فيينا تحتفل اليوم بمرور 150 عاما على تأسيس أول حديقة عامة

«الاشتات بارك» جاء تخطيطها متماشيا مع نمط الحدائق البريطانية

برج الساعة في الحديقة («الشرق الأوسط»)
TT

حديقة «الاشتات بارك» أعرق الحدائق العامة بالعاصمة النمساوية فيينا افتتحت بتاريخ 21 أغسطس (آب) 1862، أي تماما قبل 150 عاما، في قلب المدينة بمساحة 65 ألف متر مربع ممتدة ما بين المنطقة الأولى والمنطقة الثالثة أقدم مناطق المدينة التي تتكون من 23 منطقة.

تم إنشاء «الاشتات بارك» التي أصبحت مزارا من أهم مزارات فيينا بعد هدم سور كان يلف المدينة محيطا بها كطوق أمان كعادة المدن القديمة بقرار من الإمبراطور جوزيف الثاني الذي أمر باستبدال ذلك السور بشارع دائري أطلقوا عليه اسم شارع «الرنق» أو الدائرة، والذي أمسى اليوم أهم طريق بالمدينة.

عقب هدم السور وتعبيد شارع الرنق اختار الإمبراطور مساحة خالية كموقع للترفيه والاستجمام على شكل حديقة تنمو فيها أنواع مميزة من الأشجار والزهور والنباتات وتتخللها مسارات متعرجة وجداول مياه بحيث تكون بمثابة واحة ظليلة وسط المدينة كمتنفس طبيعي لأهلها.

جاء تخطيط الاشتات بارك متماشيا ونمط الحدائق البريطانية بواسطة المساح الرسام جوزيف سيللني مستعينا بخبرة البستاني رودلف سيبك. وفي عام 1867 ألحقوا بها صالونا خاص للاسترخاء والاستجمام اسمه «كور صالون»، إلا أن الفكرة لم تلق استحسانا من الجمهور فتم تحويله إلى قاعة واسعة للموسيقى بنيت أمامها مظلة وريفة من أغصان الأشجار وقف تحتها المايسترو والمؤلف الموسيقي النمساوي الأشهر يوهان اشتراوس (الابن) محييا أولى حفلاتها يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1868، ومن ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا ارتبط تاريخ الاشتات بارك بتاريخ يوهان اشتراوس الذي تم تخليد ذكراه بتمثال ذهبي يجسده بشاربه الكث وهو يعزف حاملا كمانه وقوفا على عادة أسرة اشتراوس الموسيقية.

ودون مبالغة ووفقا لإحصاءات اقتصادية وسياحية رسمية أضحى هذا التمثال أشهر بقعة داخل الاشتات بارك بل أشهر تمثال في المدينة قاطبة، وأكثر المواقع التي يفضلها السياح للتصوير بفيينا التي لا تخلو من مواقع سياحية شهيرة.

إلى ذلك لم تتوقف مسيرة التطور والاهتمام بالاشتات بارك والعناية بها وتطويرها ومن ذلك كان قد تقرر خلال الأعوام 1903 - 1907 تغيير مجرى نهر «فيينا» وتعديله فأصبح يجري وهو يشق الاشتات بارك إلى جزأين لتسهيل الوصول إليها بعد أن توسعت المدينة وترامت أطرافها. وحتى تظل «في متناول يد» الجميع ضمت لها محطة قطار أنفاق تحمل اسمها مما ربطها بالشبكة العامة للمواصلات.

في سياق مواز ولجذب مزيد من السياح تم تحويل مبنى قديم «الماي ايراي» وهو متجر يقع داخل الحديقة كان يمد المدينة بالألبان إلى مطعم حديث بنكهة تقليدية يقدم أفخر أنواع الأجبان وأطعمة نمساوية كلاسيكية.

من جانب آخر ظل الكور صالون فاعلا نشطا كقاعة تستضيف أنشطة ثقافية وفنية مختلفة في مقدمتها حفلات راقصة على أنغام اشتراوس عازف الحديقة الأول الملقب بـ«ملك الفالس» وذلك لروعة ألحانه وشعبيتها. ويقدر إنتاج اشتراوس أكثر من 500 معزوفة وقطعة من ألحان الفالس الذي يعده النمساويون رقصتهم الشعبية الأولى ومن أجله تغاضوا عن زلات يوهان اشتراوس (1825 والمتوفى 1899) الذي كان قد اختار التخلي عن جنسيته النمساوية وديانته حتى يتزوج السيدة التي أحبها بعدما رفضت الكنيسة الكاثوليكية الاعتراف بطلاقه من زوجة سابقة. ورغم ذلك عفا عنه النمساويون بل كرموه من أجل إرثه الموسيقي لا سيما مقطوعة «الدانوب الأزرق» التي أصبحت بمثابة نشيد وطني نمساوي غير رسمي مخلدين إياه بتمثال ذهبي نصبوه في أجمل حدائقهم.