين بأعمال بارعة التنفيذ وسعر أقل

نشر مذكراته تحت عنوان «الحياة السرية لمزور أعمال فنية أميركي»

كين بيريني «نيويورك تايمز»
TT

على مدى نحو ثلاثة عقود، حقق كين بيريني ثروة محدودة عن طريق تزوير أعمال فنانين مشاهير ينتمون إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أمثال مارتين جونسون هيد وغيلبرت ستيوارت وتشارلز بيرد كينغ.

بعدها، في عام 1998، حسبما يقول بيريني، ظهر عميلان بمكتب التحقيقات الفيدرالي على عتبة بابه، ينتابهما فضول بشأن لوحتين تم بيعهما في مزادي «كريستيز» و«سوذبيز»، يزعم أنهما للفنان جيمس باترزوورث، لكنهما في واقع الأمر من ابتكاره الخاص.

ويقول إنه على مدار السنوات القليلة التالية، استمر مكتب التحقيقات الفيدرالي في مراقبته بشكل مكثف في منزله المؤلف من طابق واحد بجانب الخليج، متعقبا أعماله الفنية والأماكن التي تم بيعها فيها، ومتحدثا إلى أصدقائه ومعاونيه.

وعلى الرغم من أن السلطات لم توجه له أي اتهام مطلقا، لكن الفحص دفع بيريني إلى إعداد ما يطلق عليه «نموذج عمل جديد»، مروجا أعماله الزيتية المزيفة على أنها نسخ مطابقة من أعمال أعظم الفنانين.

والآن، يتم شراؤها من قبل مصممي الديكور وتجار الآثار والمتخصصين والمديرين وآخرين في بالم بيتش ممن يرغبون في الحصول على مظهر أرستقراطي متمدن من دون بطاقة السعر.

«أدركت أن الحياة التي عرفتها وأحببتها قد ولت».. هذا ما قاله عن مهنته كمزور، بينما أتت عملية تزوير لبيريني بأكثر من 700000 دولار في أحد المزادات، يقوم الآن ببيع عمل مماثل طبق الأصل تقريبا مقابل 5000 دولار. وهذه اللوحة تعتبر المكافئ في عالم الفن لزركونيا مكعبة 3 قراريط يمكن التباهي بها كماسة تيفاني.

هل يتم بيعها كأعمال أصلية من قبل من يقومون بشرائها؟

«خلال السنوات القليلة الأولى من محاولة تسويق وترويج اللوحات الفنية بشكل قانوني، لم يكن بوسعي أن أقول أين ذهبوا أو ما فعله الناس معهم».. قال بيريني، 63 عاما، في مقابلة بمنزله.. ووراءه، توجد ثلاثة أعمال مزيفة لباترزوورث، مماثلة لليخوت التي جذبت انتباه مكتب التحقيقات الفيدرالي في البداية. ويضيف: «اليوم لدي مجموعة عملاء محددة، وأقوم فقط بالبيع للأشخاص الذين أعرفهم».

وعلى الرغم من أن العديد من الشركات تبيع نسخا مطابقة لأعمال من الفنون الجميلة، فإن عددا محدودا منها فقط هو الذي يمكن أن يتوافق مع المهارة الفنية لبيريني، أو مع ماضيه المتنوع.

ويقول إن أعماله المزيفة مولت نمط حياته المترف الذي شمل رحلات لأوروبا ومطاعم فاخرة وملابس من «فيرساتشي» و«حرية مطلقة». ويقول إنها جذبت انتباه مسؤولي تنفيذ القوانين ضد المحتالين، حسبما يشير المحامي روي كوهن، الذي اشترى أحد أعماله المزيفة، وهو تقليد لعمل لجون إف بيتو.

ويقدم تفاصيل عن إنجازاته في مذكرات صريحة، تحمل اسم «الحياة السرية لمزور أعمال فنية أميركي» (دار نشر: «بيغاسوس بوكس»)، والذي أضيفت إليه صور «آر كيه أو». وقد تم تسويقه كاعتراف، ويبدو بيريني، الذي يلتزم الصراحة في الحديث عن حياته كمزور، آمنا لمعرفته أنه قد تم تمرير قانون التقادم والذي سيطبق على أعماله المزورة.

وقال متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه قد تعذر على المسؤولين التعليق على دقة روايته بسبب أن ملف القضية، مع كونه غير فعال، إلا أنه لم يتم كشف النقاب عنه. وقال الناشر كليبورن هانكوك، إن أحد المحامين قد راجع النص المفترض نشره.

ولدى بيريني أيضا إيصالات لبعض الأعمال التي قد قام بشحنها إلى المزاد كتاجر، لكنه في واقع الأمر قام بإنتاجها بنفسه.

ويقدر بيريني أن مئات من أعماله المزيفة تبقى رائجة. ومن وقت لآخر، يتعرف على لمحة عن واحد في كتالوغ خاص بأحد المزادات أو في مجلة. وقال: «أفتقد إثارة خداع الخبراء والتي تعتبر بمثابة إدمان بالنسبة لي. كانت هواية رائعة بالنسبة لي».

ورفض متحدث باسم مزاد «سوذبيز» التعليق على الموضوع. وقال متحدث باسم مزاد «كريستيز» إن أسماء من يقومون بالشحن سرية ولكنه أوضح أن هناك عملا يشير إليه بيريني بوصفه خاصته، وهو عمل تصويري منسوب إلى هيد، عبارة عن طائري طنان بيع هذا العمل في 1993، موجود في كتالوغ الفنان الذي تم تقسيم الأعمال الفنية فيه حسب فئاتها، والذي يضم مجموعة أعماله المؤكدة. وقال مؤلف كتالوغ هيد، تيودور ستبينيس جيه آر، أمين الفن الأميركي بمتاحف الفن بجامعة هارفارد، إنه إذا ما كانت رواية بيريني مقنعة، فقد يحتاج إلى إعادة النظر في العمل.

يكمن الاختلاف بين عمل بيريني القانوني وعمله الإجرامي في أنه يوضح الآن أن لوحاته تعتبر نسخا مطابقة من الأعمال الأصلية للفنانين المعروفين، مع أنها تحمل توقيع الفنان.

يحدث التزوير فقط عندما يقدم شخص ما نسخة مطابقة من عمل فني على أنها العمل الأصلي. غير أنه ما زال فخورا بشدة بمهارته. يقول: «لا يوجد أحد يمكنه القيام بذلك على النحو الذي أقوم به».

في واقع الأمر، في أوروبا، هناك جون ميات، المزور البريطاني الذي أمضى عقوبة مدتها أربعة أشهر في عام 1999، والذي يبيع «لوحات مزيفة على أنها أصلية» لمجموعة معارض تملكها دار نشر بريطانية.

بإمكان فنانين ذائعي الصيت أمثال ميات وبيريني طرح أسعار مرتفعة نسبيا للوحاتهم المزيفة. يحدد بيريني أسعارا للوحاته التي تمثل نسخا مطابقة من اللوحات الأصلية، بإطاراتها العتيقة، ولوحات الكنفاه، من 2500 دولار لطائر طنان صغير موقع عليه اسم هيد إلى 30000 دولار للوحة مقلدة عن عمل لبانيني. تجذب اللوحات الأصلية جامعي اللوحات لأسباب مختلفة: رؤية الفنان أو السمعة الرنانة أو إمكانات الاستثمار أو سحر اللوحة الأصلية الذي لا يوصف. تشبع اللوحات المزيفة رغبة من نوع مختلف، وهي الطابع الجمالي المميز بسعر أقل.

تقول نانسي تيليس، سيدة المجتمع المعروفة في بالم بيتش وصديقة بيريني منذ فترة طويلة: «لدي بعض اللوحات الممتزجة مع لوحات فنية حقيقية». وهي تملك نسخة خاصة من أعمال لبيكاسو وموديلياني وميرو وآخرين.

قالت تيليس: «في واقع الأمر، تكون أقل تكلفة من لوحة حقيقية». وأضافت: «لكنني ظننت أن أعماله هي الأعمال الأصلية. كانت لوحاته غاية في الروعة وبها قدر كبير من التفاصيل. إنها تشبه ما أشاهده في المتاحف حول العالم».

وأشارت إلى أن «لوحات بيكاسو المزيفة» ستبهر المشاهدين، معظم الناس لن يسألوا عما إذا كانت اللوحات حقيقية أم لا، وإذا سألوا، فـ«سأقول إنها نسخ مطابقة من اللوحات الأصلية»، على حد تعبيرها. وقال بيريني إن عملاء آخرين لم يرغبوا في الحديث إلى أي صحافي لأنهم يقدمون أعماله على أنها حقيقية.

وفي معرض ترينيتي في سان بطرسبرغ بولاية فلوريدا، حيث تباع أعمال بيريني، قال المالك، ألان أبرامز، إن مشتريه عادة ما يتمثلون في «زوجين خبيرين أكبر سنا رغبا طوال حياتهما في امتلاك لوحة لفنان معين، وتعتبر هذه أقرب لوحة يمكنهما الحصول عليها». تعتبر اللوحات الانطباعية هي أنواع اللوحات الأكثر مبيعا، بحسب أبرامز، الذي يلزم كل المشترين بالتوقيع على إيصال يثبت أنهم على علم بأنهم يشترون نسخة مقلدة من لوحة أصلية.

يمتلئ منزل بيريني، وهو عبارة عن نسخة طبق الأصل من كوخ على طراز نانتوكيت، ببعض ابتكاراته المفضلة، من بينها مشاهد كابينة لويليام ووكر ولوحة وبورتريه جورج واشنطن لستيوارت ولوحة الخيول لجون هيرينغ.

أثناء المقابلة، عرض مجموعة صغيرة من الأحواض البلاستيكية الزرقاء وخلع أغطيتها. وبداخل واحد منها، كانت هناك مجموعة من لوحات الكنفاه الصغيرة المحاطة بإطارات على طراز أعمال الرسام فرانسيكسو غاردي من القرن الثامن عشر، وهو منافس لكاناليتو وبانيني اللذين رسما بطاقات معايدة تصويرية لفينيسا لبيعها للنبلاء البريطانيين. وتم تخزين مئات اللوحات الأخرى التي قد أنتجها بيريني في وحدات تخزين آمنة توجد على مقربة، على حد قوله.

وبينما ينشر نحو 6 لوحات مقلدة من أعمال غاردي في غرفة المعيشة، قال بيريني إنه قد طور أسلوبا فنيا خاصا به وتعلم الطب الشرعي من خلال عمله لحساب مرمم وصانع إطارات وقتما كان في العشرينات من عمره. ومن خلال البحث المكثف والمحاولة والخطأ، اكتشف كيفية محاكاة علامات تدل على قدم اللوحات: خيوط العنكبوت المميزة في الطلاء وآثار الذباب، فضلا عن المظهر الأخضر القذر للطلاء القديم عند النظر إليه تحت ضوء الأشعة فوق البنفسجية. ويقول إن أحد أفضل أعماله، وهو لوحة وردة على طراز أعمال الفنان هيد والتي باعها مزاد «سوذبيز» كاكتشاف جديد في عام 1994 مقابل 717500 دولار. وتوجد نسخة الآن معلقة على مستوقده. واليوم، ينظر بيريني إلى نفسه كوريث روحاني للفنانين الذين يقلد أعمالهم. «كان هؤلاء الرجال رجال أعمال».. هكذا قال، وقد أنتجوا أشكالا عديدة للوحة ووظفوا فنانين آخرين في الاستوديو الخاص بهم لتقليد عملهم. «إنني على اقتناع بأنه لو كان هؤلاء الفنانون أحياء اليوم، لوجهوا لي الشكر. إنني شخص يفهم ويقدر عملهم».. هكذا قال. ولدى وقوفه أمام أحد أعماله المقلدة للفنان هيرينغ، أشار إلى لمعان جلد الحصان والتفاصيل الواضحة لوجه الفارس، وقال: «إنني لا أرغب في تملق نفسي، لكني على يقين من أن هيرينغ سيكون فخورا بوضع اسمه على هذه اللوحة».

* خدمة «نيويورك تايمز»