محبو غازي القصيبي يتذكرونه في أمسية تأبينية بالرياض

سهيل القصيبي: نفكر في تأسيس جمعية خيرية باسمه

جانب من حضور أمسية «غازي في عقولنا» بمقهى «بوك تشينو» في الرياض ليلة أول من أمس («الشرق الأوسط»)
TT

«كان والدي يتعامل معنا بفلسفة الثواب والعقاب، وكان حريصا على دراستنا، فالعصا تظهر حين نخفق، وتظهر الهدايا وقت التفوق، لكنني اكتشفت لاحقا أنه بعدما كان يضرب أحدنا كان يبكي منفردا في مكتبه.. العالم فقد وزيرا أديبا مفكرا، أما نحن فقد فقدنا أبا».

كانت هذه ردود سهيل بن غازي القصيبي في معرض رده على سؤال أحد محبي والده عن طريقة التربية التي تلقاها أبناؤه، وشهد مقهى «بوك تشينو» مساء الأربعاء أمسية تأبينية في الذكرى الثانية من وفاة الراحل، كشف خلالها الابن الأكبر لغازي القصيبي عن نيات والده السابقة في كتابة تفسير للقرآن بتسلسل نزول الوحي، إذ لم يجد تفسيرا على ذلك النحو، بيد أنه تراجع لاحقا بسبب عثوره على التفسير المشابه، مشيرا إلى أن ورثة الوزير يعكفون على إنشاء جمعية خيرية لم تتضح معالمها بعد.

وذكر سهيل أيضا، في مبادرة عنونها الشبان بـ«غازي في عقولنا»، أن هناك أشعارا وقصاصات نثرية لم تتخذ العائلة قرارا بشأنها بعد. ولفت إلى أن جميع إنتاج والده الفكري الذي يربو على 80 منتجا، تم نشره، مستطردا: «حتى مذكراته اليومية غالبيتها نشرت في الكتب، باستثناء بعض التفاصيل الخاصة في المذكرات بالملوك والرؤساء، فهي غير قابلة للنشر كما ارتأى الوالد»، على حد قوله.

سهيل القصيبي، الذي عرفه الناس قبل أن يروه، وذلك في قصائد والده ونثرياته، نبش ذكرياته المتعلقة بوالده الراحل بصوت مرتفع. وأخذ يتحدث عن جوانب حياة القصيبي الذي ملأ السعوديين جدلا وحبا، في حياته ومماته.

ودأب يسرد تفاصيل الروتين اليومي الذي كان يمارسه والده في المنزل ومع أبنائه قائلا: «كان يعتمد في أموره المنزلية على والدتي حتى في شراء ثيابه، فقد أراحته من عناء البيت وتفاصيله، وهو أحد القرارات التي كانت تتيح لوالدي متسعا من الوقت»، مجيبا على تعجب الناس من قدرة القصيبي على القراءة والكتابة والنشر بانتظام، وإدارة منشأة حكومية وإمضاء الوقت مع أسرته. وبيّن سهيل أن ذلك «عائد بشكل رئيسي إلى انضباطه في إدارة وقته، فقد كان لا يحرص كثيرا على حضور المناسبات الاجتماعية بشكل عام»، لافتا إلى عزم ورثة الراحل على تقديم شيء «يليق به»، مطالبا محبي غازي بعدم الاستعجال على ذلك، فأبناء غازي متحمسون لذلك أكثر من الآخرين، وقال: «نفكر في تأسيس جمعية خيرية باسمه، إلى جانب أفكار أخرى متنوعة، ونحرص على تحقيق شيء من ذلك في وقت قريب، على الرغم من أن والدي كان ضد تخليد ذكراه، وقطعا لم يحرص على ذلك».

وأضاف مازحا: «ليس شاعرا كوالد، وأنا غير قريب من الشعر، رغم أن الناس تسأله عن ذلك منذ أن كان عمره خمس سنوات».

وحول معاناة والده مع التصنيف ورد فعله حيال كونه من أوائل من تم تصنيفهم في المجتمع، أشار سهيل إلى أنه «كان يضيق ويحزن، لكن إيمانه كان كبيرا». وعما إذا كان لدى أبناء غازي القصيبي الرغبة في تحويل بعض مؤلفاته إلى أعمال تلفزيونية أو سينمائية، قال: «لا نعارض فكرة تحويل أعمال الوالد إلى سينمائية، ونرحب بذلك، ولكن بشرط أن تكون بأفضل الإمكانيات، وأن لا يستخدم اسم غازي القصيبي للإساءة»، لافتا إلى أن والده كان متحمسا جدا لرؤية عمل «شقة الحرية» لكنه لم يرضَ عنه كثيرا بعد عرضه.

وأوضح سهيل أن ملك البحرين حمد بن عيسى أمر بتسمية مدرسة باسم غازي القصيبي، تنطلق الدراسة فيها مع بداية العام الدراسي المقبل، نافيا وجود أرض خصصت لإقامة متحف للراحل في مملكة البحرين.

إلى ذلك، تمثلت مداخلات الحضور الذين كان جلهم من الشبان، إلى جانب مثقفين وإعلاميين، في سرد ما أحبوه في شخصية القصيبي وفكره، فبعضهم نظم شعرا، والبعض الآخر سأل وناقش عن تفاصيل إيمانه بما كان يطرح من رؤى حول عمله في الوزارات، وآخرون أوضحوا إعجابهم بمؤلفات الراحل وقارنوها بتحليلاته وقراءته لمستقبل المجتمع الذي خدمه وعمل معه.

ولفت أحد الحضور إلى أن القصيبي مازحه عندما كتب مقالا إبان انطلاق شركة «سابك» بأن اسم الشركة ينبع عن اختصار اسمها باللغة الإنجليزية، فرد عليه القصيبي قائلا: «بل هي عربية أصلية، ويرجع الاسم إلى الفعل الأصلي (سبك)».

من ناحيته، قال خالد أبو شيبة صاحب فكرة مبادرة «غازي في عقولنا»: «للعام الثاني تحضر هذه المبادرة، وفاء وتقديرا لرجل يستحق كل الوفاء والتقدير، فبعد أن اقتصرت في عامها الأول على توزيع كتب الراحل على المارة في شوارع الرياض، عمدنا في هذه المرة إلى تنظيم أمسية يتحدث فيها نجله سهيل عن جوانب عدة من حياة الراحل، ويجيب على أسئلة الجمهور الشغوف بالرمز غازي».

وأضاف: «لقد رحل غازي شفافا كما عاش، بعد أن وصل إلى قمته راضيا مطمئنا، ومورثا كنوزا من الإلهام لأجيال قادمة»، لافتا إلى أن «الطموح متجدد يهدف إلى تطوير هذه المبادرة لتكون على نطاق أكبر، ونسعى إلى المضي قدما بالأفكار التي يمكن أن تجعل منها مقصدا لمحبي هذا الرجل الاستثناء».

وتابع: «حين نتحدث عن غازي والعقول، فإننا نتحدث عن تجديد وتوطيد العهد والعلاقة بينهما، خصوصا الشباب، وذلك من خلال ما تركه الراحل من نتاج فكري ثري، ينقل متأمله إلى آفاق واسعة».