رمضان في اليمن نكهة خاصة

المسحراتي القديم يمارس دوره بشكل جديد عبر ميكرفونات المساجد

الأسواق تعج بالمتسوقين في رمضان
TT

المساجد تمتلئ والأسواق كذلك في شهر الصوم في اليمن. وفيه تزداد المساجد بهجة وبريقا وجلالا، وخلال أيام رمضان تمتلئ المساجد بمرتاديها من الشباب والشيوخ والأطفال والنساء حيث تزود المساجد بالمصاحف الجديدة التي يأتي بها الكثير من فاعلي الخير والمحسنين. وعندما يتيقن الناس أن رمضان قد دخل فإن المساجد تذيع الخبر بين الناس بترديد الأذكار والتراحيب والتراتيل الدينية الخاصة برمضان. تكتسي المساجد حلتها، وتمتلئ بالمصلين طالبي المغفرة والرحمة والعتق من النار. وفي وقت صلاة المغرب تمتلئ المساجد بالصائمين الذين يستعدون للإفطار بعد أن يكونوا قد أحضروا معهم أصنافا من التمر والوجبات الخفيفة والعصائر والمرطبات.

وبعد الصلاة يتجه الناس إلى بيوتهم لتناول الطعام في مائدة يمنية مميزة تشمل أصنافا يمنية خالصة من الطعام، وأخرى مأخوذة من دول كالهند وتركيا وغيرهما من الدول. وفي المطبخ اليمني هناك وجبتان تكاد لا تخلو منهما أي مائدة في عموم اليمن هما الشفوت والشربة، فالأولى مصنوعة من رقائق خبز خاص واللبن، والثانية مصنوعة من القمح المجروش بعد خلطه بالحليب والسكر أو بمرق اللحم حسب الأذواق، وهناك أيضا الكبسة والسلتة والعصيد والسوسي، وهي أفضل الوجبات لدى اليمنيين. أما حلويات اليمن الرمضانية فهي خليط من الحلوى اليمنية والهندية كبنت الصحن، والرواني، والكنافة، والعوامة، والقطائف، والشعوبية، والبسبوسة، والبقلاوة، التي انتقل الكثير منها من الهند إلى اليمن من خلال التبادل التجاري الذي شهده البلدان.

وكغيرها من البلدان العربية والإسلامية يتحول ليل رمضان إلى نهار، وتبدأ الليلة بصلاة التراويح التي يذهب إليها المصلون الذين تعج بهم المساجد، وبعدها يذهبون لتناول وجبة عشائهم بعد التراويح حيث تكون الوجبة الأولى خفيفة تحوي بعض الأطعمة الخفيفة كالشفوت والشربة وبعض الفواكه والخضار والإدامات. وبعد تناول الطعام تبدأ الأسواق بالمتسوقين الذين يخرجون لتبادل الزيارات والمشاركة في ليالي السهر الرمضانية التي يضفي عليها القات والبن نكهة يمنية خالصة. وفي الشوارع ليلا تفتح أبواب المحلات التجارية التي تعج بالرواد، وخصوصا خلال العشر الأواخر من رمضان، للاستعداد للعيد بالملابس الجديدة والهدايا اللازمة للكبار والصغار. كما أن المطاعم تفتح أبوابها كذلك مع قرب أذان المغرب للاستعداد لاستقبال الصائمين من المسافرين أو من المقيمين الذين يرغبون في التزود ببعض الوجبات من السوق لتسهيل المهمة على الزوجات في المطابخ. ويشتهر مطعم رمضان بوجباته اليمنية الشهية من المندي والمظبي، وأنواع اللحوم المغلية أو المشوية مع أطباق لذيذة من الأرز الذي يطبخ أحيانا مع اللوز والزبيب وبعض المكسرات التي تضفي على الصحن نكهة مميزة. كما أن بنت الصحن لها حضور مميز بعد تناول الطعام، وهي مكونة من رقائق من الخبز بنكهة السمن، الذي يسكب عليه العسل البلدي، والسبايا التي تتكون كذلك من شرائح الخبز المعجون بالسمن وبعض المواد التي تعطي للوجبة نكهة خاصة.

وللأطفال في رمضان حكاياتهم، فهم يتسابقون للصيام في سن مبكرة قبل أن يكون فريضة عليهم، وذلك لإثبات أنهم لم يعودوا صغارا، كما أن عامل التنافس وارد في صيام الأطفال، وبعضهم يصوم إلى منتصف النهار ثم يفطر، والبعض قد يتظاهر بالصيام إذا غلبه الجوع والظمأ ولجأ إلى الأكل والشراب. ويشاهد الأطفال الكثير من البرامج التلفزيونية والمسلسلات الرمضانية الخاصة بالأطفال، ويحضرون صلاة التراويح، وبعضهم يندمج في صفوف المصلين والبعض يذهب مع والده أو والديه ليلتقي أقرانه الذين يمارس معهم هواية الملاحقة التي لا تخلو من صرخة تحذير من بعض المصلين.

وعلى الرغم من أن ليالي السهر في رمضان تمتد أحيانا إلى وقت السحور، فإن المسحراتي القديم لا يزال يمارس دوره بشكل جديد، حيث قامت الميكرفونات الحديثة في المساجد مقام المسحراتي فيبدأ المؤذن في إيقاظ الناس للصلاة مع اقتراب موعد السحور بتلاوة عدد من الأذكار وبعبارات من مثل: «قوم يا صايم، اتسحر واعبد الدايم». ويتناول اليمنيون في سحورهم المشروبات والأطعمة التقليدية الخاصة بهم دون غيرهم من العرب والمسلمين، ومن تلك الأطعمة والأشربه: «الفول، الكعك، بنت الصحن، العصائر» وغيرها. وكما يحل شهر رمضان بالتراحيب والأناشيد لقدومه فإن رحيله يكون محزنا للنفوس التي تعلقت به وبشعائره من صيام وقيام وأكلات ولقاءات. ولدى المغادرة فإن ميكرفونات المساجد تبدأ إعلان رحيله بأناشيد فيها شوق إليه، فيردد المؤذنون في المساجد: «مودع مودع يا رمضان.. شهر الفضيلة وشهر الصيام».

لكن هذا الحزن تمحوه فرحة استقبال عيد الفطر المبارك، حيث تكتظ الأسواق في ليلة العيد بالمشترين الذين لم يشتروا بعد ملابس وحاجات العيد، وتعج المحلات التجارية بالرجال والنساء الذين يؤمونها للتزود بما يضفي عليهم البهجة في يوم العيد من مستلزمات الاحتفال بالعيد كالملابس والأكل والزيارات للأقارب والأصدقاء، كما أن إخراج زكاة الفطر يساعد الفقراء على مشاركة الناس فرحتهم بالعيد رغم ارتفاع الأسعار وضيق ذات اليد.