الأقصر تستضيف مهرجان السينما «المصرية ـ الأوروبية» لاستعادة السياحة الدولية

مدينة الأقصر حيث يعقد المهرجان تجتذب الشريحة الأكبر من السياحة الثقافية الوافدة إلى مصر
TT

بمشاركة 64 فيلما من 21 دولة أوروبية، إلى جانب مصر، تستضيف مدينة الأقصر بصعيد البلاد الدورة الأولى لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، خلال الفترة من 17 حتى 22 سبتمبر (أيلول) المقبل، تحت رعاية هشام زعزوع وزير السياحة المصري.

ويعد المهرجان هو ثاني مهرجان يقام في مدينة الأقصر هذا العام، بعد مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الذي عقد في شهر فبراير (شباط) الماضي، ويهدف كل منهما إلى تشجيع واستعادة روح السياحة الدولية في مصر، والتي تأثرت بعد أحداث ثورة 25 يناير من العام الماضي، وتعزيز الوعي الثقافي والفني في جنوب البلاد.

ويتنافس في المهرجان عشرة أفلام تمثل فرنسا وألمانيا ورومانيا وفنلندا وبلغاريا وأستونيا وإسبانيا واليونان والبرتغال، بينما تشارك مصر بفيلم «بعد الموقعة» للمخرج يسري نصر الله، والذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي في مايو (أيار) الماضي، ويتناول جوانب من الأحداث التي تلت الاعتداء بالخيل والجمال على متظاهري الثورة المصرية في ميدان التحرير بوسط القاهرة في فبراير (شباط) عام 2011 والمعروفة إعلاميا بـ«موقعة الجمل»، وهي الحدث الذي يعد من الأحداث المهمة التي أسهمت في تصاعد الاحتجاجات التي أدت إلى تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم.

بدوره، عقد الدكتور عزت سعد، محافظ الأقصر، اجتماعا موسعا مع اللجنة المنظمة لمهرجان السينما المصرية - الأوروبية، وناقش الاجتماع الذي شارك فيه ممثلون لقطاعات الثقافة والآثار والتنشيط السياحي في المحافظة، بجانب الإعلامية سلمى الشماع مؤسسة المهرجان، سبل إخراج المهرجان في صورة تتناسب ومكانة الأقصر الحضارية، وتاريخ السينما المصرية. كما تم خلال الاجتماع تشكيل غرفة عمليات دائمة في الأقصر للتنسيق مع الوزارات المعنية لتقديم التسهيلات اللازمة لضيوف المهرجان، والفرق الإعلامية القادمة لتغطية أحداثه من مختلف الدول.

وقال الدكتور سعد في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» إن «حفلي افتتاح وختام المهرجان سيكونان مفاجأة، بعرض فقرات تتسم بالغموض الذي ميز الحضارة الفرعونية».

وأكد المحافظ على أهمية إقامة المهرجان في موعده المقرر وما يمثله ذلك من توجيه رسالة واضحة بتحقق الأمن وعودة الاستقرار للبلاد وبالتالي عودة التدفقات السياحية، بجانب ترسيخ مكانة الأقصر ثقافيا والتفاعل مع الثقافات والفنون الأوروبية.

وأضاف محافظ الأقصر أن «المهرجان يصب في مصلحة الأقصر وذلك لما يمثله من امتزاج للثقافات وتبادل للخبرات بين مصر وأوروبا باعتباره نقطة إشعاع ستكون محط أنظار العديد من الدول»، لافتا إلى أن بريطانيا ستكون ضيف شرف المهرجان، وسيتم دعوة العديد من الفنانين المصريين والأوروبيين ومنهم الفنان العالمي عمر الشريف للاحتفال بمرور 60 عاما على عرض فيلم «صراع في النيل» الذي تم تصويره في الأقصر قبل عقود مضت، بجانب تنافس أفلام تمثل كلا من فرنسا وألمانيا ورومانيا وفنلندا وبلغاريا وأستونيا وإسبانيا واليونان والبرتغال، إضافة إلى مصر.

وعرفت الأقصر (التي تقع على بعد نحو 690 كلم جنوب القاهرة) عبر العصور المختلفة بالعديد من الأسماء، ففي بدايتها كانت تسمى مدينة «وايست»، ثم أطلق عليها الرومان بعد ذلك اسم «طيبة»، وأطلق عليها كذلك «مدينة المائة باب»، كما وصفها الشاعر الإغريقي هوميروس في «الإلياذة»، وسميت كذلك باسم «مدينة الشمس»، و«مدينة النور»، و«مدينة الصولجان»، وبعد الفتح العربي لمصر أطلق عليها العرب اسم «الأقصر»، وهو جمع الجمع لكلمة قصر، حيث إن المدينة كانت تحتوي على الكثير من قصور الفراعنة، ويرجع تأسيس مدينة طيبة إلى عصر الأسرة الرابعة نحو عام 2575 قبل الميلاد.

ويرأس لجنة تحكيم مهرجان السينما المصرية - الأوروبية، الذي يستمر ستة أيام، المخرج المصري سمير سيف، ويشارك في عضوية اللجنة المنتج الفرنسي جاك بيدو، والناقدة الألمانية بربارا لوري، والممثلة البرتغالية تيريزا فيللافيرد، والمخرج الكرواتي برانكو شميت.

واختير الروائي المصري البارز بهاء طاهر رئيسا شرفيا لدورة المهرجان الأولى، نظرا للقيمة الكبيرة لتاريخ ومشوار بهاء طاهر أحد أبرز أعلام المدينة الجنوبية العريقة والذي دائما ما يحرص على دعم الحركة الثقافية والفنية فيها بأنشطة متعددة.

وينظم المهرجان مسابقة للأفلام الطويلة والقصيرة، ويكرم الممثل المصري أحمد حلمي، ويعرض له خمسة أفلام، كما يكرم السينما البريطانية التي سوف يشارك بعض صناعها في تنظيم ورش للتدريب على الفنون السينمائية المختلفة كالإخراج والتصوير وكتابة السيناريو. وأكد المخرج محمد كامل القليوبي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «نون للثقافة والفنون» المنظمة للمهرجان، أن «الأفلام المشاركة في المهرجان ستشارك في أقسام عدة، من بينها مسابقة الأفلام المصرية - الأوروبية الطويلة التي تضم 10 أفلام من كل من مصر وفرنسا وألمانيا وفنلندا وبلغاريا وأستونيا وإسبانيا ورومانيا واليونان والبرتغال، إلى جانب مسابقة الأفلام القصيرة وتضم 40 فيلما من 20 دولة».

ومن المقرر أن يشهد المهرجان عرض 9 أفلام بريطانية منها فيلم الافتتاح «صيد السلامون في اليمن» للمخرج لاس الستروم، وبطولة إيوان ماكريجور وإيملي بلانت، والممثل المصري عمرو واكد.

وبحسب رئيس المهرجان، الناقدة السينمائية ماجدة واصف، فإن أهم مفاجأة ستحملها الدورة الأولى للمهرجان هي ترجمة الأفلام المشاركة إلى اللغة العربية، معتبرة أن ذلك الأمر هو أهم الأهداف التي يسعى إليها المهرجان من أجل تشجيع أهالي الأقصر على متابعة فعاليات المهرجان بكاملها.

وأشارت واصف إلى أن صعيد مصر عانى من تجاهل طويل وأغلقت جميع دور العرض فيه واحدة بعد الأخرى، وتابعت: «نسعى إلى تعزيز الوعي السينمائي في صعيد مصر الذي يعتبر من أهم البقاع الأثرية والحضارية في العالم أجمع».

وأضافت واصف أن ترجمة جميع الأفلام المشاركة إلى اللغة العربية ستسهم في خلق حالة مطلوبة من التواصل، لأن الترجمة إلى الإنجليزية لهذه الأعمال لا تشجع الجمهور على التواصل معها، ولذلك تميز هذه الخطوة المهرجان عن غيره من المهرجانات التي تقام على أرض مصر.

من جانبه، قال عمرو العزبي، رئيس الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، إن «المهرجان يهدف إلى تعزيز الوعي السينمائي والتعرف على الأعمال السينمائية والسمعية والبصرية المتميزة بمصر وأوروبا، والعمل على استقطاب جمهور جديد للسينما في صعيد مصر، فضلا عن أن فعاليات المهرجان ستجذب أعدادا كبيرة من السياح الأجانب الذين سيتم تسويق المهرجان لهم من خلال الشركات السياحية والفنادق الكبرى، والتي من شأنها تنشيط السياحة الأوروبية في الأقصر بوجه خاص والوافدة إلى مصر بوجه عام».

وأوضح مجدي سليم، رئيس قطاع السياحة الداخلية بالهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، أن «المهرجان سيشهد تغطية إعلامية عالمية في الخارج والداخل لتسليط الأضواء على مدينة الأقصر ومصر»، معربا عن حرصه على زيادة عدد المهرجانات الدولية في مصر وأهمية إقامتها في المحافظات التي تحمل تاريخا كبيرا بالنسبة للعالم أجمع.

ويرى سينمائيون وخبراء أثريون أن اختيار الأقصر لعقد المهرجان يعد موفقا للغاية، لكون الأقصر تجذب الشريحة الأكبر من السياحة الثقافية الوافدة إلى مصر، وتعتبر مخزن الحضارة المصرية القديمة وفيها أكثر من «800 منطقة ومزار أثري»، تضم أروع ما ورثته مصر من تراث إنساني، كما أنها عاصمة مصر في العصر الفرعوني، وتضم العديد من المعالم الأثرية الفرعونية القديمة مقسمة على البرين الشرقي والغربي للمدينة، يضم البر الشرقي معبد الأقصر، ومعبد الكرنك، وطريق الكباش الرابط بين المعبدين، ومتحف الأقصر، أما البر الغربي فيضم وادي الملوك، ومعبد الدير البحري، ووادي الملكات، ودير المدينة، ومعبد الرامسيوم، وتمثال ممنون، وهو جزء من المعبد الجنائزي الذي بناه أمنحتب الثالث.

ويقول الخبير الأثري، محمد سعد الدين، عن تاريخ الأقصر، لـ«الشرق الأوسط»: «يرجع تأسيس مدينة طيبة إلى عصر الأسرة الرابعة نحو عام 2575 قبل الميلاد، وحتى عصر الدولة الوسطى لم تكن طيبة أكثر من مجرد مجموعة من الأكواخ البسيطة المتجاورة، ورغم ذلك كانت تستخدم كمقبرة لدفن الأموات، فقد كان يدفن فيها حكام الأقاليم منذ عصر الدولة القديمة وما بعدها»، مضيفا أن «الأقصر أصبحت عاصمة لمصر في عصر الأسرة المصرية الحادية عشرة على يد الفرعون منتوحتب الأول، والذي نجح في توحيد البلاد مرة أخرى بعد حالة الفوضى التي أحلت بمصر، وظلت مدينة طيبة عاصمة للدولة المصرية حتى سقوط حكم الفراعنة والأسرة الحادية والثلاثين على يد الفرس في 332 قبل الميلاد».