رحيل أول رجل يحط على القمر

نيل أرمسترونغ في آخر مقابلاته: في يوم من الأيام سيحط على القمر رجل آخر ويستعيد الكاميرا التي تركتها هناك

نيل أرمسترونغ وباز ألدرين يثبتاان العلم الأميركي على سطح القمر (أ.ف.ب)
TT

يلقي رحيل رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ الضوء مرة أخرى على حقبة التفوق الأميركي في مجال الفضاء، فقد توفي رائد الفضاء الشهير عن 82 عاما يوم السبت، حسب ما أعلنته عائلته، نتيجة مضاعفات أعقبت خضوعه لعملية في القلب خلال الشهر الحالي.

وبالنسبة للكثيرين فقد كان أرمسترونغ أكثر من مجرد رائد فضاء، فهو الرجل الأول الذي ترك بصمة قدمه على سطح القمر وأطلق جملته الشهيرة بأنها «خطوة صغيرة للإنسان ووثبة عملاقة للبشرية». أرمسترونغ الذي لم يعبأ كثيرا بالهالة الإعلامية التي أحاطت به بعد إنجازه التاريخي قرر الابتعاد تماما عن الأضواء. ولم يكن رائد الفضاء الذي كرم عدة مرات في الولايات المتحدة وفي 17 دولة أخرى مرتاحا لهذه الشهرة، بل كان على العكس يحاول تجنب الأضواء ما أمكنه، حتى إنه كف عن إعطاء تواقيعه عندما علم أن هذه الأخيرة تباع مقابل مبالغ طائلة. وترك أرمسترونغ «ناسا» في عام 1971 لينشغل بالتدريس في جامعة أوهايو، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في مجالس إدارة عدد من الشركات. وظل الراحل بعيدا عن الأعين باستثناء ظهوره في بضع مناسبات، مثل الذكرى السنوية للهبوط على القمر، إلى جانب بعض المناسبات النادرة التي دعا فيها إلى استمرار الرحلات المأهولة لاستكشاف الفضاء.

وفي آخر المناسبات الصحافية التي ظهر فيها أرمسترونغ في شهر مايو (أيار) الماضي في أستراليا وحضرتها صحيفة «الغارديان» تحدث عن الهبوط على القمر والكلمة الشهيرة التي قالها وتحولت إلى أسطورة مثلها مثل الحدث الضخم. خلال الحديث عبر أرمسترونغ عن حزنه لعدم اهتمام الإدارة الأميركية الحالية بوكالة الفضاء «ناسا» وقال: «(ناسا) كانت واحدة من أنجح الإنجازات العامة التي ألهمت الطلبة ودفعت للتميز ومحاولة إنجاز أقصى ما يستطيعون، ومن المحزن أننا نحول برنامج الفضاء الآن إلى اتجاه آخر لن يكون حافزا للشباب».

وألقى أرمسترونغ الضوء على المراحل الأخيرة التي خاضها وزملاؤه استعدادا للهبوط على القمر، قائلا إن الدافع للإسراع بتنفيذ رحلة «أبوللو 11» كان قويا، وإن رؤساءه استدعوه قبل إطلاق الرحلة بشهر للتأكد من جاهزية الرواد، وقال: «سألني رؤسائي: هل تعتقد أنك وبقية الرواد جاهزون؟ قلت لهم إنه سيكون من الأفضل لنا إذا أمهلنا شهرا آخر، ولكننا كنا في سباق، وكان من الضروري أن نستغل الفرصة التي سنحت لنا وبالتالي كان ردي بأننا جاهزون للانطلاق».

الكثيرون يحملون تساؤلات حول ما دار بخلد أرمسترونغ لدى هبوطه على القمر، فهو لم يعلق كثيرا عن أحاسيس أو أفكار طافت بباله خلال هذه اللحظة التاريخية، ولكنه يشير بكل تواضع إلى أنه كان في مهمة عمل، وأضاف في حديثة الذي نشرته «الغارديان»: «اللحظة كانت خاصة جدا وخالدة ولكنها كانت وقتية وكان يجب علينا تخطي ذلك، فلدينا عمل نقوم به. لم نكن هناك لنتأمل. ذهبنا لإنجاز بعض الأمور وقمنا بذلك».

أما عن رد فعله تجاه كل الشائعات والتشكيك حول هبوط الإنسان على القمر فكان رده بسيطا جدا: «تبدو تلك الشائعات والنظريات جذابة جدا لكني لم أشغل نفسي بها أبدا. كل ما أعرفه هو أنه في يوم من الأيام سيحط على القمر رجل آخر ويستعيد الكاميرا التي تركتها هناك».

حط نيل أرمسترونغ في 20 يوليو (تموز) 1969 (عند الساعة 2,56 بتوقيت غرينيتش في 21 يوليو) على سطح القمر ومعه شريكه في المهمة باز ألدرين، أما زميلهما مايكل كولينز فقد بقي في مقصورة التحكم التي كانت تدور حول القمر. وحجز مكانه في التاريخ ودخل عالم الشهرة من خلال العبارة التي أطلقها لحظة وطئ القمر وهي: «إنها خطوة صغيرة للإنسان لكنها قفزة عملاقة للبشرية».

وجرت عملية الهبوط على سطح القمر أمام 500 مليون مشاهد راقبوها من خلال بث فضائي مباشر. وقال باز ألدرين البالغ من العمر 82 عاما: «تدربنا معا وكنا أيضا من أفضل الأصدقاء، ومهمة (أبوللو 11) جمعتنا إلى الأبد»، مضيفا: «سأفتقده».

أما مايكل كولنز البالغ من العمر 81 عاما فأكد: «كان نيل أرمسترونغ من أفضل الناس... ولا شك في أنني سأفتقده كثيرا».

ورائد الفضاء الراحل من مواليد الخامس من أغسطس (آب) 1930 في مدينة واباكونيتا بولاية أوهايو (شمال). بدأ مسيرته في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في عام 1955. وكان منذ طفولته شديد الولع بالطائرات، وتلقى دروسا في الطيران وهو في الخامسة عشرة من عمره، ليحصل على شهادة في الطيران بعد ذلك بسنة. ثم أصبح طيارا في قوات الطيران البحري وقام بـ78 مهمة أثناء حرب الكوريتيتن (1950 - 1953). درس هندسة الطيران البحري في جامعة بورديو (ولاية إنديانا شمال الولايات المتحدة)، وحصل على الماجستير في هذا الاختصاص من جامعة ساوث كاليفورنيا. وفي عام 1955 أصبح أرمسترونغ طيار اختبار، وقاد أكثر من خمسين نوعا من الطائرات. وبعد سبع سنوات عينته وكالة الفضاء الأميركية رائد فضاء.

وفي سبتمبر (أيلول) من عام 1966 قام برحلة مع ديفيد سكوت في إطار مهمة «جيميني 8»، حيث التحمت مركبتهما بمركبة أخرى غير مأهولة.. وكان ذلك أول التحام فضائي بين مركبتين فضائيتين.

وبعد ثلاثة أعوام دخل أرمسترونغ التاريخ من خلال مهمة «أبوللو 11»، في عام 2009 ظهر أبطال مهمة «أبوللو 11»، أرمسترونغ وألدرين وكولينز، في لقاء نادر جمعهم في متحف الجو والفضاء في واشنطن لدعم مشاريع رحلات الفضاء المأهولة إلى كوكب المريخ.

* أوباما: واحد من أعظم أبطال أميركا في كل الأزمان

* وجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما تحية إلى روح نيل أرمسترونغ، مؤكدا أن أول إنسان مشى على سطح القمر سيبقى «من بين كبار الأبطال الأميركيين» الذين «لن تمحى ذكراهم أبدا».

وقال أوباما في بيان إن «نيل كان أحد كبار الأبطال الأميركيين، ليس فقط في عصرنا الحالي، بل في كل العصور»، مؤكدا أنه حزن كثيرا لرحيل رائد الفضاء.

وأضاف الرئيس الأميركي أن أرمسترونغ «عندما أقلع مع طاقمه على متن (أبوللو 11) في 1969، حملوا معهم تطلعات أمة بأسرها»، ويومها كان أوباما طفلا في الثامنة من العمر.

وقال جان مارك أيرولت رئيس الوزراء الفرنسي إن رائد الفضاء أرمسترونغ أول إنسان يمشي على القمر، كان قد دشن مرحلة جديدة من أبحاث البشرية في الفضاء. ونقل عن أيرولت أمس قوله في باريس إن الخطوة «الصغيرة» الشهيرة لأرمسترونغ على سطح القمر فتحت عيون أجيال من المخترعين والعلماء والفنانين والشعراء وحتى الهواة البسطاء على جمال الفضاء.

وأضاف أيرولت أنه بفضل هذه المغامرة الرائعة سيظل أرمسترونغ رمزا في الذاكرة على تلك العلاقة التي مفادها أن تقدم العلم والتكنولوجيا دليل على تقدم البشرية.

وقال بيتر هينتسه منسق الحكومة الألمانية لشؤون الطيران والفضاء في بيان صحافي إن حكومة بلاده تشاطر الشعب الأميركي الحزن على وفاة رائد الفضاء. وأشار البيان إلى أن أرمسترونغ يقف في تاريخ المكتشفين على درجة واحدة مع الرحالة كريستوفر كولومبس (الذي ينسب إليه اكتشاف أميركا).

وذكر البيان أن الكلمات التي كان أرمسترونغ تحدث بها من فوق سطح القمر ستبقى إلى الأبد في ذاكرة البشرية، إذ إنها تعد من أهم الكلمات التي صدرت في القرن العشرين.

وقال مدير «ناسا» تشارلز بولدن: «ما دامت هناك كتب تاريخ، فسيذكر فيها اسم نيل أرمسترونغ باعتباره صاحب أول خطوة صغيرة يخطوها الإنسان في عالم غير عالمنا». وأضاف: «فضلا عن كونه أحد أفضل المستكشفين في أميركا، تحلى أرمسترونغ بالكياسة والتواضع وكان مثالا نقتدي به جميعا».