السجاد اليدوي المغربي ينتعش بعد أن أصبح ديكورا باذخا خارج المغرب

يجد إقبالا من الأجانب.. وصناعته تقتصر على صانعات مبدعات

الألوان الطبيعية والرسومات الجميلة التي يتم نسجها تختزل كثيرا من عادات وثقافات المغرب، وعلى الرغم من أن لكل منطقة من مناطق المغرب خصوصيتها الثقافية
TT

انتعشت صناعة السجاد في المغرب من جديد على الرغم من المنافسة القوية بين «السجاد الصناعي» و«السجاد اليدوي»، إذ في الوقت الذي يفضل فيه السياح السجاد اليدوي، بات المغاربة مضطرين لاستعمال السجاد الصناعي جزءا أساسيا من الديكور المنزلي، بسبب ارتفاع أسعار السجاد اليدوي، وهو من الصناعات التقليدية العريقة التي حافظت عليها النساء المغربيات في عدد من المدن المغربية، بل أصبح جزءا من تاريخ وطقوس وهوية القبائل المغربية. لكن بسبب المنافسة من طرف السجاد المستورد والأرخص ثمنا، بدأت البيوت المغربية تتجه إلى استعمال السجاد المصنع؛ إذ يبلغ سعر المتر المربع للسجاد اليدوي 1500 درهم (نحو 180 دولار) بينما السجاد المصنوع بالآلات الميكانيكية يتراوح سعره ما بين 60 إلى 120 درهما (من سبعة إلى 14 دولارا).

وهكذا أصبح ارتفاع سعر السجاد اليدوي يشكل حاجزا حقيقيا أمام الزبائن المغاربة، الذين يعتقدون أن باعة السجاد التقليدي باتوا يستهدفون الأجانب فقط، الذين يعتبرون هذا السجاد جزءا من ديكور باذخ داخل الشقق والمنازل. لكن بعض الحرفيين يرون أن من له دراية بأساسيات جودة السجاد لن يعترض على السعر؛ لأن سعر الخامات التي تصنع منها السجاد اليدوي مرتفعة.

ويشكل السجاد المغربي التقليدي جزءا مهما في عالم الأثاث والديكور المنزلي، إذ يمكن أن يستعمل لتزيين الجدران أو أرضية البيوت، وربما يستعمل أيضا غطاء أو فراشا، وذلك بفضل تنوع أشكاله وأنواعه وطرق نسجه.

وتقول مليكة حالي، وهي متخصصة في صناعة السجاد اليدوي إن السبب في ارتفاع سعر السجاد هو أنه لم تعد هناك يد عاملة مثل ما كان في الماضي. وتوضح: «نحن لم نكن نذهب إلى المدرسة، وإنما كنا نذهب عند المعلمة لنتعلم إما الخياطة أو نسج السجاد، أما اليوم فلا أحد يريد تعلم هذه الحرفة الأصيلة». وأشارت مليكة إلى أن السجاد المغربي يتميز بالإتقان ولا يضاهيه في ذلك أي سجاد، على حد اعتقادها. وهي ترى أنه يبرز الأفراح والمعاناة التي يعيشها مبدعوه من خلال الرسومات والأشكال التي تزين بساط السجاد وتحمل رموزا جميلة ذات معنى ودلالات، وترتبط بالتراث المغربي العريق والعادات الشعبية، مبرزة أن اللون الأحمر يدل على التضحية والحب، والأصفر له رمزية الخير والصفاء والدفء، أما الأزرق فيرمز إلى خصوبة البحر بخيراته وسحره وجماله في حين يدل اللون الأبيض على البراءة والسلام.

وأضافت أن السجادة المزركشة ذات الألوان المنسجمة تدل على الثراء الطبيعي الجميل الذي يزخر به المغرب، وأن قيمة السجادة التراثية تبرز أيضا في أن كثيرا من القبائل تتباهى بزينتها وكبر حجمها، خاصة في المهرجانات التي تنظم خصيصا لعرض أنواع السجاد التقليدي، ومواسم الفروسية وحفلات الزفاف.

والألوان الطبيعية والرسومات الجميلة التي يتم نسجها تختزل كثيرا من عادات وثقافات المغرب، وعلى الرغم من أن لكل منطقة من مناطق المغرب خصوصيتها الثقافية التي قد تختلف قليلا أو كثيرا عن بعضها إلا أنها تلتقي جميعا في نهاية المطاف في تقديم موروث ثقافي متنوع في أشكاله وغني في مقوماته، فهناك أنواع كثيرة من السجاد وكل واحد يحمل اسم المدينة أو الجهة التي تنسجها فمثلا، «الوزانية» نسبة إلى مدينة وزان في شمال المغرب و«الزيانية» اسم منطقة في منطقة بن سليمان، و«الرباطية» وهي السجادة التي تنسج بمدينة الرباط و«سلا» وهي الأشهر في المغرب، و«تازناغت» منطقة توجد بنواحي جنوب مدينة مراكش. بالإضافة إلى أن كل منطقة تستعمل أنواعا من الصوف حسب خصوصيتها، وألوانها التي تعكس طبيعة هذه المنطقة، ومن الألوان المنتشرة، الأحمر، والأزرق، والأسود، والأصفر، والبرتقالي، وتتم صناعة السجاد، الذي يطلق عليه اسم «الزربية» بفضل النساء اللواتي يعملن في مشاغل السجاد التقليدي، ويشترط في كل امرأة تعمل في نسج السجاد، أن تتذكر الرسوم والألوان والحفاظ على تناسقها، ويتم ذلك تحت إشراف خبيرة ذات تجربة كبيرة يطلق عليها «المعلمة».

وحول طرق صناعة السجاد والمراحل التي تمر بها تقول حليمة العكازي وهي متخصصة في هذا المجال: «إن عددا من المراحل والأدوات التقليدية تستعمل في هذا المجال، مثل آلة (القرشال) التي تجعل الصوف ناعما جدا، وآلة (المغزل) التي تحول الصوف إلى خيوط بواسطة اليد أو الرجل، وصباغة الصوف الذي يتم عن طريق تسخين الماء وتركه حتى يغلي، ثم إضافة القليل من الملح واللون ووضع الصوف داخل الإناء، لمدة 10 دقائق ثم تغسل بماء بارد وتوضع في مكان لتجف، وبعد الصباغة تأتي مرحلة النسيج، التي تحتاج إلى آلة النسج التي يطلق عليها (المرمة) وهي عبارة عن مجموعة من الأعمدة من الخشب والقصب يتم نصبها في إحدى جدران الغرفة، وبعدها تبدأ صناعة وإبداع أيادي النساء».

وعلى الرغم من أن السجاد المغربي التقليدي باهظ الثمن، يصل سعر السجادة الواحد إلى عشرين ألف درهم (2400 دولار) فإنه يضفي رونقا وبهاء على المنزل؛ إذ هو عبارة عن لوحة فنية منسوجة بأيادي صانعات مبدعات.