فرنسا تحتضن معرضا لأزياء نجمات السينما العالمية

يوم فرضت الممثلة مارلين ديتريش مصمم ثيابها الفرنسي على هيتشكوك

مارلين ديتريش بفستان من تصميم ديور
TT

في بقعة مطرزة بالخضرة تقع في «غرانفيل»، على الساحل الشمالي الغربي لفرنسا، فتح متحف «كريستيان ديور» أبوابه لمعرض يجمع باقة كبيرة من الفساتين التي ارتدتها نجمات السينما في عدد من أشهر أفلام هوليوود، وكانت كلها من توقيع المصمم الفرنسي الذي أرسى مفهوم «الخياطة الراقية» وما زالت داره في باريس تعيش على اسمه وأمجاده.

هذا المتحف، هو منزل مشيد على النمط المعماري لمنطقة النورماندي ويحمل اسم «فيللا رومب»، وهو البيت الرحب الذي ولد فيه كريستيان ديور (1905 - 1957) وعاش فيه طفولته وصباه حتى انتقاله إلى العاصمة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. وبعد وفاته في إيطاليا، تم تحويل البيت إلى مقر يجمع تراث الخياط والمصمم الكبير الذي كانت إحدى العرافات قد تنبأت له بأنه سيجمع ثروة بفضل النساء.

نساء ديور كن من المترفات، أميرات وسليلات عائلات أوروبية نبيلة وشيخات من دول الخليج ووارثات ثريات وزوجات لصناعيين كبار من ألمانيا واليابان وبريطانيا والأرجنتين. لكن كل تلك الفساتين الباذخة لم تنتشر على صفحات المجلات إلا بفضل نجمات السينما اللواتي كن يجدن في تصاميم ديور لمسة من الأناقة الباريسية التي لا تضاهى. ولم يكن غريبا، في خمسينات القرن الماضي، أن تقرر ممثلات مثل الألمانية مارلين ديتريش أو الأميركية غريس كيلي أو الإيطالية جينا لولوبريجيدا إضافة بند إلى عقودهن السينمائية ينص على أن يتولى ديور تصميم الثياب التي سيرتدينها في الفيلم.

جاءت فكرة المعرض الذي يستمر حتى 23 من الشهر المقبل، انطلاقا من العلاقة الطبيعية بين أسلوب المصمم الفرنسي وبين ما تتطلبه السينما من إطلالة بهية وباهرة لبطلات الأفلام. لقد كانت زبوناته من الممثلات الشهيرات، وهن قد أدركن الأثر الذي يتركه دخول الواحدة منهن إلى حفل أو مناسبة مهمة وهي تجر خلفها أذيال فستان للسهرة يشد خصرها ويشي باستدارة كتفيها. تقول إحدى المساعدات اللواتي عملن مع «المعلم ديور» إن الثوب، في السينما، ليس مجرد قطعة ثانوية بل كان يمتلك حركته وحضوره داخل المشهد مثل أي عنصر من عناصر الدراما. إن الفستان أو المعطف يؤطر جسد الممثلة وتفاصيله تتحرك مع حركتها وألوانه تنسجم مع ديكورات المشهد وتضفي معاني جديدة على الموقف.

في ثلاثينات القرن الماضي، ومع اكتشاف استوديوهات هوليوود الأميركية لسحر نجمات أوروبيات من نوع مارلين ديتريش وزميلتها السويدية غريتا غاربو، ولد مفهوم «الغلامور» للمرة الأولى. إنه البريق أو المظهر اللامع الباهر الذي يستحوذ على الأنظار ويخطف الألباب. وهو أيضا فن تحويل الممثلة من امرأة عادية إلى نموذج متميز تسعى لتقليده كل النساء. وطبعا فإن التحول كان يعتمد على نوعية الثياب والزينة وتسريحة الشعر وطريقة المشية والضحكة والكلام.

مع ظهور السينما الناطقة تغير كليا مفهوم النجومية. وقد ذهبت ديتريش إلى كريستيان ديور، أواخر الأربعينات، لتطلب مساعدته في تجديد صورتها الشائعة عنها من خلال أفلامها السابقة، فقد كانت تستعد لدور كبير ومهم في فيلم يدعى «رهبة المسرح» مع الممثل جون وين، ومن إخراج ألفريد هتشكوك. وكانت هي أول نجمة تفرض مصمم ثيابها على مخرج فيلمها. وهناك جملة شهيرة تنقل عنها وجهتها إلى هيتشكوك هي «نو ديور.. نو ديتريش»، أي أنه لن يحصل على ديتريش من دون أن يوافق على ديور. وفيما بعد حذت حذوها نجمات سعين لطلب المظهر الأنيق من شيخ مصممي باريس، مثل ريتا هيوارث وآفا غاردنر وإليزابيث تايلور وصوفيا لورين ومارلين مونرو. وبلغ عدد الأفلام التي ظهرت فيها تصاميمه أكثر من 90 فيلما. وفي مرحلة لاحقة، بعد رحيل رب الدار وانتقال التركة إلى تلاميذه من المصممين الجدد، أمثال إيف سان لوران، استمرت الفساتين التي تحمل توقيع «ديور» في إضاءة الشاشات مع ممثلات من الجيل التالي مثل بريجيت باردو وإيزابيل أدجاني وشارون ستون وماريون كوتيار. وبينهن من تعانق تلك التصاميم في الحياة اليومية، فضلا عن الشاشة.

وبناء عليه، فإن المعرض يتألف من 3 أقسام، الأول مخصص للثياب التي ارتدتها الممثلات في الحياة العامة، والثاني لثياب الأفلام، والثالث وهو الأروع، خاص بتلك الفساتين التي دشنتها النجمات في حفلات افتتاح المهرجانات العالمية ومراسم توزيع «الأوسكار» أو «الغولدن غلوب».

إن الفساتين المعروضة تقف شواهد على زمن مضى أو يكاد ينقضي. إن الثوب الأنيق لا يتخلى عن مهمة إضافية هي الاستعراض. وكأن المصمم كان يضع في باله، وهو يرسم كل خط أو ثنية أو تفصيل صغير، أن صاحبة هذا الفستان يجب أن تظهر مختلفة عن الجو العام وأن تبهر المصورين والجمهور. ولو أردنا إحصاء فساتين «ديور» التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية لضاع الحساب. إن المعرض يكشف لنا عن أن كريستيان ديور صمم ثياب 8 أفلام قبل أن يؤسس داره الخاصة به، عام 1947، ويقدم أول عرض لأزيائه. كما أن سره يكمن، ليس في موهبته وحدها، بل في إخلاصه للمهنة وإتقانه لعمله وأخذه على محمل الجد. وهو لم يقطع مع التقاليد الفرنسية المتوارثة في الأزياء، بل حاول أن يقدم صورة جديدة (نيو لوك) تستلهم ثياب البلاطات الملكية وفي الوقت ذاته تستفيد من اتجاهات الحياة المعاصرة.