الألعاب «المجانية» تتصدر السوق في المعرض الدولي للألعاب الإلكترونية في كولون

عروض أكثر وجمهور أكبر رغم غياب «مايكروسوفت» و«نينتندو»

TT

إذا كانت الألعاب الإلكترونية «الجوالة»، بمعنى الألعاب الملائمة للعب على الأجهزة النقالة، خصوصا «سمارت فون»، عنوان المعرض السابق «جيمزكوم 2010»، فإن الكلمة السحرية التي تدور كالشبح في أروقة «جيمزكوم 2012» في كولون هي الألعاب المجانية أو «Free to play».

فهذه الألعاب سادت في المعرض الدولي للألعاب الإلكترونية «جيمزكوم 2012»، وصار قطاع إنتاج الألعاب يعتمد عليها في زيادة مداخيله. وهكذا أسهمت «أوبي سوفت» و«زينغا» و«كاريتك» وغيرها من الشركات الكبرى في عرض الألعاب الجديدة التي يتاح اللعب عليها في الشبكة (أونلاين) مجانا أو مقابل شراء حاجات من الإنترنت. بل إن الأرباح التي صارت الشركات تحققها من لعب الناس على الشبكة «مجانا»، أو من خلال دفع المال، تتفوق على مردودات الشركات من بيع الألعاب الفردية الملائمة للعب على الكومبيوتر أو في صالونات اللعب.

وذكر نورمان هابكوك، المتحدث الإعلامي باسم «أوبي سوفت» أن أكثر من 1.5 مليون إنسان يشاركون في الموقع الإلكتروني للعب التابع للشركة في الإنترنت، واسمه «سيدلر - أونلاين». وأضاف أن مردودات الموقع تتفوق فعلا على أرباح الشركة من بيع النسخ الأصلية في السوق.

سيفات يرلي، ممثل شركة «كرايتك» الألمانية وأحد مؤسسيها، يخطط للانتقال تماما من بيع الألعاب في المخازن إلى عرض الألعاب في الإنترنت للعب عليها «مجانا». وعبر يرلي عن قناعته بأن المستقبل ليس للشركات التي تبيع نسخ ألعابها في المخازن مقابل 50 يورو أو أكثر. ووعد بلعبة جديدة من شركة «كرايتك»، ستكلف الشركة عدة ملايين، لكنها ستطرح على الإنترنت للعب بنسختين. نسخة مبسطة يمكن اللعب عليها فرديا ومجانيا، ونسخة أخرى موسعة للعب الجماعي، ويمكن اللعب عليها مقابل مبلغ بسيط من المال، أو شراء حاجات مفيدة من موقع الشركة «أونلاين».

وتعبر ألعاب «Free to play» عن ألعاب إلكترونية يستطيع الإنسان أن يلعب عليها «مجانا» على الإنترنت. إذ يمكن للمشارك أن يلعب مجانا على نسخة محدودة من اللعبة، في حين يحتاج إلى دفع المال عند توقه للعب على النسخة الموسعة، التي يلعب عليها الآخرون. كما يمكن للراغب أن يلعب «مجانا» أيضا مقابل أن يشتري حاجيات معروضة على الإنترنت بالمبالغ التي يربحها من اللعب. بمعنى آخر، وهو ما يؤخذ على هذا النوع من الألعاب، أنها ستفرز اللاعبين في طبقتين، طبقة الفقراء وطبقة اللاعبين الأغنياء، كما عبر عن ذلك أحد الزوار.

شاركت أكثر من 600 شركة، من 40 بلدا، في معرض «جيمزكوم 2012». واحتلت المعروضات هذا العام مساحة قياسية قدرت بنحو 140 ألف متر مربع، أي أنها احتلت كل قاعات المعرض الـ13. واعتبر المعرض التدفق الكبير للزوار منذ اليوم الأول علامة على أن عدد زوار المعرض سيتعدى الرقم القياسي الذي سجل قبل سنتين وبلغ 270 ألفا.

ورغم غياب الشركتين الكبيرتين «مايكروسوفت» و«نينتندو» عن معرض هذا العام فإن الشركات الأخرى طرحت أكثر من 300 لعبة جديدة. ويقف الزائرون، ومعظمهم من الشباب، مدة ساعة أو ساعتين في الدور، كي يتسنى لهم اللعب على إحدى الألعاب الجديدة. وهذا رغم العدد الهائل من أجهزة اللعب المطروحة، ورغم تحويل بعض مجمعات المدينة التسوقية إلى «قرى» للعب الألعاب الجديدة خارج أسوار المعرض.

لم تبرر «مايكروسوفت» و«نينتندو» أسباب غيابهما هذا العام عن المعرض، لكن المعتقد هو أن تأخر إنتاج الألعاب الجديدة «الموعودة» هو السبب. إذ أعلنت «مايكروسوفت»، بعد الخسائر التي سجلتها في الربع الأول من عام 2012، عن تأخر نزول «Xbox 360» المطورة التي وعدت بطرحها في هذا المعرض. كما أجلت «سوني» عرض النسخة الأولى من «بلاي ستيشن» الجديد، الأرشق والأرخص، والأسهل عملا، حسب وعودها، إلى سنة 2013. هذا في حين تراجعت «نينتندو» في آخر لحظة عن طرح «Wii U» كوريث شرعة لألعاب «Wii» السائدة في السوق.

الملاحظ في عروض هذا العام هو تضاؤل عدد الألعاب الجديدة المطروحة، وتضاؤل عدد الأبطال الافتراضيين الجدد، مقابل زيادة عدد النسخ 2 و3 من الألعاب المعروفة. وهكذا عادت «لارا كروفت» بقوة إلى صالات «جيمزكوم» 2012، ونسخة جديدة من «وورلد أوف ووركرافت»، و«كول أوف ديوتي»، و«نيد فور سبيد» و«فاركراي» و«كرايسز».

ويمكننا هنا تلخيص أهم النزعات في عالم الألعاب الإلكترونية في ضوء ما طرحته الشركات المعرض الدولي في كولون. فالنزعة إلى اللعب على الإنترنت، وعلى الأجهزة المتنقلة، تفرض نفسها على السوق من خلال الأرباح التي تدرها. وهناك تطور سريع في الألعاب المزيّدة، أو «Augmented»، التي تخلط بين الواقعي والافتراضي بفضل الكاميرات الدقيقة ومجسات الاستشعار. هناك أيضا إقبال كبير من قبل المجتمع الحديث على الألعاب الرياضية، أو ما يسمى الألعاب التفاعلية للغرف، والتي ترتبط بنزوع بشر هذه الأيام إلى الرياضة واللياقة البدنية. من ناحية ثانية هناك سيادة إنتاج الألعاب التي تصلح لمختلف الأجهزة، والممتدة بين الكومبيوتر الثايت، وأجهزة «سمارت فون»، وأجهزة الاتصال المباشر بالإنترنت.

من الألعاب التي اجتذبت آلاف اللاعبين الشباب «أساسين كريد3» من شركة «أوبي سوفت»، ولعبة «ليتل بيغ بلانيت» من «سوني»، و«دانس ستار بارتي» التي تتيح للاعب التنكر في شكل المغني النجم وتأدية حركاته. ووقف الشباب، من الجنسين، في صفوف في جناح شركة «بليزارد» بانتظار فرصة اللعب على «وورلد أوف ووركرافت»، ولعبة «ريزدنت ايفل6». هذا إضافة إلى لعبتي «هاف لايف3» و«دراغون إيج» من شركة «إلكترونيك آرتس» الأميركية.

و«القرية المريحة» عبارة عن جناح كامل خصصته إدارة المعرض لهواة ألعاب التنكر، أو الألعاب التفاعلية التي يستطيع فيها اللاعب تقمص شخصية البطل. ومن يزور «القرية» سيعتقد أنه يزور حفلة تنكرية تتجول فيها لارا كروفت إلى جانب باتمان وسبايدرمان.

وبعد الانتقادات التي وجهت للمعرض بسبب كثرة ألعاب العنف والقتل والحروب في السنوات الماضية، خصصت إدارة المعرض قاعات خاصة لعرض الألعاب المناسبة للقاصرين. كما نصحت إدارة المعرض الشباب بجلب بطاقاتهم الشخصية معهم أثناء زيارة المعرض، بهدف التأكد من أعمارهم. ولم تسمح إدارة المعرض بعرض أسلحة، كما جرى ذلك في المعرض السابق، حيث عرضت شركة «بليزارد» طائرة «ميغ» مقاتلة حقيقية، لكن ألعاب الحروب والعنف ما زالت طاغية.

وفي القاعة رقم 10 نصبت إدارة المعرض شاشة كبيرة لعرض الألعاب والأفلام، «للمحاربين» الذين يودون أخذ استراحة من أجواء المعارك الافتراضية في الألعاب. هذا إضافة إلى عروض الأغاني والرقص والأزياء، وبيع الفانيلات التي تحمل صور الأبطال.. إلخ. وسيكون زوار كولون يومي الجمعة والسبت على موعد مع مهرجان غنائي كبير، على عدة مسارح، يقام في قلب المدينة.

باع منتجو الألعاب الإلكترونية في ألمانيا، في النصف الأول من عام 2012، نحو 30 مليون لعبة إلكترونية، ويمارس ثلث الألمان اللعب على الكومبيوتر لقضاء وقت فراغهم، وكان هذا الرقم يتحدد بنسبة 24 في المائة قبل أربع سنوات. وعموما ينشغل 24 مليون ألماني، من عمر 14 فصاعدا، في هذه الألعاب على الكومبيوتر أو في الصالونات، أو على الـ«سمارت فون». والمهم، لشدة فرح شركات القطاع، أن نسبة اللاعبين بين الناس من عمر 50 - 64 ترتفع باستمرار، رغم أن هذا الجيل ميال للعب على الأجهزة الثابتة في البيت. نسبة النساء اللاعبات على الألعاب الافتراضية ارتفعت أيضا من 22 في المائة إلى 28 في المائة خلال أربع سنوات، ويعود الفضل في ذلك بالدرجة الأولى إلى الألعاب الرياضية وبرامج اللياقة والرشاقة وألعاب تقليد المغنين التفاعلية. وعموما يدفع الألماني مبلغ 20 يورو شهريا للعب، وهذا ما رفع أرباح الشركات إلى 2.5 مليار في ألمانيا فقط عام 2011.

هذه الأرقام دفعت الفيلسوف الألماني ريتشارد ديفيد بريشت إلى وصف هيمنة الإنترنت على حياة الناس بأنها «مقصلة القرن الحادي والعشرين».