بغداديون يبتكرون طرقا غريبة وطريفة للخلاص من ارتفاع الحرارة في رمضان

«الدوش» العمومي ورشاشات المياه أحدثها وأطرفها

طفلة عراقية يحملها والدها مستمتعة برذاذ الماء المنبعث من المروحة الكهربائية بأحد شوارع بغداد (أ.ف.ب)
TT

أكثر من طريقة وفكرة، بعضها طريف والآخر غريب، ابتدعها صائمون بغداديون هذه الأيام خلال شهر رمضان المبارك لمواجهة طقس حار جاوزت حرارته الخمسين درجة مئوية، ولفترة صوم قاربت الـ16 ساعة يوميا، لعل أطرفها انتشار (دوشات المياه) العمومية في معظم شوارع العاصمة بغداد، خصوصا المناطق الصناعية والأسواق الشعبية.

يقول حامد الراضي، صاحب عربة صغيرة لنقل البضائع في سوق الشورجة الشهير، لـ«الشرق الأوسط»: «أعمد إلى رش الماء على رأسي كل نصف ساعة كي أخفف من حرارة الأجواء» وأضاف: «فكرة الدوش العمومي بدأت بمد خرطوم للمياه من محل مجاور لأجل خدمة المشاة والعمال والكسبة من زوار السوق، ثم تطورت الفكرة إلى إيصالها بصنبور ورشاش مفتوح (دوش) عمومي يقف تحته من يريد من العابرين في السوق لتخفيف حرارة الأجواء».

واستدرك ليقول قبل أن يغطس رأسه بدوش المياه القريب منه: «حرارة الطقس وحمولة الأثقال التي نحملها كل يوم، ونحن صائمون تزيد من إرهاقنا الذي قد لا يحتمله البعض، لذا فإن فكرة الدوش العمومي تخفف علينا العبء قليلا».

ويعاني العراقيون من ارتفاع حرارة الأجواء في شهر رمضان بشكل أكثر من السنوات الماضية، مما دفع الحكومة العراقية إلى إعلان يوم الخميس من كل أسبوع عطلة رسمية لجميع الدوائر والمؤسسات الحكومية، وبدورها أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها خلال ساعات النهار بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وخلت شوارع المدينة التي يسكنها نحو ستة ملايين شخص بشكل شبه كامل من الأطفال والنساء.

الشرطي علي محمود من نقطة سيطرة السنك (وسط بغداد) قال لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا مشمولين بالعطلة الرسمية التي أقرتها الحكومة يوم الخميس، إذ إن عملنا متواصل خلال ساعات النهار وبشكل يومي لحفظ الأمن وتطبيق الخطة الأمنية قرب الحواجز الأمنية الثابتة والمتحركة في كل شوارع بغداد». لكنه استدرك ليقول: «تعودنا على تحمل أقسى درجات الحرارة خلال أيام التدريب والتطبيق العملي في شوارع العاصمة، لذا فإن معظم إخواننا متواصلون بصومهم أيام شهر رمضان رغم واجباتهم الصعبة».

ويقول طلال محمد، أحد عناصر شرطة المرور، إنه يعمل لثماني ساعات يوميا في شوارع بغداد في تدقيق وثائق السيارات على جهاز إلكتروني برفقة دورية، مضيفا: «واجبنا يحتم علينا مواصلة العمل لفرض القانون والنظام». ويتابع محمد وهو يمسح العرق عن جبينه: «لا أستطيع الصوم طبعا بسبب حرارة الصيف الملتهبة».

مشتاق أنور، صاحب محل لبيع الأجهزة الكهربائية في منطقة البياع (غربي بغداد)، كان يقف بالقرب من دوش بسيط للمياه صنعه العامل عنده في بداية شهر رمضان، أمام بوابة محله، لأجل خدمة زائري السوق، وعن طرائف فكرته يقول: «معظم الناس يتوقفون هنا لأجل أخذ دوش ماء سريع يكون فيه الماء باردا نوعا ما، وأحيانا يعودون إليه بعد اكتمال تسوقهم لأخذ دوش آخر، والاغتسال طبعا يكون بكامل ملابسهم، وقد قلد فكرتي محال تجارية أخرى».

وأضاف: «بعض مستخدمي الدوش يزيد لي بالدعاء، وآخرون يحدثونني عن موافقات أمانة بغداد وحملتها للترشيد في استهلاك المياه، لكن أطرف ما سمعته كان من رجل طلب مني أن أوفر قرب الدوش (ليفة وصابونة) ليكمل حمامه السريع!!!».

واستدرك قائلا: «الدوش العمومي متاح للجميع، وأسعى من ورائه للتخفيف عن الصائمين، ومعظم مستخدميه طبعا من الرجال، إذ إن المرأة تتحرج الوقوف تحته بسبب طبيعة المجتمع العراقي المحافظ، لكن الفكرة تروق للجميع، بحسب ما أسمعه من تعليقات خلال مرورهم قربه».

وليست الدوشات العمومية وحدها ما يساعد المارة على التخفيف من حرارة الأجواء، بل تنتشر في بعض شوارع بغداد، وخصوصا أمام المقاهي، مبردات هواء عمومية هي أيضا، أو مراوح كبيرة تنفخ الهواء مع رذاذ المياه، غالبا ما تتجمع العائلات البغدادية ومجموعات الشبان يوميا بعد الإفطار إلى ساحات بغداد ومحال صنع المرطبات للهروب من حر الصيف وانقطاع الكهرباء الوطنية عن دورهم، للفوز بنسمات رطبة والجلوس تحت هذه المراوح المنعشة.

ومن داخل فرن الصمون بحي الأمين، ما زال الأسطى طه العامري (34 عاما) يواصل عمله في أيام رمضان، خصوصا قبل ساعات الإفطار بقليل لتوفير الصمون للعائلات العراقية، ويقول: «لعلنا نشوى هنا قبل أن تشوى قطع العجين، لكننا مستمرون في الصوم، وأحيانا نعمد إلى الإفطار بسبب الإعياء، ونحاول تعويضها في يوم آخر».

وعن طرق التخفيف من حرارة الأجواء قال: «بعض العمال يعمدون إلى رش بعضهم برشاشات المياه الصغيرة كي يرطبوا أبدانهم خلال ساعات الاستراحة والعمل، لكنه شكا من شدة العطش والحر في داخل الفرن لأنها أعلى بكثير من حرارة الأجواء في الخارج». واقترح على المعنيين في الجهات الرسمية أن تمنح العامل في أفران الصمون والخبر والمعجنات شهادة تقدير وجائزة لتحمله ساعات الحرارة أكثر من أي مهنة أخرى، واعتباره العامل المثالي بين جميع العاملين.