يقيم متحف «متروبوليتان» بنيويورك معرضا شيقا يدور حول بدايات التصوير الفوتوغرافي، والتلاعب في الصور في محاولة لرصد استخدام المؤثرات في عصر ما قبل «الفوتوشوب». ويطرح المعرض فكرة أن التلاعب كان موجودا منذ اختراع التصوير نفسه في حقيقة الأمر.
معرض «التلاعب في التصوير الفوتوغرافي قبل عصر الفوتوشوب»، هو أول معرض كبير مخصص لعرض تاريخ التلاعب في التصوير الفوتوغرافي قبل العصر الرقمي. ويلقي المعرض الضوء على 200 صورة فوتوغرافية رائعة، تم تصويرها خلال الفترة بين الأربعينات من القرن التاسع عشر والتسعينات من القرن العشرين، في الفن والسياسة والأخبار والترفيه والتجارة. ويقدم المعرض وجهة نظر مثيرة وجديدة بشأن تاريخ التصوير الفوتوغرافي، حيث يتتبع العلاقة المعقدة والمتغيرة بين التصوير وبين الحقيقة المرئية.
وحسب ما ذكره التقرير الصحافي للمعرض فإن التلاعب في الصور الموجودة في المعرض، الذي ينظم من قبل شركة «أدوبي سيستمز المتحدة»، قد تم باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات، بما في ذلك التعريض المتعدد (وضع صورتين أو أكثر على نيجاتيف واحد)، والطباعة المجمعة (طبع صورة واحدة تضم عناصر من اثنين من النيجاتيف أو أكثر)، وتركيب الصورة، والرسوم متعددة الطبقات، وتنميق النيجاتيف أو الصورة المطبوعة. وفي كل حالة على حدة، فإن معنى ومضمون الصورة يتم تغييره بشكل كبير خلال عملية التلاعب.
وينقسم المعرض إلى سبعة أقسام، يركز كل منها على مجموعة مختلفة من الدوافع الكامنة وراء التلاعب في الصورة، فهناك قسم «الصورة الكاملة» الذي يستعرض الجهود التي بذلها المصورون في القرن التاسع عشر للتغلب على القيود الفنية، ولا سيما عدم القدرة على تصوير العالم بالطريقة التي يبدو عليها للعين المجردة. وفي محاولة لتطوير لوحة التصوير أحادية اللون، حاول المصورون جعل الصور أكثر وضوحا ونبضا بالحياة. وواجه مصورو المناظر الطبيعية عقبات من نوع مختلف، حيث غالبا ما كانت تؤدي الحساسية المتفاوتة للمستحلبات البدائية إلى ظهور شوائب في السماء التي كانت تبدو معرضة للضوء بصورة مفرطة. وللتغلب على تلك المشكلة، لجأ كثير من المصورين، مثل غوستاف لو غراي، وكارلتون واتكينز، إلى رسم مناظر طبيعية مدهشة عن طريق طباعة اثنين من النيجاتيف على ورقة واحدة فقط – واحدة معرضة للأرض والأخرى للسماء. ويلقي هذا القسم الضوء أيضا على التحديات التي تنطوي عليها اللوحات التي تضم مجموعة كبيرة من الأشخاص.
وبالنسبة للمصورين في الماضي، لم يكن الإبداع النهائي يكمن في التقاط الصورة وحدها، ولكن في تحويلها إلى صورة يدوية. وقد بدأت حركة «التلاعب باسم الفن» في الخمسينات من القرن التاسع عشر من خلال مجموعة من المواضيع الروائية والاستعارية للفنانين أوسكار غوستاف ريتلاندر، وهينر بيتش روبنسون. واستمرت هذه الحركة مع إحياء حركة التصوير المعروفة باسم «بيكتورياليزم» Pictorialism في مطلع القرن العشرين من خلال أعمال مجموعة من الفنانين مثل إدوارد ستيتشن، وآن بريغمان، وهولاند داي.
يعرض قسم «السياسة والإقناع» بعض الصور التي تم التلاعب بها لأغراض سياسية أو أيديولوجية. ففي البداية، يعرض القسم صور أرنست يوجين أبير المزيفة عن مجازر «كومونة باريس» في عام 1871، ثم الصور التي تم استغلالها لتعزيز الحس الوطني وتنمية الأيديولوجيات العنصرية ودعم أو معارضة الأنظمة الاستبدادية. تمثل سلسلة الصور الفوتوغرافية التي تم نشرها في الاتحاد السوفياتي خلال فترة حكم ستالين، والتي تم فيها محو وجود مسؤولي الحزب الذين خضعوا لعمليات تطهير.. واقعة تقشعر لها الأبدان حول كيفية تزوير السجلات التاريخية. تظهر أيضا في المعرض صور مركبة لبعض المجرمين قام بها فرانسيس غالتون، فضلا عن الملصقات الأصلية للصور التي تم التلاعب فيها من قبل جون هارتفيلد المناهض للنازية في ثلاثينات القرن العشرين.
أما قسم «الطرافة والتسلية» فيعرض مجموعة كبيرة من صور الهواة والصور التجارية التي تهدف إلى الإدهاش والتسلية والترفية. وفي هذا القسم، سوف تجد صورا مشهورة لبعض الشخصيات التي تقوم بحمل رؤوسها المقطوعة أو التي تظهر مرتين أو ثلاث مرات في الصورة. يتضمن قسم الصور الهزلية أيضا بعض صور الأشباح لمصور الأرواح ويليام موملر والبطاقات البريدية التي تسمى «قصص طويلة» التي تم إنتاجها في المجتمعات الزراعية في الغرب الأوسط الأميركي في الحقبة الأولى من القرن العشرين والصور الخداعية التي قام بعض الهواة بالتقاطها، بالإضافة إلى التجارب المشوهة الخاصة بالمصور الشهير ويغي في أربعينات القرن العشرين.
أما قسم «الصور في الطباعة» فيعرض الوسائل التي كانت تستخدمها الصحف والمجلات والمعلنون في تغيير وتحسين أو حتى أحيانا تزوير الصور بالكامل لوصف أحداث لم تحدث أبدا، مثل هبوط أحد المناطيد على قمة مبنى «إمباير ستيت». يتضمن قسم «المعالم البارزة» صور الأغلفة الشهيرة لمجلة «فوغ» والتي التقطها أروين بلومنفلد في خمسينات القرن العشرين، فضلا عن كثير من الصور التي التقطها ريتشارد أفيدون للممثلة أودري هيبورن بداية من عام 1967. يعرض قسم «عين العقل» كثيرا من الأعمال التي تعود إلى عشرينات وأربعينيات القرن العشرين لبعض الفنانين مثل هربرت باير، وموريس تابراد، ودورا مار كلارنس، و لافلين جون، وغريت شتيرن، الذين قاموا باستخدام الصور الفوتوغرافية لاستدعاء بعض الحالات الذاتية في العقل واستحضار سيناريوهات شبيهة بالأحلام وعوالم خيالية سريالية.
أما القسم الأخير في المعرض «بروتوشوب»، فيعرض بعض الصور الفوتوغرافية في النصف الثاني من القرن العشرين لبعض المصورين أمثال إيفيس كلاين، وجون بالديساري، ودوان ميكالس، وجيري يولسمان وغيرهم من الفنانين الذين تبنوا استخدام بعض التقنيات القديمة للتلاعب في الصور، مثل التصوير «الشبحي» أو تجميل الصور الصحافية لخلق أعمال تتصف بالوعي الذاتي وخفة الظل.