ماذا يقول العلم عن سر تميز العداء الجامايكي أوساين بولت أسرع رجل في العالم؟

مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية تنتج سلسلة فيديو علمية تعليمية عن أولمبياد لندن 2012

أثبتت دراسة علمية أن بولت حالة فريدة من نوعها، فهو قادر على الحصول على تسارع بصورة أعلى والحفاظ على سرعته القصوى على حد سواء (رويترز)
TT

أثبت العداء الجاميكي أوساين بولت(25 عاما)، بأنه بالفعل أسرع رجل في العالم، فقد أذهل العالم بأدائه المتميز وأرقامه القياسية العالمية في العدو، حتى تم وصفه أخيرا بأنه أسطورة رياضية، فقد تمكن من الحصول على (3) ميداليات ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية التي اختتمت مؤخرا في لندن؛ حيث أحرز ذهبية سباق 100 متر في زمن مقداره 9:63 ثانية، وذهبية 200 متر في زمن مقداره 19:32 ثانية، وذهبية الفريق الجامايكي في سباق التتابع 4 في 100 متر عدوا للرجال في زمن مقداره 36:84 ثانية.

ولعل السؤال المهم المطروح، ما هو السر وراء سرعة العداء الجامايكي أوساين بولت، وما الذي يقوله العلم عن ذلك؟

في سلسلة فيديو علمية تعليمية من (10) أجزاء بعنوان «العلم وراء دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في لندن 2012: الهندسة في الرياضة»، وتم إنتاجها مؤخرا، من قبل كل من: «مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية»، و(NBC Learn)، و(NBC Sports)، وقامت رابطة معلمي العلوم الوطنية الأميركية بإعداد خطط دروس مجانية لكل فيديو، والسلسلة متاحة بالمجان على الموقعين الإلكترونيين: www.nsf.gov)، (www.nbclearn.com، وتهدف هذه السلسلة إلى استكشاف المفاهيم العلمية والهندسية والتكنولوجية التي ساعدت الرياضيين على تحقيق الفوز والتميز في أولمبياد لندن.

وفي جزء من السلسلة بعنوان: «الميكانيكا الحيوية لـ(أوساين بولت)»، وهو علم دراسة وتحليل وتطبيق المبادئ الميكانيكية والهندسية على الكائنات الحية، ويركز الفيديو على التفاعل بين أنظمة الجسم وتطبيق عمليات التصميم الهندسي ومعرفة العمليات الفيزيائية وراء الحركة، تقول البروفسورة أنيت هوسوي بقسم الهندسة الميكانيكية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي الشهير (MIT)، إن، «سرعة أوساين بولت تكمن في طول قامته وقوته»، وتضيف بأن: «العداء بولت هو حالة فريدة من نوعها لحد ما، فهو قادر على الحصول على تسارع بصورة أعلى والحفاظ على سرعته القصوى على حد سواء، فطوله البالغ 6 أقدام و5 بوصات(196 سنتيمترا)، يجعله أطول من منافسيه في السباق، كما أن ساقيه الطويلتين قد مكنتاه من الانزلاق لأبعد مع كل خطوة يخطوها، وفي سباق 100 متر، غالبا ما يأخذ معظم العدائين في المتوسط نحو 44 خطوة، بينما بولت لم يأخذ سوى 41 خطوة».

وتقول البروفسورة هوسوي إن، «هناك عنصرين مهمين يؤثران على مدى السرعة التي يقطعها الفرد في سباق العدو، هما: طول الخطوة، وتردد أو تكرار الخطوة، فالسرعة هي نتاج لهذين العاملين، وقد تبين أن جميع ترددات خطوات العدائين هي تقريبا واحدة، وإذا نظرنا إلى جميع العدائين في القمة نجد أن أرجلهم تتحرك أساسا على تردد واحد، ولكن الشيء المذهل في العداء بولت هو طول خطوته الواسعة التي تقترب إلى (3) مترات؛ إذ إن لديه مزيج من خطوات طويلة وقوية على حد سواء تمكنه من العدو بأقصى سرعة»، ويبلغ تردد خطوات بولت نحو 4.28 خطوة لكل ثانية.

ويقول الباحث في الهندسة الميكانيكية صموئيل هامنير بمختبر الميكانيكا الحيوية العصبية العضلية بجامعة ستانفورد الأميركية، الذي يركز بحثه على فهم الديناميات والتحكم أثناء جري الإنسان: «بالإضافة إلى الطول المرتفع لـ(بولت)، فإن لديه كتلة عضلية أكبر من بقية العدائين، وهو ما يعني كثيرا من الوقت في غرفة رفع الأثقال للحصول على هذه القوة، والعنصر الأخير هو التناسق والانسجام وقوة التحمل، والذي يعتمد على العلاقة بين الدماغ وعضلات الساق».

حيث يضيف هامنير أن: «هناك أهمية لدور التوقيت الدقيق للإشارة الكهربائية التي تأتي من الدماغ إلى العضلات لإنشاء هذه القوة، فأداء(بولت) المذهل في أثناء السباق هو نتيجة لتعزيز قوته وطول سيقانه».

وفي مقال بصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، على موقعها الإلكتروني في 4 أغسطس (آب) الحالي، بعنوان «علم العدو بأقصى سرعة»، للمحرر العلمي بالصحيفة ستيف كونور، جاء فيه بأن، شكل الجسم وقوة العضلات والأطوال النسبية للساقين والكعبين والقدمين، فضلا عن نظام صقل عصبي، ليست سوى بعض من الصفات البيولوجية التي تجعل العداء نموذجا من الطراز العالمي.

يقول البروفسور ستيف هاريدج أستاذ علم وظائف الأعضاء البشرية والتطبيقية في «كينغز كوليدج لندن» إنه، «لكي تكون عداء عظيما، تحتاج إلى أن تهيمن على عضلات الساق ألياف العضلات سريعة الانقباض؛ لأنها ألياف ذات حجم كبير وتتميز بانقباض قوي وسريع وتولد قوة كبيرة لمدة قصيرة، بعكس الألياف بطيئة الانقباض التي تتميز بأنها ذات حجم أصغر وانقباض بطئ وقوة منخفضة وتتحمل فترات طويلة من العمل، فلها قدرة على مقاومة التعب والإجهاد، كما في عدائين ماراثون المسافات الطويلة».

وقد وجد العلماء في عام 2003، أن هناك بدائل طبيعية معينة من جين يسمى (ACTN3 gene)، يمكن أن تعزز أداء الألياف العضلية سريعة الانقباض، وتعرف بعض الجنسيات مثل الجاميكيين بأن لديها نسبة أعلى من جين العدو، وتشترك الجينات أيضا في تحديد طول وتر عرقوب قدم الشخص وأصابع القدم. والعداءون الجيدون، يكون لديهم وتر أقصر وأصابع قدم طويلة نسبيا، وهذا يسمح لعضلات بطن الساق ببذل مزيد من الجهد في مرحلة التسارع في أثناء السباق.

كما أن التدريب هو أيضا عامل مهم في إبراز أفضل ما لدى العداء؛ حيث يجعل العضلات أقوى ويعمل على تحسين قدرتها على تخزين الطاقة في شكل «فوسفات الكرياتين»، التي تعمل على تنشيط العضلات.

تقول الكاتبة العلمية الدكتورة كيت رافيليوس، في مقال لها بعنوان «ما وراء أوساين بولت» في عدد شهر أغسطس الحالي بمجلة «FOCUS BBC» المهتمة بشؤون العلم والتكنولوجيا، إنه، «يمكن القول بأن أهم عامل لتحديد الأداء الرياضي هو العامل الوراثي. لقد نجح العلماء في تحديد الجينات المرتبطة بقدرة الفرد على العدو بسرعة. على سبيل المثال تم العثور على الجين (ACTN3 gene) في نخبة من الرياضيين الذكور والإناث وكان أكثر شيوعا لديهم مما كان عليه في بقية الأفراد. والاختبارات الجينية لديها احتمال في القدرة على اكتشاف المزيد من الأفراد ممن لديهم الجينات المناسبة. والعداء بولت لديه كثير من الجينات المناسبة».

وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بين العداء الجامايكي أوساين بولت كأسرع رجل في العالم، والفهد الصياد «شيتا» (Cheetah) كأسرع حيوان ثديي في العالم على الأرض، فإنه يمكن القول، ووفقا لما نشر على الموقع الإلكتروني لحديقة حيوان «سينسيناتي» في سينسيناتي بولاية أوهايو الأميركية، في 2 أغسطس الحالي، فقد أعلنت أن أنثى فهد صياد في حديقة «سينسيناتي» وتسمى «ساره» وعمرها (11) عاما، قد تمكنت من تسجيل رقم قياسي عالمي جديد في السرعة كأسرع حيوان ثديي في العالم على الأرض، بعدما تمكنت من قطع مسافة 100 متر في زمن مقداره 5:95 ثانية، أي أنها كانت أسرع بنحو 3:68 ثانية، من العداء بولت الذي قطع نفس هذه المسافة ولكن في 9:63 ثانية. حيث رصدت الكاميرات الرقم القياسي الذي حققته أنثى الفهد الصياد خلال المحاولة الأولى لها لمطاردة دمية على شكل كلب تم تسييرها بسرعة على مسار صمم خصيصا ومصادق عليه، ويذكر أن أنثى الفهد «ساره» كانت قد حصلت على لقب أسرع حيوان ثديي على الأرض عام 2009 عندما تمكنت من قطع مسافة 100 متر في زمن قدره 6:13 ثانية بعد أن حطمت الرقم القياسي السابق ومقداره 6:19 ثانية والذي حققه عام 2001 فهد صياد ذكر في جنوب أفريقيا يسمى «نيانا».

ويذكر أن شكل وتركيب جسم الفهد الصياد يساعده على سرعته الكبيرة، فعموده الفقري المرن يسمح بمد الرجلين الأماميتين إلى الأمام لأقصى ما يمكن في كل خطوة، الأمر الذي يمكنه من قطع نحو من 20 إلى 22 قدما في كل خطوة واحدة، كما أن أرجل الفهد الصياد تكون لنصف وقت العدو بعيدة عن الأرض، وتملك مخالب حادة وصلبة تمنحها قوة سحب كبيرة خلال الجري.