ذهب الأولمبياد يتحول إلى عقود تجارية

أبطال الرياضة يتحولون إلى نجوم للإعلام والإعلان

غابي دوغلاس بطلة الجمباز الأميركية ظهرت مع السيدة الأولى ميشيل أوباما في برنامج «تونايت شو مع جاي لينو» (أ.ب)
TT

بعد النجاح الساحق الذي صادف أولمبياد لندن تحول أبطاله والذين فازوا بميداليات ذهبية فيه إلى نجوم حقيقيين حلوا محل نجوم الفن والتلفزيون. وفي بلد مهووس بالنجوم مثل بريطانيا، يخترعهم إذا دعت الحاجة لذلك عبر برامج تلفزيونية وكتب سير ذاتية، وفي معظم الأحيان لا يكون لهؤلاء النجوم الصناعيين أي إنجازات تذكر، يبدو سحر أبطال الأولمبياد لا يقاوم خاصة أنهم قد أنجزوا نجاحاتهم عبر عمل شاق وتدريبات مضنية.

التقدير للفائزين بدأ منذ اليوم الذي حصلوا فيه على ميدالياتهم فتسابقت وسائل الإعلام للاحتفاء بهم وهنأهم رؤساء دولهم فتلقي الدراج برادلي ويغينز الذي حصل على أول ذهبية لبريطانيا في الأولمبياد خطاب شكر من الملكة إليزابيث بينما قام باراك أوباما بالاتصال بالسباح مايكل فيلبس ليهنئه شخصيا على نجاحه الساحق في الدورة. ويتردد في بريطانيا الآن الجدل حول أحقية أصحاب الميداليات الذهبية بتقدير ملكي وألقاب رسمية.

وبعد الرسميات والاحتفال الإعلامي تطل التجارة لتختار من الفائزين من سيكون وجهها الإعلامي عبر حملات دعائية مكثفة، فكل شركة وماركة عالمية اختارت أهم الوجوه التي يمكن استخدامها للدعاية لها بمقابل يسيل له اللعاب. فبعد الذهب هلت الملايين على فيلبس وجيسيكا إينيس وبرادلي ويغينز وأوسين بولت وغيرهم. الحملات الإعلانية انطلقت بمجرد انتهاء الدورة وبدأت في بريطانيا بحملات لبطلة السباعي جيسيكا إينيس التي أطلق عليها لقب «فتاة الغلاف» بحكم أنها كانت الوجه الرئيسي لحملات فريق بريطانيا. وحين زيارتها لمدينة شيفيلد حيث نشأت خرج الآلاف في الشوارع لاستقبالها وتهنئتها وطليت صناديق البريد في البلدة باللون الذهبي أسوة بالميدالية الذهبية التي حصدتها إينيس. وعموما احتفلت كل المدن البريطانية التي خرج منها الفائزون بالميداليات الذهبية بطلاء صناديق بريدها باللون الذهبي تكريما لهم.

إينيس ظهرت بعد انتهاء الأولمبياد على أغلفة المجلات وعلى وسائل الإعلام عبر الأحاديث والصور ولكنها أيضا ظهرت في حملات دعاية لشركة تجميل «أولاي» وتقوم أيضا بالدعاية للخطوط البريطانية «بريتيش إيروايز»، وأخيرا قالت إنها سترحب بالانضمام إلى فريق تحكيم برنامج «إكس فاكتور» للمواهب الغنائية هذا الموسم. وكان سيمون كاول منتج البرنامج صرح بأنه يريد الاستعانة بأبطال الأولمبياد في برنامجه ويعرف جيدا كاول الذي يتمتع بلمسة سحرية تحول كل شيء إلى أرباح طائلة، أهمية استغلال شهرة وشعبية هؤلاء النجوم. والمعروف أن جيسيكا أسست شركة باسم «جيسيكا إينيس ليميتد» تهتم بالاستغلال التجاري لاسم وشهرة البطلة الأولمبية وقد حققت الشركة في العام الماضي ما يقارب الـ600 ألف جنيه إسترليني.

أما مايكل فيلبس السباح الأكثر شهرة في العالم وصاحب أكبر عدد من الميداليات في العالم فقد ظهر أخيرا في حملة لمنتجات دار «لوي فويتون» يوم 7 أغسطس (آب) وهو الوجه الإعلاني لـ11 شركة عالمية ويتوقع المحللون أن يجمع ثروة قدرها 65 مليون جنيه إسترليني في حياته.

أما أوسين بولت فهو النجم الثاني للأولمبياد فالمعروف أنه الوجه الإعلاني لعدد من الشركات منها شركتا «فيرجين» و«بوما» حيث يبلغ دخله من ثلاثة عقود دعائية حوالي 8 ملايين جنيه إسترليني سنويا ذلك عدا المبلغ الذي كان يتقاضاه للمشاركة في أي سباق قبيل الأولمبياد ويصل إلى 200 ألف جنيه إسترليني تضاف إليها مكافآت خاصة حال فوزه. ويرى المعلقون أن نجاحه الباهر في أولمبياد لندن سيضاعف تلك الأرقام ويتوقعون أن يرتفع إيراده السنوي من 12.7 مليون جنيه إسترليني إلى 32 مليون جنيه إسترليني.

ولكن خارج نطاق الأبطال الخارقين أمثال بولت وفيليبس يقبع أعضاء الفريق البريطاني من الحائزين على الميداليات الذهبية، فبعضهم حالفه الحظ على الفور بالفوز بعقود دعاية ودعم ولكن هناك من يرى أنه ليس كل من حاز على الميدالية الذهبية سيجد الطريق أمامه مفروشا بالنقود فحسب ما ذكر جايمي وين مورغان المدير العام لوكالة إعلانات «إم سي ساتشي» لصحيفة «التلغراف» فإن العدد الكبير للفائزين بالميداليات في الفريق البريطاني (43 ذهب و30 فضة و46 برونز) يعني أن الشركات سيكون أمامها مجال للمفاضلة بين الوجوه التي تحصل على عقود الدعاية الخاصة بها. ولكن يبقى القول إن هناك مجموعة من النجوم المفضلين لدى الجمهور وبالتالي سيكون لذلك صدى عند العلامات التجارية فالعداء الصومالي الأصل مو فرح أصبح بطلا قوميا بعد فوزه بسباقي عدو 5000 و10.000 متر للمرة الأولى لبريطانيا وتحول بعدها إلى نجم لحملة شركة «فيرجين». وكان فرح قبل الأولمبياد يحصل على 500 ألف جنيه إسترليني نظير الدعاية لشركة مشروب للطاقة ولا شك أنه الآن أصبح مطلوبا بشكل أكبر ويتوقع أن يرتفع نجمه أكثر لدى الشركات التجارية كما ستزيد أتعاب مشاركته في المسابقات الرياضية المقبلة. والمعروف أن فرح أيضا أقام مؤسسة خيرية لصالح أطفال الصومال.

أما فيكتوريا بيندلتون والمعروفة باسم «كوين فيكتوريا» بسبب مهارتها الفائقة في سباقات الدراجات فقد تحولت إلى نجمة للمجلات والبرامج التلفزيونية ويتوقع أن تحصل على أرباح تقارب المليون جنيه إسترليني في العام الواحد وحاليا اتفقت معها محطة «بي بي سي» للظهور في أحد برامج المسابقات الراقصة «ستريكتلي كام دانسينغ». وكانت بيندلتون قد وقعت عقودا سابقة مع شركة لإنتاج الدراجات وآخر مع ماركة «بانتين» لمنتجات العناية بالشعر.

الطريف أن سوق هؤلاء النجوم لا تبدو ثابتة فحسب تعليقات خبراء الدعاية فإن إمكانية استمرار إقبال شركات الدعاية عليهم تحكمها عدة عوامل أولها بالتأكيد استمرار نجاحهم وإقبال الجماهير عليهم. وهو ما تثبته حالة السباحة ريبيكا أدلنغتون التي حصدت ميداليتين ذهبيتين في بكين وأقبلت عليها الشركات التجارية ولكنها لم تستطع المحافظة على نفس الأداء في أولمبياد لندن وحصلت على برونزيتين فقط وهو ما سيتسبب في نزول أسهمها.

وعموما تتأثر قرارات وكالات الدعاية بشخصية البطل وبوجوده على مواقع التواصل الاجتماعي فحسب تقديرات إميلي ستيل محررة «الفايناشال تايمز» والتي أدلت بها لمحطة «إن بي آر» الأميركية فإن هناك وكالات خاصة بتسيير عقود الدعم التجاري مع نجوم الرياضة وتعتمد في تقديراتها على عدد من العوامل أولها هو الأداء الرياضي الفائق ولكنها أيضا تأخذ في الاعتبار الشخصية ونشاط الأبطال على مواقع التواصل الاجتماعي. وتضرب ستيل المثل ببطلة الجمباز الأميركية غابي دوغلاس التي صعدت إلى الشهرة بسرعة فائقة وازداد عدد متابعيها على موقع «تويتر» من 29 ألفا قبل الأولمبياد إلى 600 ألف بعد فوزها بأول ذهبية لبلادها في منافسات كل الأجهزة في الجمباز. وهي نفس النقطة التي يشير إليها تقرير في صحيفة «الغارديان»، فالنجاح وحده قد لا يكون كافيا فعلى سبيل المثال هناك العداء الكيني ديفيد روديشا الذي حقق الرقم القياسي في سباق 800 متر ولكن يبقى التساؤل إذا ما كانت العلامات التجارية ستتهافت عليه وتضيف الصحيفة على لسان أوليفر هنت من شركة «آوتسايد لو» التي تتولى الشؤون القانونية للدراجة بندلتون قوله «من الصعب معرفة إمكانية تسويق اسم روديشا.. فهل هو معروف بالشكل الكافي في الأسواق الكبرى؟ وما العلامات التي يمكن أن يمثلها؟ على الرغم من أن أداءه كان ممتازا فإن كل ذلك يصبح أمرا لا قيمة له عندما تتساءل عن إمكانية حصوله على الملايين».

وعلى صعيد كتب السيرة الذاتية فقد بدأ السباق على نشر سير حياة الفائزين ويبدأ السباق الدراج برادلي ويغينز الذي يستعد لإصدار الجزء الثاني من سيرته الذاتية «البحث عن المجد» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث صدر الجزء الأول في عام 2008، وفي الجزء الثاني يتناول ويغينز إنجازاته هذا العام من فوزه بسباق فرنسا الدولي وفوزه بالميدالية الذهبية في الأولمبياد. وتحاول عدد من دور النشر التفاوض مع أبطال آخرين لكتابة سيرهم الذاتية مثل كريس هوي وفيكتوريا بيندلتون والعداء مو فرح وبطلة السباعي جيسيكا إينيس. أما لورد سيباستيان كو رئيس اللجنة الأولمبية البريطانية فسوف يطرح سيرته الذاتية في شهر نوفمبر المقبل أيضا.