السوريون يواجهون واقعهم المرير بسيل من النكات

في محاولة لتحويل مأساتهم إلى ابتسامات

TT

اختار السوريون في مواجهة الأحداث الدموية التي تهز بلادهم منذ 17 شهرا الفكاهة، يستخدمونها في المظاهرات وتحت القصف وعلى صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، يتندرون بها على أنفسهم وعلى واقعهم، في محاولة لتحويل مأساتهم إلى ابتسامات.

ولمدينة حمص التي يعتبر أهلها محل تندر من سكان بلاد الشام ومن سكانها أنفسهم، حصة كبيرة في هذه النكات، على الرغم من القمع والدمار الذي لحق بـ«عاصمة الثورة السورية» ولكن من دون أن يثني أهلها عن المضي في حركة الاحتجاج والفكاهة في آن.

ويتناقل السوريون أن حمصيا كان يلهو بقذيفة أطلقتها القوات النظامية على المدينة ولم تنفجر. ولما حذره صديقه من أنها قد تنفجر، قال «لا تقلق، لدينا الكثير منها».

ويوم كانت حمص في وسط البلاد في واجهة الأحداث، ومدينة حلب في الشمال في منأى نسبيا عن حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الأسد قبل أن تنفجر فيها المعارك أخيرا، يروي أهالي حلب أن حمصيا وزوجته المحجبة دخلا حلب هربا من القصف على حمص. وبعد مرور ساعات على وصولهما، لم يسمعا أصوات إطلاق رصاص أو قذائف أو اشتباكات كتلك التي تدمي منطقتهم، فقال الحمصي لزوجته أن تنزع حجابها لأنه يبدو أن «لا أحد في حلب».

ويروي السوريون أن أحدهم عاد إلى منزله مع دجاجة حية، وطلب من زوجته أن تذبحها وتطهوها، فذكرته زوجته بأنهما اضطرا إلى بيع كل أدوات المطبخ بسبب الحاجة إلى المال، وأن ليس لديهما غاز للطهي. فهتفت الدجاجة «يعيش بشار، يعيش بشار».

ويعاني السوريون من أزمة غاز ومحروقات. وقتل منذ منتصف مارس (آذار) أكثر من 23 ألف شخص بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتقدر أضرار المعارك بأكثر من عشرة مليارات دولار، وقد ازدادت البطالة وتراجعت المداخيل.

وبالتزامن مع دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت أخيرا في لندن، احتلت الأخبار الرياضية الساخرة صفحات الناشطين المعارضين على «فيس بوك» لتعكس الواقع المعيشي في سوريا، ومنها «المنتخب السوري يفوز بالميدالية الذهبية في حمل جرات الغاز وصعود السلالم».

وتواكب الفكاهة معظم التطورات الميدانية والسياسية في سوريا، وقد كان للانشقاقات حصة كبيرة من النكات.

وبعد انشقاق عدد من الشخصيات على مستوى عالٍ، والشائعات المتكررة عن انشقاق نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، باتت النكتة الأكثر شيوعا تقول إن بشار الأسد يجبر نائبه على النوم إلى جانبه في فراش واحد في الليل خوفا من هروبه، فيما تنام أسماء الأسد على الكنبة.

وبعد انشقاق رئيس الحكومة رياض حجاب، ضجت صفحات الناشطين السوريين المعارضين بصور لمسؤولين جدد يقسمون اليمين أمام الرئيس «أقسم بالله أن لا أنشق وأن أبقى طرطورا كما عهدتني».

وأثار انتقال حجاب وغيره من المسؤولين المنشقين إلى الأردن المجاورة خيال أصحاب الفكاهة، حتى رسم أحدهم قاعة الجمارك على الحدود السورية الأردنية متخيلا فيها أربعة طوابير: «أردنيون» و«عرب» و«دبلوماسيون» و«مسؤولون سوريون منشقون».

ويحظى العسكريون المنشقون اللاجئون إلى تركيا بكم من النكات لابتعادهم عن ساحة المعركة في الداخل. وقد رفعت لافتات عدة في مظاهرات كتب عليها «عزيزي المنشق، الثورة السورية تجري في سوريا وليس في تركيا».

أما انشقاق العميد مناف طلاس وتوجهه إلى باريس فدفع بأحد المتظاهرين في قرية كفرنبل في ريف إدلب (شمال غرب) إلى رفع لافتة كتب عليها «كتائب شارل ديغول بقيادة العميد مناف طلاس تسيطر على شارع الشانزلزيه».

ولا تخلو التعليقات الساخرة من المعاني السياسية، مثل تلك التي تقول إن «سوريا فازت في الألعاب الأولمبية بالميدالية الذهبية في الرماية، وقد حققها اللاعب الإيراني أكبر قناصي»، في إشارة إلى الأخبار التي يتداولها المعارضون حول استعانة النظام بقناصة ومقاتلين من حليفته إيران.

وعندما لا يجد الناشطون ما يسخرون منه قد يتحولون إلى السخرية من أنفسهم، على غرار ناشط حمصي صور شريط فيديو يظهر فيه دمار كبير وتسمع أصوات القذائف من حوله، وهو يشير إلى «دبدوب (دمية) مصاب ولا يقدر أحد على إنقاذه بسبب القناص». ثم يردد ما يقوله الناشطون الإعلاميون عادة خلال تصويرهم مجازر أو أحداثا دامية، وهو يسلط الكاميرا على الدمية، «الله أكبر، أين العرب؟ أين المسلمون؟..».