شمس المهرجانات تغيب لتشرق في سماء الإنترنت

يوميات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (1)

العمال يحضرون السجادة الحمراء استعدادا لافتتاح مهرجان فينيسيا السينمائي الليلة (أ.ب)
TT

قبل وفاته سنة 2008، أدلى المخرج يوسف شاهين بحديث لاحظ فيه أن كل شيء بات هينا بالنسبة للمخرجين الجدد.. قال: «أول مرة جئت فيها إلى مهرجان فينيسيا حملت فيلمي تحت إبطي من مصر إلى البندقية وأخذت أعرضه بنفسي، وفي بالي أنه إذا لم يختره المهرجان للعرض رسميا، فسأقوم بتنظيم عرض له بنفسي».

ترى ما الذي سيقوله اليوم لو عاش ليرى المهرجان الفني الكبير، الذي ينطلق اليوم في دورته التاسعة والستين ويستمر حتى 8 (سبتمبر) أيلول المقبل، وهو يعلن أنه صار بإمكان السينمائيين العمل مع المهرجان من راحة بيوتهم وعلى شاشات الكومبيوتر الخاصة بهم خلال أيام المهرجان ذاتها. إذا كنت موزعا أو منتجا وغير قادر على أن تحضر الدورة.. لا بأس.. تشترك مع واحدة من الشركات التي اختارها المهرجان، فتدفع مبلغا مقطوعا من المال وتشاهد ما يختاره المهرجان للبث على موقع تلك الشركة. لن يكون بالمقدور مشاهدة كل شيء، لكن بعضه أفضل من لا شيء بالنسبة لموزع مستقل أو جديد ربما لا يتمكن من حضور المهرجان المكلف، أو ربما كان مشغولا بالتحضير لمهرجان آخر يقام في الوقت ذاته مثل سان سابستيان الإسباني أو تورونتو في كندا.

الخدمة ليست محصورة بالموزعين، بل لمنتجين يريدون اكتشاف مواهب جديدة أو مبرمجي مهرجانات أخرى أو حتى مخرجين سينمائيين يريدون مشاهدة التجارب المختلفة. لكن بصرف النظر عن الفئة، فإن الخطوة تتيح لكل هؤلاء حضور ولو جزء من المهرجان من دون السفر إليه.

طبعا، الغاية هي خلق وسيلة لسوق سينمائية متطورة قد تؤثر على، إن لم تلغ، الحاجة إلى الأسواق السينمائية في المهرجانات التي تتعامل مع هذه النظم الدارجة. المفارقة هي أن مهرجان فينيسيا الوحيد بين الأربعة الكبيرة ( إضافة إلى برلين – كان - تورونتو) الذي ليس لديه سوق سينمائية (مع العلم بأن سوق تورونتو لا تقام بوصفها سوقا رسمية كحال ما يحدث في برلين وكان). وعدم وجود سوق لمهرجان فينيسيا كان دائما سببا من أسباب اعتزاز هواة السينما الجادة بهذا المهرجان الإيطالي على أساس أنه فصل بين التجارة والفن؛ فاستبعد الأولى والتزم بالثاني.

صحيح أنه، ومنذ الثمانينات حين عاد بعد توقف، كان دائما ما يتيح المجال لشركات توزيع ولمنتجين وبائعي أفلام الحضور، لكنه لم ينظم لهم صرحا أو يضعهم في مبنى منفصل أو يؤسس لهم برنامجا خاصا. ما حدث في السنوات الأخيرة، أيام رئاسة ماركو مولر (الذي بات الآن مدير مهرجان روما) هو أن النية لاستحداث سوق سينمائية أدت إلى البدء بحفريات لتأسيس مبنى جديد. في عام 2010 تم توفير الخرائط للذين حضروا دورة تلك السنة وفي العام ذاته بدأ الحفر والتأسيس. في العام الماضي توقف العمل وأحيط ما تم حفره بسياج محكم حتى لا يرى العابرون ما تم حفره. وتعددت الروايات. فريق قال إن أسباب التوقف مادية، وفريق قال إن الحفر أدى إلى خلافات قانونية بين فرقاء كثيرين بسبب بعض الآثار التي تم اكتشافها. إذا كان ذلك صحيحا، فإن تلك الآثار إما ما زالت مطمورة أو تم طمرها من جديد.. لأن مشروع إقامة سوق فعلية اندثر بالتأكيد.

ما لم يندثر هي الفكرة! فعوضا عن تأسيس مبنى أو جزء منه ليكون سوقا تنتشر في أروقته وغرفه شركات الأفلام لكي تعرض وتبيع، قرر المهرجان، تحت إدارة ألبرتو باربيرا، الاستعانة بفضاء الإنترنت ليشيد جزءا تمهيديا لهذه السوق.

إنها بداية مرحلة جديدة بالنسبة للمهرجان العريق، لكن يجب أن نعلم أنه ليس المهرجان الدولي الأول الذي عمد إلى هذه الطريقة.

قبل ثلاثة أعوام قام مهرجان روتردام الدولي (في هولندا) بعرض مجموعة من أفلامه باتفاق مع مؤسسة «يوتيوب». حينها صرح مديره الفني روتغر وولفسون بأن المهرجان يساعد الأفلام على الانتشار بين الجماهير. ومعه حق في مبدأ هذا الادعاء؛ إذ قيل إن عدد مشاهدي بعض أفلام تلك الدورة بلغ تسعة ملايين فرد، لكن ما إذا كان جمهور الإنترنت هو البديل الفعال الجيد لجمهور السينما، أو إذا ما كان من واجب المهرجانات الإسهام في تشتيت نظام العروض السينمائية وتفتيته، فهذا أمر آخر.

في عام 2010 بدأ مهرجان ترايبيكا السينمائي في نيويورك بعرض عدد من الأفلام على الإنترنت بالإضافة إلى بث النشاطات والحفلات التي يقيمها المهرجان خلال فترة إقامته. مديره جيف غيلمور لم يبتعد عن منطق وولفسون؛ إذ قال: «نهدف إلى جعل كل الأميركيين شركاء في معايشة المهرجان وليس فقط حاضريه». للأسف، لم يُسجل أن أحدا تساءل عما إذا كان ذلك الهدف نبيلا كما يبدو من الظاهر أم معولا هداما قد يقضي على فكرة المهرجان بأسره.

والواقع أن هناك وجهة نظر مؤيدة لما تقوم به المهرجانات من زاوية أنه ما دام المهرجان يبث أفلامه للمحترفين، فإن يساعد مخرجي السينما على توزيع أفلامهم، لكن حيال هذا الواقع هناك مشكلتان: الأولى أن الحال ليست هكذا دائما؛ فمهرجانا روتردام وترايبيكا سعيا لتوسيع رقعة المشاهدة لتضم الجمهور الواسع، والثانية، أن المحترفين الفعليين في صناعة الفيلم وتسويقه سيجدون أن من الصعوبة بمكان بيع أفلامهم بعد توسيع رقعتها على هذا النحو.

فينيسيا لن يكون آخر المهرجانات التي ستعمد إلى هذا الأسلوب، بل ستشهد الدورة الجديدة من مهرجان تورونتو محاولته إنشاء شبكة خاصة به يعرض من خلالها أفلامه. والحال أنه مثل أشياء كثيرة في حياتنا، تبدو المسألة تقليدا لا يحب أحد الخروج عنه أو البقاء خارج حلقته.

* «الأصولي المتردد» يفتتح «فينيسيا»

* يقدم مخرجته ميرا نير طموحة من دون حدود

* فيلم الافتتاح الرسمي هذا اليوم من نصيب المخرجة الهندية ميرا نير. مخرجة «سلام بومباي» 1988 و«عرس مونسون» (2001) من بين أفلام أخرى. تعود المخرجة الهندية إلى صرح المهرجانات الدولية بفيلم جديد (وربما كان مختلفا عما قدمته من قبل) بعنوان «الأصولي المتردد» مقتبس عن رواية الكاتب الباكستاني محسن حميد التي تمت ترجمتها العام الماضي إلى 25 لغة. بطله شخص باكستاني الأصل، يعمل لحساب مؤسسة أميركية كبيرة تقوم على تقويض دعائم مؤسسات تجارية صغيرة لشرائها بأرخص الأسعار وتصفيتها لحساب شركات أخرى.

بطل الرواية يستمد من تاريخه الشخصي حين يلحظ التشابه بين وضعه الخاص ووضع عمله، فهو آت من أصل عرقي وديني ضعيف كان لا بد له (أي لذلك العرق) من الانخراط في النظام الأميركي الأكبر والأشمل تماما كحال تلك الشركات الصغيرة والضعيفة التي تهيمن عليها المؤسسة التي يعمل لديها لكي تستولي عليها. ولا تنتهي المقارنة عند هذا الحد. الرواية مكتوبة بلغة التعليق وعلى لسان بطلها ذاك، وتقوم على مواجهة بينه وبين أميركي كان التقى به في باكستان. المحور هو حياة شانغيز بعد تركه الولايات المتحدة والعودة إلى باكستان. هنا أخذ يجد نفسه منسحبا تدريجيا إلى ثقافة تركها وراءه حين عاش في الولايات المتحدة. ثقافة دينية محافظة قد تدعوه إلى التطرف الذي لا يتمناه (ما يفسر العنوان) لكن ما يراه مسببا له هو الهيمنة الأميركية على العالم وغرقها في التحول إلى مثيل للشركة التي كان يعمل لها.

إنه موضوع سياسي بالكامل يتعامل ويتساءل الكاتب وبطله كما القارئ حول ما يتعلق بكل ما نتج من بعد 2001 من تفاعلات وحروب. ما هو غير معروف، والفيلم لم يعرض بعد، كيف تناولت نير الموضوع. ماذا نقلت وماذا أهملت، لكن المؤكد هو أن الحكاية التي سنراها (والتي يقوم ببطولتها ريز أحمد وكايت هدسون وكيفر سذرلاند وليف شرايبر) تم تصويرها بوصفها دراما تشويقية وفي مواقع متعددة، فهي تنطلق من نيويورك (حي وول ستريت) وتنتقل إلى لاهور وإسطنبول وبين مدن أخرى.

المؤكد الآخر هو أنه أكثر أفلام نير طموحا.

والطموح هو وقودها منذ البداية، فهي بدأت حياتها مخرجة تسجيلية في الهند، ثم عمدت إلى الفيلم الروائي عبر «سلام بومباي» الذي أخرجته وعينها على السوق الدولية. حين التقيتها قبل سنوات قليلة تحدثت عن رغبتها آنذاك فقالت: «كنت دائما ما أرفض الحدود. وكنت أريد إخراج أفلام لها طابعي الثقافي الهندي وأسلوبي الفني، لكني كنت أريد لها أن تكون عالمية».

لم يتوقف ذلك الطموح وصاحبها فيلم وراء آخر. من «سلام بومباي» إلى «ميسيسيبي ماسالا» ومنه إلى «كاما سوترا» ثم «عرس مانسون» وبعده انتكست مشاريعها بتحقيق فيلم لم يترك أثرا كبيرا هو «ذو الاسم نفسه» Namesake سنة 2006 قبل أن تتبعه سنة 2009 بفيلم حمل طموحا جديدا يشبه طموح بطلته هو «أميليا». في ذلك الفيلم أدت هيلاري سوانك دور إميليا إرهارت التي كانت أول امرأة أميركية تتحول إلى قائدة طيران. إميليا ربما أقلعت في طائرتها، لكن نير لم تستطع الإقلاع في ذلك الفيلم.

ما حدث، رغم ذلك، أنها تعرفت على أماندا بالمر التي كانت رئيسة مهرجان الدوحة السينمائي، وعبرها تقدمت إلى «مؤسسة الدوحة للأفلام» بمشروعها الجديد هذا وفازت بالتمويل المطلوب له.

هذه هي المرة الخامسة التي تعرض نير فيلما لها في فينيسيا وكانت فازت بـ«الأسد الذهبي» حين شاركت بـ Monsoon Wedding

* ابن هيتشكوك برايان دي بالما يستلهم فيلما فرنسيا مع ناوومي راباس وراتشل ماك آدامز

* ناوومي راباس لا تستطيع أن تغفر لرئيستها في العمل راتشل ماك آدامز أنها سرقت منها فكرتها وصاغتها بكلماتها وبعلاقاتها وحققت من ورائها مزيدا من النجاح الإداري. لذلك ستضع خطة للانتقام تحتوي على جريمة قتل في خضم أحداث متشابكة تحتوى، إلى جانب الجريمة، بعض المشاهد الساخنة عاطفيا بينهما.

الفيلم هو «عاطفة» Passion والمخرج هو الأميركي برايان دي بالما، لكن الأصل فرنسي؛ إذ كان المخرج الفرنسي الراحل ألان كورنيو كتبه وحققه فيلما سنة 2010 قبل وفاته بأشهر قليلة تحت عنوان «جريمة حب». في النسخة الفرنسية، جريمة قتل خططت لها موظفة مرموقة في شركة هندسية كبيرة (لودفين سانييه إحدى أهم الممثلات الجديدات في السينما الفرنسية وظهرت مؤخرا في «الفتاة مقطوعة لاثنين» و«بيتوش») للتخلص من رئيستها التي دأبت على مضايقتها. تؤدي دور الرئيسة البريطانية التي تجيد الفرنسية كالفرنسيين تماما كريستين سكوت توماس. سيدفع السيناريو، الذي كتبه كورنيو مع نتالي كارتر، باتجاه علاقة بين عشيق كريستين ولودفين تقع بعد الدوام وبعيدا عن ناظري الرئيسة التي حين تدرك وجود العلاقة تتغير تماما لناحية لودفين. وهناك مشهدان ذوا دلالة: الأول حين تكتشف كريستين أن اتصالات لودفين مع زبائن أميركيين قطعت شوطا كبيرا، فتتصرف في الاجتماع الذي ضمها ولودفين ومندوبين أميركيين كما لو كانت تشرف على المشروع، لكن ما إن ينصرفا حتى تبادر لنهر لودفين متسائلة عن السبب في إقدام هذه على العمل من ورائها. المشهد الثاني حين تلتقط كاميرا الأمن لودفين وهي تغادر العمل منفعلة فتصطدم سيارتها بعمود. كريستين تستغل الموقف لتثير سخرية موظفي المكتب. كل هذا لا يمضي بعيدا عن مراقبة موظف يعمل مباشرة تحت لودفين (باتريك ميل) الذي يتابع أيضا سلسلة تحولات تظهر على السطح بالنسبة لتصرفات لودفين. لكنها تصرفات وهمية مقصودة ناتجة عن قرار لودفين تنفيذ الجريمة الكاملة وقتل كريستين والتربع مكانها والتمتع بعشيقها؛ ولو أن الأمور لا تسير تماما على هذا النحو حينما يفاجئها مساعدها في اللقطة ما قبل الأخيرة بمعرفته خطتها تلك التي قضت بدخول لودفين السجن على أساس أنها قاتلة قبل أن توظف الظروف للبرهنة على أنها كانت في مكان آخر وقت حدوث الجريمة، دافعة البوليس للارتياب بالعشيق.