إجماع على أن «لندن 2012» كانت من أنجح دورات الألعاب الأولمبية في تاريخها

ريو دي جانيرو مدينة عليها الاستعجال والاستعداد لاحتضان أولمبياد 2016

مشهد من الحفل الختامي لاولمبياد لندن 2012 مساء أمس (رويترز)
TT

في الأمس اختتمت رسميا الدورة الأولمبية «لندن 2012» بعد توزيع آخر ميدالية ذهبية، باحتفال شارك فيه عدد من الفنانين البريطانيين وتسليم العلم الأولمبي إلى ريو دي جانيرو المدينة التي ستستضيف دورة الألعاب المقبلة في 2016. وحسب التقليد، دشن يوم الاختتام بالماراثون الذي بدأ وانتهى في الجادة التي تؤدي إلى قصر باكنغهام. وآخر ما شهدته الألعاب الرياضية كان كالعادة المباراة الخماسية الحديثة للسيدات. ووزعت آخر خمس ميداليات في هذه الدورة.

وشارك عدد كبير من الفنانين البريطانيين في هذا الاحتفال الذي جرى في غياب الملكة إليزابيث الثانية التي تمضي عطلة في بالمورال في اسكتلندا. واستمر العرض لساعتين و45 دقيقة بينها أكثر من ساعة من الموسيقى. ولم يمر الرياضيون في وفود للدول التي يمثلونها كما جرى في الافتتاح، بل في مجموعة واحدة وراء العلم الأولمبي فيما يرمز إلى اتحاد الأمم بروح الألعاب الأولمبية.

وسلم العلم الأولمبي إلى ريو دي جانيرو التي ستستضيف دورة الألعاب المقبلة في 2016.

وبعد ذلك أعلن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية جاك روغ انتهاء أولمبياد لندن رسميا ثم تم إطفاء الشعلة الأولمبية التي بقيت تضيء الاستاد 16 يوما.

ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية افتتحت رسميا في 28 يوليو (تموز) دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في الملعب الأولمبي في لندن، والذي سيحمل اسمها بعد ذلك.

وحضر حفل الافتتاح الذي قدرت كلفته بـ27 مليون جنيه إسترليني، أكثر من ثمانين ألف متفرج تقدمتهم أكثر من سبعين شخصية سياسية ورياضية في المنصة الرئيسية بينما تابعه جمهور قدر بنحو مليار نسمة حول العالم.

ورفع الرياضيون المشاركون وعددهم عشرة آلاف و490 رياضيا ورياضية، شعار الألعاب الأولمبية الشهير «الأسرع.. الأعلى.. الأقوى» في المنافسات ووزعت نحو 900 ميدالية منها 302 ذهبية في 28 لعبة معتمدة رسميا في الألعاب. وشهدت الدورة أيضا مشاركة 205 دول وهو رقم قياسي.

وأقيمت المباريات في 34 منشأة رياضية على امتداد بريطانيا تسع منها في المجمع الأولمبي (شرق لندن) الذي استغرق بناء الملعب الذي يتوسطه ثلاث سنوات واستخدم في إنجازه عشرة آلاف طن من الفولاذ.

مع حفل الافتتاح الباهر والناجح، والمكلف أيضا، لدورة الألعاب الأولمبية في بكين قبل أربع سنوات ساور البريطانيين الشك بأن استضافتهم للدورة 2012 (المنعقدة حاليا) قد يظهر عجزهم ولن يكون بنفس مستوى التنظيم الصيني. ومع أن بريطانيا استضافت الدورة مرتين سابقا، عام 1908، وعام 1948، فإن التوقعات لهذه الدورة مختلفة عن السابق، إذ إن استضافتها للدورتين السابقتين جاءت لظروف استثنائية دولية (كارثة ثوران بركان فيزوف في إيطاليا والثانية بسبب الحرب العالمية الثانية) ولهذا لو حدث أن تهاونت أو قصرت في تلك الفترة فلن تلام على ذلك لأنها لم تعط فترة طويلة ومناسبة للتحضير.

العاصمة البريطانية هي المدينة الوحيدة في العالم التي احتضنت الألعاب الأولمبية ثلاث مرات (1908 و1948 و2012).

الدورة الحالية من الناحية التنظيمية والأمنية فاقت كل التوقعات وسارت الأمور على أحسن ما يرام. قبل أسابيع من بداية الدورة والإعلام البريطاني يتناول الأمور بسلبية ويزيد من مخاوف الناس - من شبكة الصواريخ الدفاعية التي نصبت على أسطح مدينة لندن خوفا من أعمال إرهابية مثل تلك التي حدثت في نيويورك إلى إنزال الجيش من أجل حفظ النظام واكتظاظ لندن بالسيارات والمارة وحتى الطقس السيئ الذي كان سيزيد الطين بلة.

لكن الدقة في التنظيم وأجواء التآخي والتسامح التي سادت لندن خلال الأسبوعين الماضيين أثبتت أن الرياضة يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا في العلاقات الاجتماعية، وحتى العلاقات الدولية والعرقية، وهذا ما استشفه معظم المراقبين من إعلاميين وغيرهم ممن حضروا وشاهدوا النشاطات المختلفة خلال الفترة السابقة، وهذا ما صرح به هؤلاء في تقاريرهم الإعلامية.

سر نجاح الدورة هو الشروع في عملية التخطيط منذ عام 2005 فور إعلان فوز لندن باستضافة البطولة. ولأول مرة استقطبت الدورة آلافا وآلافا من المتطوعين للعمل مجانا من أجل إنجاح الدورة وفي شتى الميادين. في وسط لندن ترى مجموعات من خلفيات عرقية مختلفة تقف على تقاطع الطرق تقدم النصح والإرشاد للمارة وتوجههم إلى الأماكن التي يقصدونها.

وبدأ الكلام الآن عن استعدادات مدينة ريو دي جانيرو التي ستستضيف الدورة القادمة للألعاب.

تحمل ريو دي جانيرو، التي تخلط بين الروعة والجرأة من جهة والفوضى والعنف من جهة أخرى، رسميا ابتداء من اليوم صفة المدينة الأولمبية مع تحد يكمن في النجاح خلال 4 سنوات باستضافة أول ألعاب أولمبية في أميركا الجنوبية.

وتؤكد اللجنة الأولمبية البرازيلية وبلدية ريو دي جانيرو أنها مطمئنة إلى هذا الأمر وأن الأعمال استعدادا لذلك قد بدأت، لكن يبقى أن تبنى عمليا المدينة الأولمبية بكاملها والمجمع الأولمبي ومنشآت أخرى.

ويتركز التحدي في الدرجة الأولى على أن قسما من هذه الأعمال يجب أن ينتهي قبل كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها البرازيل عام 2014.

وصرح منشئ موقع «ماكينة الرياضة» على شبكة الإنترنت المتخصص بالأعمال الرياضية اريك بيتينغ لوكالة وكالة الصحافة الفرنسية قبيل اختتام الأولمبياد الحالي في لندن: «الآن بدأنا نشعر بتعقيدات تنظيم حدث بحجم الألعاب الأولمبية، ولم نكن في السنوات الثلاث الماضية قلقين بشأن بناء المدينة الأولمبية والبنى التحتية اللازمة والضرورية».

وأكد مدير عام اللجنة المنظمة البرازيلية ليوناردو غرينر مؤخرا أن النقل والقدرة الاستيعابية للفنادق غير مؤهلة وغير كافية في ريو دي جانيرو وهي المواضيع التي تقلقه أكثر من أي أمر آخر.

وتتوقع «المدينة الرائعة» المشهورة بكرنفالها السنوي وبموقعها الطبيعي المميز استقبال مليون زائر خلال الألعاب الأولمبية، لكنها لا تستطيع أن تقدم لهم أكثر من 34 ألف غرفة في الفنادق شرط أن تبني في السنوات الأربع المقبلة 10 آلاف غرفة.

وبدأت السلطات المحلية العمل لزيادة طول خط المترو الذي يوصل إلى بارا دا تيجوكا، إحدى ضواحي ريو دي جانيرو الواقعة على بعد 40 كلم عن وسط المدينة والموصولة بخط واحد يشهد ازدحامات كثيفة على مدار السنة.

وستقام المدينة الأولمبية والمجمع الأولمبي في هذه الضاحية حيث تقام أكثر من نصف الألعاب، ووعدت السلطات بتشغيل 4 خطوط سريعة للحافلات تستخدم الممرات المخصصة للوصول إلى الألعاب.

ورأى الاقتصادي في معهد الاستثمار الاقتصادي التطبيقي كارلوس كامبوس أن «هناك تأخيرا بشكل عام في إقامة الأبنية والمنشآت والحكومة تعترف بأن قسما منها لن يشيد قبل مونديال 2014 والكثير منها حتى الألعاب الأولمبية 2016».

من جانبه، أوضح ليوناردو غرينر أن نحو 47 في المائة من المنشآت الرياضية اللازمة لهذا الغرض موجود حاليا ويعود بعضها إلى الألعاب الأميركية التي استضافتها البرازيل عام 2007، وسيكون 28 في المائة منها جديدا و25 في المائة كمدرجات تقام على شاطئ كوباكابانا من أجل لعبة الكرة الشاطئية ستكون مؤقتة. وأكد عمدة ريو دي جانيرو إدواردو باييس المرشح لولاية جديدة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أن المدينة ضمن المهل المحددة «مع هامش مناورة يسمح لنا بالوفاء بالتزاماتنا في إنهاء الأعمال في وقت كاف قبل الألعاب».

ويتوقع ملف ترشيح ريو دي جانيرو استثمار 28 مليار ريال (14.4 مليار دولار تقريبا) يضاف إلى 5.6 مليار ريال من اللجنة المنظمة و23.3 مليار ريال من البنوك العامة أو الخاصة.

وتكمن النقطة السوداء في العنف الذي ينغص أحيانا حياة 6.5 مليون مواطن في مدينة ريو دي جانيرو، ورغم التحسن الكبير الطارئ على هذا الملف، فإن نحو 150 من الأحياء الفقيرة من أصل 750 تم تفتيشها منذ 2008 من قبل الشرطة والجيش بحثا عن مهربي المخدرات الذين يسيطرون على هذه الأحياء سيطرة شبه تامة.

ويؤكد الباحث في مختبر تحاليل العنف في جامعة ريو دي جانيرو الحكومية إغناسيو كانو «تبقى ريو دي جانيرو مدينة عنيفة جدا مقارنة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وفي القارة الأميركية الجنوبية تعتبر كاراكاس عاصمة فنزويلا الأكثر عنفا».

نجاح ألعاب لندن شجع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس الأحد على أن يكلف رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد لندن 2012 اللورد سيباستيان كو بمتابعة «ما بعد الألعاب». وأعلن كاميرون لتلفزيون «بي بي سي» أنه عين سيباستيان كو (55 عاما) حائز 4 ميداليات أولمبية في الدورات السابقة، «سفيرا لما بعد الألعاب».

ومن مهمات اللورد كو بحسب التعيين الجديد أن يقدم النصح والمشورة لرئيس الوزراء حول انعكاسات الألعاب التي قدرها كاميرون نفسه بنحو 13 مليار يورو على مدى 4 سنوات.

وقال كاميرون: «سيباستيان كو ساهم بشكل واضح وكبير في نجاح أفضل الألعاب على الإطلاق، والآن أريد أن يساعدنا على تأمين أفضل إرث لهذه الألعاب».

وسيكون على كو أن يجسد النجاح الرياضي في المجال الاقتصادي من خلال جذب المشاريع والاستثمارات في فترة حرجة اقتصاديا حيث تغرق بريطانيا في ركود شديد مع تراجع للناتج الداخلي الخام بنسبة 0.7 في الثلث الثاني من هذا العام. وأعلن كاميرون إدخال الرياضة إلى المدارس كمادة إجبارية وإقامة المنافسات بين المدارس.

واغتنم كاميرون وجود عدد كبير من ممثلي دول العالم في لندن لحضور دورة الألعاب الأولمبية لمطالبتهم بتحرك دولي لإنقاذ 25 مليون طفل، خلال السنوات الأربع المقبلة، من الإصابة بالتأخر في النمو بسبب سوء التغذية. ووجه رئيس الوزراء البريطاني نداء إلى الدول الكبرى لتوحيد جهودها من أجل مكافحة الجوع وسوء التغذية حول العالم.

وتعقد «قمة الجوع» في مقر رئيس الوزراء البريطاني 10 داوننغ ستريت ويشترك في رئاستها البرازيلي ميشال تريمر الذي تستضيف بلاده الدورة المقبلة من الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو.

وبالنسبة إلى كاميرون فإن «هذه مأساة لهم ومأساة للمجتمعات التي يعيشون فيها. أطفال مهملون بإمكانهم أن يكبروا ويصبحوا أطباء وممرضين ومهندسين ورجال أعمال أو حتى رياضيين أولمبيين كبارا».