47 لوحة من 20 بلدا في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة

آيات قرآنية وكنوز أدبية تتألق في ظل جماليات «الحروفية» والزخارف الإسلامية

أثناء افتتاح المعرض
TT

تحتضن جمعية الإمارات للفنون التشكيلية معرض الخط العربي السنوي في دورته الـ31 في الشارقة منذ 2 أغسطس (آب) وحتى نهاية هذا الشهر. ويجسد هذا المعرض تجارب فنية في فعاليات وبرامج وأنشطة دورية لورش حية ومعارض جماعية وأخرى شخصية، تتيح من خلالها الفرصة للاطلاع على جماليات الخط العربي بمختلف مدارسه وأساليبه. وتم افتتاح المعرض السنوي للخط العربي، ضمن برنامج رمضان، حيث حضر الافتتاح المهندس وليد الزعابي، مدير إدارة الفنون والتراث في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في الشارقة، وكذلك ناصر عبد الله، رئيس مجلس إدارة الجمعية ومجموعة كبيرة من المهتمين بفنون الخط العربي، وشارك في المعرض 47 لوحة لخطاطين يتحدرون من 20 بلدا، تتنوع ما بين الخط الكلاسيكي و«الحروفيات»، وتم توزيع جوائز لأفضل 3 مشاركات وجائزتي لجنة تحكيم.

أهم الفنانين المشاركين: أميد رباني، وجميلة خالد، وحاكم غنام، وحسام عبد الوهاب، وخالد نفيسي، وخليفة الشيمي، وزيد أحمد أمين، وسمية علي مصطفى، وعبد الرزاق المحمود، وعدي الأعرجي، وعلي الأميري، وعلي عبد الله الحمادي، وفاطمة محمد عبد الرحيم جوري، ومحمد فاروق الحداد، ومحمد نباتي، ومصعب الدوري، ومؤمن الشرقاوي، وندى باقر، وهيا الكتبي، ومنيب أحمد مولود الأحمد. أو إذا استثنينا أميد رباني، ومحمد نباتي (إيران) وخالد نفيسي (باكستان) وعلي عبد الله الحمادي (جزر القمر) فإن البقية يتحدرون من مصر والعراق وسوريا والإمارات.

يأتي المعرض الحالي كأحد المعارض الرئيسية التي تقيمها جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة من خلاله نخبة من أعمال الخطاطين عملوا سنوات طويلة في الإبداع الخطي من خلال تجاربهم الفنية والروحية بكتابة الآيات القرآنية وكنوز الأدب العربي في صياغة جمالية تنفرد بها اللغة العربية.

وبهذه المناسبة، منحت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية الجوائز التقديرية للخطاطين المشاركين منهم أسماء الخطاطين الـ3 الذين كانت أعمالهم الأكثر تميزا، وهم: محمد فاروق الحداد المركز الأول، وحاكم غنام المركز الثاني، وخالد نفيسي المركز الثالث. كما منحت لجنة التحكيم التي ضمت 3 محكمين جائزة تقديرية لكل من أميد رباني وعبد الرزاق محمود. واعتمدت المعايير التي استندت اللجنة إليها في اختيار الأعمال الأكثر تميزا على 3 محاور هي: موضوع العمل الفني، وتقنية التنفيذ، وجماليات الخط المستخدم. وبالنسبة للخطاط السوري محمد فاروق الحداد فقد اتجه إلى الخط العربي مبكرا، بعد دراسته الطب، وتعلم أصوله وقواعده وطرزه على يد الخطاط المعلم عدنان الشيخ عثمان. وهو يجمع بين الزخرفة والخط بدقة وجمال. ويقوم بتنفيذ لوحاته على خط جلي ديواني، وثلث جلي مركب، ويقدم تكوينات لافتة من خطوطه تتميز بالجدة والحركة الجميلة والإيقاع المدروس بدقة، بحيث يخرج في النهاية بعمل فني متكامل العناصر التشكيلية والتعبيرية إلى جانب محافظته على الأصول والقواعد.

وحاكم الغنام، الذي درس في معهد الدراسات الفنية ببغداد وتعلم الخط في وقت مبكر حسب أصوله الكلاسيكية المرتبطة بالزخرفة، تبدو أعماله الخطية أقرب ما تكون إلى المدرسة الإيرانية منها إلى الخط العربي، إذ تتسم خطوطه بالدقة والخبرة والموهبة، فهو يمتلك وسائل تعبيره بشكل جيد، ويمارسها بأصولها التقليدية الرصينة، كما جاءت من رواد الخط العربي الكبار أثناء مراحل التاريخ الإسلامي المختلفة.

أما علي الحمادي من جزر القمر، فاعتمد في لوحاته على التكوين الهندسي الإسلامي ليشكل من الحروف وحدة زخرفية يتجلى فيها جماليات الخط الشرقي بكل ما يحمله من معان وقيم. بينما يعتمد الخطاط السوري عبد الرزاق على تصوير البسملة والآيات القرآنية من خلال التركيز على التكوين وعلاقته بالفراغ والحجم والتشكيل. أما الخطاط عبد الرزاق المحمود، فيستخدم الخط الديواني وخط إجازة والثلث الجلي والخط الديواني الجلي، ويلجأ الخطاط خليفة الشيمي إلى الخط الديواني القابل للتشكيل والمطواع بين أنامه، بينما يمزج علي عبد الله الحمادي بين الخط الكوفي الحديث وهندسة العمارة والحروفية في تناغم ساحر.

أما الخطاط أوميد رباني فيقدم مشقا رائعا (نستعليق) استعارها من الأساتذة المبدعين في هذا الخط المتفرد. بينما يذهب الخطاط مصعب الدوري إلى فن الزخرفة بنوعيه؛ النباتي الذي استخدم في تزيين المصاحف وزخرفة المباني، والهندسي الذي استخدمه المغاربة. يشار إلى أن محمد نباتي من الذين يمتلكون القدرة على التنقل بين فني الخط والزخرفة بمهارة تتضح في أعماله الملتزمة باستلهام النمط الفارسي ومكونات الزخرفة الكلاسيكية العريضة والدقيقة، وكذلك في قدرته على اختيار الألوان والوحدات التشكيلية وتوزيعها في تناغم يتوافق مع بناء لوحته التشكيلية.

ويركز غالبية الخطاطين المشاركين في هذا المعرض على استخدام العبارات الجاهزة التي ترسخت في الذاكرة العربية بمرور القرون، مثل الخطاط عدي الأعرجي الذي يخط «وفوق كل ذي علم عليم وهو الرحمن الرحيم»، وخليفة الشيمي «شغلت قلبي عن الدنيا»، وعلي الأميري «هلال» الرحمن، وهكذا بالنسبة لبقية الخطاطين حيث يقدمون هذه الكنوز والحكم العربية والإسلامية في لوحاتهم الخطية، ممزوجة بالألوان، وبهندسة الأدوات المستخدمة في صياغتها. وهنا يقدم الخطاط عالما جديدا من التشكيل، ويحافظ كل منهم على بصمته الخاصة. ويمكن القول، إن معظم اللوحات، إن لم يكن جميعها تستوحي مناخاتها الروحانية من الآيات القرآنية الكريمة، أو عبارات مختارة من الأدب العربي، من خلال استفادتها من جماليات الحرف العربي، والزخرفة الإسلامية، في صياغة فنية إبداعية جديدة، تتوافق مع رؤية العصر، ومن هنا لا يأتي التذوق الجمالي لهذه اللوحات جزافا سوى في الرؤية البصرية العربية أو الأجنبية.

وتسعى جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، التي تأسست في عام 1980 داخل بيت أثري عمراني قديم وجميل وأصبحت الآن مؤسسة كبيرة، (وهي عضو في الجمعية الدولية للثقافة والفنون بباريس وعضو اتحاد التشكيليين العرب)، إلى رعاية المواهب الفنية من خلال إقامة المعارض الشخصية والجماعية للفنانين الإماراتيين والعرب. كما تسهم في تأسيس وتفعيل الفنون البصرية وتطويرها بمختلف تياراتها وأساليبها. ولعل هذا المعرض السنوي الذي يواصل دوره في تعريف المتلقي بالمنجز الفني، وتفعل الحراك فيه منذ 31 عاما هو خير دليل على استمراريتها كمؤسسة فاعلة. ومما لا شك فيه، أن اللوحات الخطية في مجموعها، تبدو وكأنها تعمل على تنويعات مختلفة من خلال استخدام الحرف العربي، جوهر الخط، ومركز ثقل هذا المعرض الذي يبدو معرضا جماعيا وشخصيا في آن واحد، لأن التميز واضح عند كل خطاط، رغم اشتراكهم في أرضية واحدة هي الحرف العربي.

من خلال جولتنا في أروقة هذا المعرض المهم، تتجلى حقيقة أن اللوحات المعروضة، تسعى إلى تجسيد جماليات الخط العربي من الثلث والنسخ إلى الجلي ديواني والتعليق، والزخارف المذهبة وجماليات اللون عبر رؤية عصرية، ما يجعلها تجمع الحرف العربي وخطوطه من الألف إلى الياء، مستشرفة في ذلك آفاق الخط العربي وإمكانياته اللامتناهية في الإبداع، بفضل فرادة اللغة العربية وتميزها بوصفها لغة القرآن من بين جميع لغات العالم.