تطوير تقنيات جديدة للرؤية من خلال الجدران

تستخدم في التعرف على أماكن الأفراد الموجودين بالمبنى فور وقوع الكوارث وفي التصوير الطبي الحيوي

TT

لم تعد الرؤية عبر الجدران تدخل ضمن مجال الخيال العلمي، فقد أصبحت حقيقة واقعة بفضل التطورات الجديدة الحالية في العلوم والتقنيات الحديثة، وسوف تكون لها آفاق واعدة في كثير من التطبيقات الطبية والعسكرية والعلمية وفي عمليات الإنقاذ فور وقوع الكوارث.

فوفقا لما نشر على موقع «جمعية البصريات الأميركية»، في السادس من أغسطس (آب) الحالي، تمكن فريق بحثي أميركي، من تطوير نظام ليزري يعيد بناء الأجسام المخفية عن الأنظار، فمن خلال الجمع بين الفوتونات المرتدة (جسيمات ضوئية) مع بصريات متقدمة، تمكن الباحثون من رؤية صورة ثلاثية الأبعاد (3D) من الأشياء المخفية حول الأركان، وقال الباحثون إن هذه التقنية الجديدة سوف يكون لها تطبيقات واعدة في الإنقاذ فور وقوع الكوارث وفي التصوير الطبي الحيوي، وقد نشرت نتائج الدراسة في عدد 13 أغسطس الحالي من مجلة (Optics Express)، التي تصدرها «جمعية البصريات الأميركية».

يوضح الباحث أونكريست غوبتا، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي، والمؤلف الرئيسي للدراسة، أنه: «عندما ترتد الفوتونات كجسيمات ضوئية، قبالة الجدران وأسفل الممرات وحول الأركان، يمكننا استخدام البيانات عن الوقت الذي أخذته أثناء التحرك والارتداد مرة أخرى، للحصول على معلومات هندسية عن الأشياء المخفية».

يقول الباحثون إن، استخدام كل من البصريات المتقدمة في شكل الليزر فائق السرعة، وكاميرا ثنائية الأبعاد من نوع (streak camera)، يعملان على إدارة تريليونات من الدورات في الثانية الواحدة، وقد تم استغلال ذلك في القدرة على التقاط الملايين من الصور في الثانية الواحدة، وإثبات قدرة هذه التكنولوجيا على رؤية الأشياء من خلال تحليل حركة الضوء حول الأركان أو من خلال زجاجة مياه.

والكاميرات من نوع «streak»، تختلف عن غيرها من آلات التصوير في أن أشكال الصور المتكونة، يتم تحديدها بواسطة الفوتونات الواردة، يقول غوبتا: «إن هذا النوع من التصوير يوفر لنا فكرة جيدة للغاية عن الفترة التي تأخذها جميع الفوتونات لترتد وتعود، فإذا كان هناك شيء ما حول الأركان، فإن الفوتونات تعود بسرعة وتصل مبكرة في الوقت الحقيقي».

فهذا النوع من الكاميرات يقيس التفاوت في شدة نبضات الضوء مع الوقت، وهي تستخدم لقياس معدل نبضات الضوء لبعض أنظمة الليزر فائقة السرعة، مثل التحليل الطيفي وأنظمة كشف وتحديد المدى المعروفة باسم «ليدار» (Light Detection And Ranging/LIDAR) وهي تكنولوجيا بصرية للاستشعار عن بعد لقياس المسافة أو غيرها من الخصائص، من خلال تسليط الضوء على الهدف، وغالبا ما تستخدم نبضات من الليزر، وتستخدم تكنولوجيا «ليدار» مع مجموعة واسعة من الأهداف، مثل الصخور والمطر والسحب والمركبات الكيميائية، حيث تستخدم في علم الآثار والجغرافيا والجيولوجيا وعلم الزلازل والاستشعار عن بعد وفيزياء الغلاف الجوي والأرصاد الجوية وليزر قياس الارتفاعات وفي المجالات العسكرية وغيرها، حيث يمكن استخدام شعاع الليزر الضيق لرسم خريطة بالمعالم الطبيعية الفيزيائية وبدقة عالية جدا.

وأضاف غوبتا: «نحن في الواقع نلتقط ونعد الفوتونات، فكل صورة نأخذها فيها (3) أو أقل من الفوتونات، ونحن نأخذ كثيرا من الصور بسرعة شديدة لخلق صور من نوع (streak images)، تساعدنا على تحديد المسافة التي تقطعها الفوتونات في السنتيمترات، وبمجرد تجميع البيانات، يمكن أن نستنتج الهندسة الأساسية للأشياء المخفية وإظهار صورة ثلاثية الأبعاد لها».

يقول الباحثون إن هناك كثيرا من التطبيقات لهذه التكنولوجيا، من بينها في حالات الكوارث، وفي التصوير الطبي الحيوي.

يقول غوبتا إنه «إذا كان هناك منزل منهار، ونحتاج لمعرفة ما إذا كان هناك أي شخص بالداخل، فهذه التكنولوجيا سوف تكون مفيدة، فهي مثالية للاستخدام فور وقوع الكوارث، من أي نوع، خصوصا الحرائق التي تحتاج إلى أن نتعرف على ما يجري بالداخل وحول زوايا وأركان الحجرات، ولا نريد المجازفة بإرسال شخص ما إلى الداخل للمخاطرة بحياته».

ويضيف غوبتا: «من الممكن أيضا استخدام هذه التكنولوجيا كشكل من أشكال التصوير الطبي الحيوي لرؤية ما يجري تحت جلد المريض».

ويتوقع غوبتا أن يكون هناك على الأقل من 5 إلى 10 سنوات أخرى قبل أن تصبح التكنولوجيا متاحة تجاريا.

وعلى صعيد آخر ذي صلة، أعلن باحثون في جامعة تكساس الأميركية في دالاس، في 18 أبريل (نيسان) الماضي 2012، عن تمكنهم من تصميم رقاقة (شريحة) تصوير إلكترونية مزودة بموجات «تيراهيرتز» تعرف بـ«تيراهيرتز تشيب» (Terahertz Chip)، يمكن أن تحول الهواتف الجوالة إلى أجهزة يمكن أن ترى من خلال الجدران والخشب والبلاستيك والورق وغيرها من الأشياء، وقد تم تقديم هذه الدراسة في «المؤتمر الدولي لدوائر الحالة الصلبة» (solid - state circuits) الذي عقد في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية في الفترة من 19 حتى 23 فبراير (شباط) الماضي 2012.

فقد أعلن الفريق البحثي، عن استخدام تقنيتين حديثتين، تنطوي إحداهما على الاستفادة من مجموعة غير مستخدمة من «الطيف الكهرومغناطيسي» (electromagnetic spectrum)، والأخرى تعتمد على تكنولوجيا رقاقة ميكروية (microchip).

و«الطيف الكهرومغناطيسي»، هو المدى الكلي للإشعاعات الكهرومغناطيسية بجميع تردداتها، التي تمتد من الترددات المنخفضة المستخدمة في الاتصالات الحديثة، مثل الراديو (في نهاية طول الموجة الطويلة)، وتنتهي بأشعة «غاما» (في نهاية طول الموجة القصيرة)، ويتكون الطيف الكهرومغناطيسي من: موجات الراديو، والموجات الميكروية (الميكروويف) (microwaves)، وموجات الأشعة تحت الحمراء المستخدمة في أجهزة التحكم عن بعد، التي تجعل أجهزة الرؤية الليلية ممكنة، وأشعة «غاما» التي تقتل الخلايا السرطانية، وموجات «تيراهيرتز».

وموجات «تيراهيرتز» (terahertz band)، تعد أحد نطاقات الطول الموجي التي تقع في الحيز بين موجات الميكروويف وموجات الأشعة تحت الحمراء، ولم تكن في متناول معظم الأجهزة الاستهلاكية، فهي تستخدم في التصوير الطبي والأمن والاستخدامات العلمية.

يقول البروفسور كينيث أو، أستاذ الهندسة الكهربائية بجامعة تكساس في دالاس: «قد تمكنا من التوصل إلى نهج جديد، يفتح الباب أمام استخدام جزء غير مستغل من (الطيف الكهرومغناطيسي)، لاستخدامه في الأجهزة الاستهلاكية، والتطبيقات الطبية لإنقاذ الحياة». وأضاف أن «مدى موجات (تيراهيرتز) مليء بإمكانات غير محدودة يمكن أن نستفيد منها جميعا».

وقد ركز الفريق البحثي على موجات «تيراهيرتز» التي لم تكن مستعملة في معظم الأجهزة الاستهلاكية، ويقول الباحثون إن استخدام هذا النهج الجديد، يمكن من إنشاء الصور بواسطة الإشارات العاملة في نطاق موجات «تيراهيرتز»، ومن دون الحاجة لاستخدام عدسات جديدة داخل الأجهزة، وهذا يمكن أن يحد من الحجم الكلي والتكلفة.

والتقدم العلمي الآخر الذي يمكن تطبيقه على الأجهزة الاستهلاكية، هو التكنولوجيا المستخدمة لإنتاج وتصنيع رقائق إلكترونية ميكروية (microchip)، باستخدام تكنولوجيا (أشباه موصلات أكسيد المعادن التكميلية) (Complementary Metal - oxide semiconductor - CMOS)، التي تشكل الأساس لكثير من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، المستخدمة في حياتنا اليومية، مثل أجهزة الكومبيوتر الشخصية والهواتف الجوالة الذكية والتلفزيونات عالية الوضوح (HDTV) وألعاب الفيديو.

يقول البروفسور كينيث إن: «تكنولوجيا (CMOS) أسعارها معقولة ويمكن استخدامها لعمل كثير من الرقائق الإلكترونية، ومزيج من تكنولوجيا (CMOS) مع موجات (تيراهيرتز) يعني أنه يمكن أن نثبت هذه الرقاقة في جهاز الإرسال على الجزء الخلفي من الهاتف الجوال، وتحويله إلى جهاز يمكن حمله في الجيب ورؤية الأشياء من خلاله».

ويضيف كينيث أنه «نظرا لاعتبارات الخصوصية فإن الفريق البحثي يركز على استخدامها في نطاق مسافة لا تقل عن (4) بوصات (أي نحو 10 سنتيمترات)».

ويقول الفريق البحثي إن التطبيقات الاستهلاكية لمثل هذه التكنولوجيا الجديدة، يمكن أن تتراوح بين كشف الوثائق المهمة والنقود المزيفة والرقابة على المنتجات، ويمكن أيضا أن تستخدم للتصوير الطبي للكشف عن الأورام السرطانية وتشخيص المرض من خلال تحليل التنفس ومراقبة ورصد درجة سمية الهواء.