ألمانيا: تحذيرات من آثار مادة «فاثاليت» الملينة

شكوك حول دور مواد تليين البلاستيك في البدانة والسكري

هناك شكوك كبيرة حول المخاطر الطبية التي تتسبب فيها المواد الملينة في البلاستيك، لذي يدخل في صناعة زجاجات وأقداح وألعاب الأطفال
TT

تأكدت المخاوف من تحول الأرض إلى «كوكب بلاستيكي» قبل سنوات حينما أخضع أعضاء منظمة «الكوكب البلاستيكي» البيئية دماءهم إلى الفحص المختبري، وتبين وجود آثار من البلاستيك في كل العينات التي أخذت. ويبدو أن المواد الملينة للبلاستيك لا تقل خطورة وتغلغلا في حياة البشر من البلاستيك نفسه، لأن فحص عينات من بول الشباب الألمان أثبتت وجود آثار من مادة «فاثاليت» الملينة في كل العينات تقريبا.

علماء «المعهد الألماني لطب العمل والمجتمع والبيئة»، بالتعاون مع جامعة نورمبيرغ، درسوا نتائج فحص البول لنحو 800 شاب متطوع من مدينة إيسن (غرب). وكشفت الدراسة عن آثار لمادة «فاثاليت» في كل العينات تقريبا، وهي عينات أخذها أطباء جامعة إيسن بين 1998-2008 من شباب تتراوح أعمارهم بين 20 و29 سنة.

عموما هناك شكوك كبيرة، تأسست على دراسات طبية سابقة، تحوم حول المخاطر الطبية التي تتسبب فيها المواد الملينة في البلاستيك. وترتفع هذه الشكوك كثيرا عندما تستخدم هذه المواد في تليين البلاستيك الذي يدخل في صناعة زجاجات وأقداح وألعاب الأطفال. وتشير الكثير من الدراسات السابقة إلى أن هذه المواد، وخصوصا «فاثاليت»، تذوب في لعاب الأطفال وتتسرب بهذه الطريقة إلى أجسادهم. وتكون الخطورة أعظم عندما توجد هذه المادة في عضاضات و«بزازات» الأطفال، لأن خطر ذوبان المادة في اللعاب مباشر.

والمواد الملينة المختلفة، التي صارت تحمل اسم «فاثاليت»، تدخل في تليين مختلف المواد الصناعية، وخصوصا في البلاستيك والمواد اللاصقة ومختلف الأصباغ. وتقدر مفوضية الاتحاد الأوروبي إنتاج هذه المواد، على المستوى الأوروبي، بنحو مليون طن سنويا، يدخل 90 في المائة من هذه الكمية في تليين البلاستيك، وتقدر مصادر الاتحاد الأوروبي ارتفاع الطلب على هذه المواد مستقبلا ليبلغ إنتاجها عام 2018 نحو 7.6 مليون طن سنويا، بل صارت المواد الملينة تدخل في صناعة أغلفة كبسولات مختلف الأدوية، وفي صناعة أجهزة القسطرة الطبية، وفي أكياس حفظ الدم، وفي الأنابيب التي تستخدم في سحب الدم أيضا. هكذا تجد هذه المواد طريقها مباشرة إلى جوف الإنسان. والمعتقد أن المئات من هذه المواد المركبة، من عائلة الملينات، تدخل في صناعة معظم المواد والأجهزة التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية. وعثر خبراء البيئة، من دائرة البيئة الاتحادية، على آثار من هذه المواد في غبار البيوت، في ماء الشرب، وفي التربة، وفي دم الإنسان طبعا.

والشكوك حول علاقة ملينات البلاستيك بالبدانة التي أصبحت أخطر أمراض المجتمع، وبداء السكري الذي تتضاعف معدلاته في مختلف المجتمعات الغربية، ليست جديدة بالطبع، لكن نقابة أطباء الغدد الألمان (DGE) حذرت الآن رسميا من دور «فاثاليت» في البدانة وداء السكري.

اعتمدت النقابة على دراسة سويدية جديدة تتهم «فاثاليت» بتهمة تحفيز الجسم نحو تخزين الشحوم، والإخلال بعملية الاستقلاب، والتأثير سلبا في فرز الأنسولين. وتحمل هذه الدراسة «فاثاليت»، على الأقل، مسؤولية تحفيز نوع «السكري-2» عند البالغين.

والدراسة المذكورة أجريت في أبسولا السويدية وشملت 1016 مسنا من عمر يزيد على 70 سنة. واتضح أن 10 في المائة منهم يعانون من داء «السكري-2»، وعثر العلماء في دماء كل رجال هذه المجموعة على ثلاثة أنواع من مركبات «فاثاليت». وتؤثر هذه المركبات سلبا على عمل «مستقبلات» عصبية خاصة تنظم مستوى الغلوكوز في الدم، وتنظم كميات السكر في الجسم، وتنظم حساسية الجسم لهرمون الأنسولين.

وذكر هيموت شاتس، من نقابة «DGE» في بوخوم، أنه «من الواضح أن الملينات تقلل تكوين الأنسولين في الجسم. وربما أنها تسبب زيادة مقاومة الجسم لتأثير الأنسولين المفروز بشكل طبيعي في الدم». وطالب شاتس بمزيد من الدراسات العاجلة للتأكد من الشكوك حول أضرار المواد الملينة، كما طالب الصناعة العالمية بالبحث عن مواد ملينة جديدة لا تضر بالبيئة ولا بصحة الإنسان.

وسبق لدراسة مكسيكية مماثلة، ولكنها شملت عددا أقل بكثير من الناس، أن توصلت إلى مثل هذه النتائج، ومفادها أن المركبات التي تدخل في تكوين الملينات تبعث الاضطراب في استقلاب السكر في جسم الإنسان.

ومطلع هذا العام نشرت المنظمة البيئية البريطانية «كيم ترست» دراسة تثير الشكوك حول دور «فاثاليت» في البدانة والسكري. وتوصلت هذه الدراسة إلى أنه من المحتمل أن تحبط بعض هذه المواد فرز الأنسولين في خلايا البنكرياس.

تنظر المنظمات البيئية والصحية بعين القلق إلى الاستخدام الموسع للمواد الملينة، وخصوصا «فاثاليت DEPH»، في صناعة دواخل السيارات، وخصوصا في فرش المقاعد والقبضات والمواد البلاستيكية الأخرى. ولأن السيارة مغلقة في معظم الأحيان فهناك خطر تركز المواد الملينة المتطايرة في الجو، كما أن هناك مخاطر احتكاكها بمؤخرة السائق والجالسين. وأشارت دراسات سابقة بحذر إلى احتمال ضلوع هذه المواد في بعض حالات العقم عند الرجال، وفي حدوث ولادات مشوهة بتأثيرها.

وحسب معطيات معهد الدراسات الاقتصادية، فإن استخدام «فاثاليت DEPH» في السيارات يتوسع، مع ملاحظة أنها تؤلف 54 في المائة من مجموع المركبات المحسوبة على «فاثاليت». ويدعو هذا المعهد إلى التخلي عن «فاثاليت» لصالح مواد زيتية طبيعية، قد تكون أكثر كلفة، ولكنها أكثر رأفة بحياة الإنسان ودورة الطبيعة.

زيادة الضغط على الصناعة للتخلي عن «فاثاليت DEPH» دفعها للبحث عن مواد جديدة لم تشملها الدراسات الطبية.. واحدة من هذه المواد الجديدة هي «فاثاليت DPHP» التي تدخل كثيرا في صناعة الكابلات الكهربائية، وبلاستيك السيارات وألعاب الأطفال. وحذر «معهد تقييم المخاطر الاتحادي» من استخدام مركز لهذه المادة في صناعة ألعاب الأطفال.

الدراسات القليلة على هذه المادة، وتأثيرها على الحيوانات المختبرية، تحذر من خطر «فاثاليت» على عمل الغدة الدرقية، وعلى إفراز الهرمونات من الغدة النخامية في الدماغ. وهذه مخاطر تتعلق بصحة الإنسان مباشرة، وعى قدراته الجنسية، كما أنها قد تحفز الإصابة بمختلف الأمراض السرطانية.

يذكر أن برلمان الاتحاد الأوروبي، وبناء على الدراسات السابقة، قرر عام 2005 حظر استخدام ثلاث مواد من مركبات «فاثاليت»، وهي «DEHP»، و«DBP»، و«BBP»، في ألعاب الأطفال وفي ملابس وأواني الأطفال.. إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يحظر استخدام هذه المواد في الأجهزة الطبية وفي إنتاج أغلفة الأدوية (الكبسولات). وجاء في القرار أن المواد الملينة من هذه الأنواع قد تسبب الأمراض السرطانية، وتحدث التغيرات في العوامل الوراثية، كما قد تؤثر سلبا في القدرة على الإخصاب. وهذا ما دفع البرلمان الألماني مؤخرا إلى مطالبة حكومة أنجيلا ميركل بدراسة إمكانية حظر استخدام هذه المواد في الصناعة الطبية.

وكانت مصادر عملاق الصناعة الكيماوية الألمانية «باسف BASF» قد ذكرت أن علماءها أنتجوا مادة طبيعية رخيصة وبيئية ستحل محل البلاستيك في معظم القطاعات الصناعية. ويمكن إنتاج المادة من المواد الطبيعية المتوفرة في النفط الخام، وتتحلل ذاتيا بعد الانتهاء من استخدامها من دون أن تؤثر سلبا على البيئة. إن المادة سهلة التحضير ومنخفضة الكلفة من ناحية الإنتاج. وتعتمد المادة في صناعتها على مادة «بولي هايدروكسي بوتيرات» الطبيعية التي تفرزها بعض أنواع البكتيريا غير المرضية. وهي عبارة عن «بوليمر» يتألف من سلاسل طويلة من الجزيئيات المختلفة وتتفكك إلى ثاني أكسيد الكربون وماء بعد فترة معينة، يمكن التحكم بطولها، من خلال التحكم بشروط إنتاجها، وهي مادة شبيهة بمادة «بولي بروبلين» التي تدخل في صناعة البلاستيك الخاص، والاختلاف بين الاثنتين هو أن «بولي بروبلين» لا تتحلل بيولوجيا وتعتبر ضارة بالبيئة.