معركة قضائية حول موقع «فيس بوك»

جدل دستوري.. هل الإعجاب بشيء يدخل تحت حماية حرية التعبير؟

الانتهاء من تجهيز مقر الشبكة الاجتماعية «فيس بوك» في مينلو بارك بولاية كاليفورنيا («نيويورك تايمز»)
TT

دخل دانيل راي كارتر على موقع «فيس بوك» وفعل ما يفعله الملايين كل يوم؛ سجل «إعجابه» بإحدى الصفحات عن طريق النقر على الأيقونة الخاصة بالموقع التي يظهر فيها إصبع إبهام يشير إلى الأعلى. لكن المشكلة أن هذه الصفحة كانت تخص مرشحا منافسا لرئيسه في العمل، وهو قائد شرطة مدينة هامبتون بولاية فرجينيا.

ويقول كارتر إن تلك النقرة البسيطة على الفأرة جعلت قائد الشرطة يفصله من وظيفته كنائب له ووضعته في قلب جدل دستوري جديد حول ختم القبول الرقمي الشائع هذا؛ هل نقر علامة «أعجبني» لشيء على موقع «فيس بوك» يدخل تحت حماية حرية التعبير؟

وقام كارتر برفع دعوى قضائية يزعم فيها وجود مخالفة للحقوق المنصوص عليها في «التعديل الدستوري الأول»، ووصلت قضيته إلى «محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الرابعة». وهذا الأسبوع، أرسل كل من شركة «فيس بوك» و«الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» مذكرتين قانونيتين تؤيدان ما قالا إنه حق كارتر الدستوري في التعبير عن رأيه، ولمحا إلى احتمال أن تكون هذه القضية في طبيعتها تمثل سابقة يقاس عليها مستقبلا.

وقد ثارت موجة كبيرة من الاهتمام بهذه القضية بعد صدور حكم من إحدى المحاكم الابتدائية ينص على أن «الإعجاب» بإحدى الصفحات لا يضمن الحماية، لأنه لا يتضمن «تصريحات فعلية». ويخشى «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» وغيره من أن محكمة الاستئناف إذا أيدت هذا الحكم، فإن مجموعة كبيرة من أنشطة النقر بالماوس على الإنترنت، مثل إعادة النشر على موقع «تويتر» (عن طريق نقر زر لإرسال ما نشره شخص آخر على حسابك على موقع «تويتر»)، لن يندرج تحت حماية حرية التعبير.

وتقول ريبيكا غلينبيرغ، وهي مديرة الشؤون القانونية بفرع «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» في فرجينيا: «نرى أنه من المهم مع ظهور تقنيات جديدة أن يتم تفسير التعديل الدستوري الأول بطريقة تحمي تلك الطرق الجديدة في التواصل. إن ضغط زر (أعجبني) مشابه لأشكال التخاطب الأخرى، مثل أن تضع زرا على قميصك وعليه اسم أحد المرشحين».

ويظهر زر «أعجبني» في موقع «فيس بوك» إلى جانب أشكال كثيرة مختلفة من المحتوى على الموقع، من صور أطفال أحد الأصدقاء إلى صفحة إحدى المؤسسات إلى مقالات إخبارية، وعندما ينقر أحدهم على هذا الزر، يتم إرسال إعلان على صفحته الشخصية يقول إن هذا المستخدم أعجبه هذا الجزء من المحتوى، وعادة ما يظهر هذا الإعجاب أمام أصدقاء المستخدم على موقع «فيس بوك» أيضا. وتقول شركة «فيس بوك» إنه يتم تسجيل أكثر من 3 مليارات تعليق وإعجاب كل يوم.

ويعد هذا الجدل الدائر حول زر «أعجبني» مجرد مشكلة واحدة من المشكلات الشائكة الكثيرة التي تحيط بالإعلام الاجتماعي في أماكن العمل. ففي شهر أبريل (نيسان) الماضي، أعلن سلاح مشاة البحرية الأميركية أنه سيصرف رقيبا من الخدمة بسبب انتقاده للرئيس أوباما عبر صفحته على موقع «فيس بوك»، وذكر السلاح أن هذه الانتقادات تضمنت وضع وجه الرئيس على ملصق إعلاني لفيلم «جاك آس» (أي: الحمار). وفي الخريف الماضي، حكمت «الهيئة الوطنية لعلاقات العمل» بأن إحدى الجمعيات غير الهادفة للربح في نيويورك فصلت 5 عمال بشكل غير قانوني لانتقادهم زميلا لهم على الموقع. وصرحت الهيئة، وهي جهاز فيدرالي يرفع شكاوى متعلقة بالعمل نيابة عن العمال، بأن عدد القضايا التي تتضمن الإعلام الاجتماعي قفز من صفر إلى أكثر من 100 خلال 5 سنوات.

وقد بدأت متاعب كارتر في صيف عام 2009، وقت أن كان قائد شرطة هامبتون المخضرم بي جيه روبرتس يرشح نفسه لإعادة انتخابه في منصبه، وذلك بحسب الدعوى القضائية التي رفعت أمام المحكمة الفيدرالية في مدينة نيو بورت نيوز في مارس (آذار) عام 2011. ونما إلى علم روبرتس أن بعض موظفيه، ومن بينهم كارتر، يساندون بقوة مسؤولا آخر ذا رتبة عالية في مكتب قائد الشرطة، وهو جيم آدامز، في تلك الانتخابات.

وطبقا لسجلات المحكمة، فقد سجل كارتر إعجابه بالصفحة الخاصة بحملة آدامز على موقع «فيس بوك»، وعندما علم روبرتس بما يدور على الموقع، «استشاط غضبا»، وطلب عقد اجتماع مع موظفيه، وتقول أوراق القضية إنه أخبرهم بأنه سيظل قائدا للشرطة «طوال ما أريد ذلك»، وبعد الاجتماع، اقترب روبرتس من كارتر وقال له: «لقد حفرت قبرك بيديك. بعد الانتخابات، أنت مفصول».

وبعد نحو شهر من إعادة انتخاب روبرتس، تم فصل كارتر و5 موظفين آخرين ساندوا آدامز أو لم يشاركوا فعليا في حملة تأييد روبرتس، طبقا لما جاء في القضية، التي تضم الموظفين الآخرين كأطراف فيها. ولم يرد كارتر ومحاموه على مكالمات بغية الحصول على تعليقهم.

وفي الملفات التي قدمت ردا على القضية، شكك محامي روبرتس في رواية كارتر للأحداث، وقال إن قرارات الفصل لم تكن مدفوعة بأسباب سياسية. ولم يرد المحامي على مكالمة للحصول على تعليقه، كما لم يمكن الوصول إلى روبرتس.

وذكر محامي قائد الشرطة في هذه الملفات: «كل قرارات التوظيف التي تضمنت المدعين كانت دستورية وقانونية وليست ناتجة عن أي غرض أو دافع غير سليم، وليست انتقاما من التعبير عن الرأي السياسي». وقال روبرتس إن بعض نوابه المفصولين كان أداؤهم في العمل غير مرض، ومشاركتهم في الحملة عطلت سير العمل.

وأصدر القاضي المحلي رايموند جاكسون حكما مستعجلا ضد كارتر والمدعين الآخرين في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وفي حيثيات حكمه على ادعاءات كارتر، رفض الطرح القائل إن زر «أعجبني» على موقع «فيس بوك» هو تعبير عن الرأي يحميه الدستور. وكتب جاكسون: «مجرد (الإعجاب) بصفحة على موقع (فيس بوك) لا يعد تعبيرا كافيا يستحق حماية دستورية. في القضايا التي وجدت فيها المحاكم أن الحماية الدستورية تمتد لتشمل منشورات على موقع (فيس بوك)، كانت هناك تصريحات فعلية ضمن الأوراق».

وقد أبدت شركة «فيس بوك» اعتراضها على هذا القرار، مؤكدة في الملفات التي أرسلتها أن عمليات الإعجاب هي «المقابل الحديث في القرن الحادي والعشرين للافتة التأييد المعلقة أمام المنزل» (ومن الجدير بالذكر أن رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «واشنطن بوست»، دونالد غراهام، هو عضو في مجلس إدارة شركة «فيس بوك»).

كما أثار قرار جاكسون انتقادا من بعض الخبراء القانونيين، فقد ذكر يوجين فولوك، وهو أستاذ قانون في «جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس»، أن فصل الموظفين الحكوميين بسبب التعبير عن رأيهم في أمور الشأن العام أمر غير دستوري على وجه العموم.

وأشار إلى أن هناك بعض الاستثناءات، مثلما يحدث عندما تكون الانتماءات السياسية لموظف في منصب كبير ذات صلة بالوظيفة، أو إذا أدى التعبير عن الرأي إلى تعطيل سير العمل بدرجة كبيرة أو التأثير على ثقة الشعب في الهيئة الحكومية.

وأوضح فولوك أنه في حالة مكتب قائد الشرطة، فقد قلب جاكسون سابقة لها جذور عميقة في القانون الأميركي. وأضاف: «إن الأساس المنطقي الذي استند إليه القاضي بأن علامة (أعجبني) على موقع (فيس بوك) لا تعد تعبيرا كافيا يجانبه الصواب، فالتعديل الدستوري الأول يحمي التصريحات القصيرة جدا بقدر ما يحمي التصريحات الطويلة جدا، بل ويحمي حتى التعبير الرمزي، مثل حرق علم».

وأكد فولوك، مثل «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، أن الإعجاب يشبه وضع ملصق كبير على سيارة، وبالتالي ينبغي أن تتوفر له الحماية، ورجح أن تلغي الدائرة الرابعة حكم القاضي المحلي، ولكن إذا لم تفعل، فسوف تكون لحظة فارقة.

وختم فولوك قائلا: «إذا اتفقت الدائرة الرابعة مع القاضي (في أن الإعجاب ليس تعبيرا يدخل تحت الحماية) فسوف يكون ذلك بمثابة إلغاء للسوابق. سوف يكون أمرا مثيرا للاهتمام أن نرى ما ستفعله المحكمة العليا مع هذا القرار».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»