تونس: العودة المدرسية تثقل كاهل الأولياء.. والطلبة

البعض يتهم أطرافا بالاستثراء الفاحش من خلال المناهج والدروس الخصوصية

وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور منصف بن سالم: أعلنا عن الزيادة في المنح الطلابية، استفاد منها 30 ألف طالب وطالبة
TT

أيام قليلة تفصلنا عن العام الدراسي 2012 /2013 وهي ككل موسم دراسي من المواعيد السنوية التي تلتهم جزءا من مدخرات الأسرة، أوجلها أوكلها. وأحيانا يضطر الأولياء للاستدانة من أجل توفير اللوازم المدرسية وأحيانا أخرى يضطر كثير من الأولياء لإبقاء أبنائهم في المنزل لعجزهم عن توفير اللوازم المدرسية، على الرغم من جهود الهيئات الخيرية المحلية التي تشكو هي الأخرى من القصور المالي، مثل المرحمة الخيرية، وتكافل، وجمعية البر والتعاون الخيرية.

في هذا الموسم تزامنت العودة المدرسية مع رمضان والعيد، وهو ما زاد من تعقيد الوضع أكثر فأكثر لدى الكثير من أولياء الأمور.

وقال منذر السبري (أستاذ) لـ«الشرق الأوسط»» «هناك مشكلات مزمنة تعود من جديد مع العام الدراسي الجديد 2012/ 2013 إضافة لتكاليف الدراسة لأبناء الأسر التونسية، ومن ذلك المناهج التي لم يتم تغييرها حتى الآن للموسم الثاني على التوالي على جميع مستويات التعليم، الأساسي، مرورا بالثانوي، وحتى الجامعي.» وعدد منذر السبري مشكلات التعليم في بلاده «يلاحظ المربون كثرة الكتب المدرسية، التي يتجاوز استيعابها قدرات الطالب، ليس الذهنية فحسب، بل البدنية وهو ما سبب اعوجاجا في مستوى ظهور الكثير من الطلبة بشهادات الأطباء». وأردف «كثرة المواد المدرسية، وتقسيم الكراسات إلى مستوى رفيع وآخر رديء يثير حساسيات وحزازات بين الطلبة، وتحفر ندوبا في نفسية الطالب الفقير وفي لا شعوره».

وعلى مستوى تنظيم الدروس أشار السبري إلى أن «نظام التدريس في حاجة لإصلاح وعلى الرغم من تشكيل لجنة في هذا الخصوص فإن دار لقمان لا تزال على حالها، ومن ذلك نظام الحصة الواحدة الذي يستغرق 5 ساعات متواصلة مع راحة لمدة 10 دقائق كل ساعتين، وهو ما يرهق الطالب ويضيع تركيزه بما يؤدي إلى تدمير التعليم وهو حاصل فعلا. كما يؤدي لمضاعفات صحية لدى الطلبة الذين يكتفون بأكل البسكويت المعلب والمشروبات الغازية وهو ما ساهم في أمراض تسوس الأسنان واللثة وعدم التوازن الغذائي لدى الطلبة».

وأوضح عبد الفتاح السعودي (عامل) عجزه عن توفير مستلزمات دراسة أبنائه «لدي ثلاثة أبناء أحدهم في الثانوية العامة والآخران في الابتدائي، وكل عام أقترض من أجل شراء كتبهم المدرسية، فأنا لا أستطيع توفير ذلك من راتبي لأني أسدد قرضا سكنيا منذ عدة سنوات». وعن كيفية إمكانية تسديد قروض الكتب أفاد بأنه يأخذ الكتب عن طريق نظام الدفع المؤجل في انتظار أن تفرج.

وذكر أن تكلفة شراء الكتب تصل إلى 300 دينار تونسي. أما الملابس «سيشترون من محلات الملابس المستعملة، ليس لدي مال لأشتري لهم ملابس جديدة».

نبيل الرماح (موظف ولديه 4 أبناء) أكد من جانبه أنه حرم ابنين له من الدراسة من أجل توفير ما يكمل به ابناه الآخران دراستهما «ذهبنا إلى وزارة التربية فقالوا لنا لا نساعد سوى أبناء المرسمين أما أبناء الفقراء العاملين في الحضائر فيذهبون لوزارة الشؤون الاجتماعية، ونحن نريد أن يكون أبناؤنا في يد وزارة التعليم لا الشؤون الاجتماعية فالتعليم حق وليس صدقة».

وإن كان هذا حال الموظفين والعمال فإن حال العاطلين عن العمل أو العاملين في الحضائر الذين لم يستلموا رواتبهم منذ 4 أشهر مثل العجمي بن الصادق من قصور الشراردة أكثر تعاسة «لدي 4 أبناء بنت أولى ثانوي، وثلاثة في الابتدائي، سيتركون الدراسة إذا لم أستلم رواتبي وموظفو ولاية القيروان أعطوني أجلا لمقابلة الوالي في 30 أغسطس (آب) الجاري لأشتكي له حالي».

وطالب كثير من الأولياء الذين التقتهم «الشرق الأوسط» بإنشاء صندوق تابع لوزارة التعليم وليس الشؤون الاجتماعية لمساعدة الطلبة الفقراء المهددين بترك الدراسة لضيق ذات يد أوليائهم.

ومن الأمور التي يشتكي منها الأساتذة وأولياء الأمور في تونس مع مطلع السنة الدراسية الجديدة هي استمرار ظاهرة الدروس الخصوصية التي تثقل كاهل الأولياء على مدار السنة. وأصبح الفاسدون في قطاع التعليم لا سيما الابتدائي والثانوي يتعيشون من هذه الظاهرة ويجنون أرباحا تفوق رواتبهم أضعافا مضاعفة. «هذه من الأمور التي ننتظر وزارة التعليم التدخل فيها وهي الدروس الخصوصية التي تتم بأثمان مرتفعة جدا تصل بين 100 و150 دينارا للطالب الواحد في الشهر، وأحيانا تكون إجبارية يفرضها المعلم أو الأستاذ على طلبته الذي يرفض يرسبونه في الامتحانات، ولا يحظى بالدرجات التي يستحقها مما يؤثر على نتائج الطلبة».

ويركز الكثير من التونسيين على غلاء الكتب والأدوات المدرسية، ويكلف الطالب الواحد في الابتدائي بين 50 و150 دينارا تونسيا (الدينار نصف يورو) وهو ما يخنق أصحاب الدخل المحدود مهما كان الإنسان راتبه فإنه سيجد نفسه عاجزا أمام تكاليف العودة المدرسية لا سيما إذا كان لديه 4 أبناء يدرسون فأكثر «أما طلبة الثانوي فإن الطالب الواحد يكلف ما بين 150 إلى 300 دينار وإذا وضعنا في الاعتبار تزامن العودة المدرسية مع عيد الفطر يكون الوضع تراجيديا».

والي القيروان عبد المجيد لغوان أكد من جهته على أن المنشآت التعليمية تم تهيئتها لاستقبال الطلبة لإنجاح الموسم الدراسي، وتوفير الكوادر والإطارات التعليمية من معلمين وأساتذة وقيمين وإضافة عناصر جديدة لتفادي النقص الذي كان حاصلا في الميدان التعليمي وذلك على مستوى تونس ككل وليس القيروان فحسب. وتأمين المدارس من العناصر المنفلتة من خارج أسوار المراكز التعليمية لتوفير جو مريح لأبنائنا وبناتنا. وهناك الكثير من المشاريع التعليمية التي تم تفعيلها على مستوى المدارس والمعاهد وتجهيزها وإعدادها. وأضاف «عقدنا جلسة مع كل المعنيين بالأمر في مجال التعليم من أجل سنة دراسية ناجحة، وحل موضوع الماء الصالح للشراب، وحل مشكلة تنقل المعلمين والأساتذة والطلبة».

وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور منصف بن سالم أشار عند لقاء «الشرق الأوسط» به إلى الجديد في وزارته فأجاب «أعلنا عن الزيادة في المنح الطلابية، استفاد منها 30 ألف طالب وطالبة. وقد زادت منحة طلبة المرحلة الثالثة عن 400 دينار في السنة، وطلبة الدكتوراه زدناهم ألف دينار في السنة. والطلبة الذين يرسبون تقطع عنهم المنحة، وإذا نجحوا تعاد إليهم المنحة. ونشرع في بناء 12 مبيتا جديدا، مع مطاعمها، في مختلف أنحاء البلاد بتكلفة مائة مليون دولار. ولدينا مشاريع كليات جديدة، ومستشفيات داخل المرافق التعليمية، وأشعر بمعاناة بناتنا الطالبات اللواتي يسمح لها القانون بسنة واحدة فقط في المبيت. بالنسبة للجامعات التونسية، نسبة المدرسين المنتدبين عبر اللجان لا يتجاوزون 52 في المائة فقط، و48 في المائة من المدرسين ليسوا جامعيين، وإنما هم منتدبون بصفة مؤقتة، وبعضهم أستاذ تعليم ثانوي، وبعضهم مهندسون، ارتبطوا مع الجامعة بعقود مؤقتة. وهذا له مردود سلبي على المستوى الجامعي للخريجين. ونحن بصدد إصلاح هذا الخلل، ولن يكون هناك أستاذ جامعي من دون المرور على لجان انتداب. وعملية الإصلاح تستغرق سنتين».